الجبال الكبيرة تصبح اكثر مهابة حين الاقتراب من حولها، ولكن الرجال العظام ليسوا كذلك
انقلاب سياسي ” نسائي” يطيح بالزعيم القوى لحزب الراديكال الدنماركي اليساري، مورتن اوسترجارد ..
على امتداد الأيام الثلاثة الماضية، لم تتوقف وسائل الإعلام، وكذلك مواقع التواصل الاجتماعي في الدنمارك، حتى لحظة واحدة، من نشر المعلومات، والمعلومات المضادة، حول مزاعم التحرش الجنسي، التي حدثت داخل اجتماعات الحزب، قبل عقد من الزمن، واطاحت اليوم، بزعيم الحزب، مورتن اوسترجارد، الذي ظل يقوده منذ العام 2014، خلفا للرئيسة السابقة، ما غريت فيستاجر، من منصبه، وذلك بعد اجتماع ” أزمة ” عقدته قيادة الحزب في 7 تشرين الاول/ اكتوبر 2020 ، في قاعة المكتبة الملكية في كوبنهاجن، لمعرفة الشخص، التي ادعت عليه عضو البرلمان الدنماركي، عن نفس الحزب، لوت رود، أنه تحرش بها جنسيا، من خلال وضع يده على فخدها، بدون رضاها، في إحدى المناسبات الحزبية، واستمر فيه الجدل الصاخب، يحث الخطى على مدى أكثر من سبع ساعات ونصف الساعة، وتمخض عن انتخاب زعيم جديد ” صوفي كارستن نيلسن” وانقسامات في الرأي، وقلق مشوب بالخوف لجيل مقبل في اوساط الحزب وقواعده وانصاره .
اصل الحكاية والقصة :
في الفترة الأخيرة، وعندما احتدم الجدل في الدنمارك، حول قضايا التحرش الجنسي، وكيفية مكافحته بشتى الطرق على مستوى الدنمارك، تقدم عدد من النساء الدنماركيات، وتحدثن عن التحرشات الجنسية في السياسة الدنماركية، وكان حزب مورتن اوسترجاد، وعلى وجه الخصوص في طليعة المكافحين من أجل التخلص من هذه الثقافة المريضة، أصبح الحزب نفسه مركز قضية هذه الانتهاكات، والتي كلفته رحيل زعيمه القوى مورتن استرجارد، عن منصبه، وربما كذلك مشاريع الترويج للحزب، حول مكافحة قضايا التحرش الجنسي في الدنمارك، التي وضعها في مقدمة اهتماماته الأولية، والذي دفع به زعيم الحزب، للواجهة في المناقشات والمفاوضات داخل اروقة البرلمان الدنماركي، وفي خارجه، وهدد خلالها باثارة الشعب إذا لم يتم هناك إصلاحات سياسية بشانها، ولكن الكارثة حلت بالحزب نفسه، الذي التصقت به وبزعيمه حوادث التحرش الجنسي، والتي لم يستطيع كل منهما التغلب عليها.
فبعد مضى عقد من الزمن المنصرم، زعمت لوت رود، التي كانت إحدى المتدربات في منظمات الشبيبة في الحزب، بوجه حق او من دون وجه حق، ان مورتن استرجارد، قبل أن يصل إلى منصب زعيم الحزب في ذلك الوقت، قد لمس فخدها في محاولة يبدو أنها لمسة تحرش جنسي، مما اثار خوفها، ولكنه بعد أن اعتذر لها ” الجاني” قبلت منه حينها ذلك الاعتذار، وانتهى الأمر عند هذا الحدود، بعد أن طلبت منه الكتمان الشديد والسرية والتستر على ماحدث، ولكن الغريب في الأمر، حول هذه الحادثة، لماذا فتحت ” المجني عليها” ملف قضية عمرها 10 سنوات مضت، في هذا الوقت بالذات ضد الجاني؟ وماهو الهدف الأساسي من ذلك؟ في وقت يجب أن تبدو فيه بحكم المنتهية تماما، كما هو الحال بالنسبة لزميل له في السياسة، وهو وزير الخارجية في الحكومة الاشتراكية الديمقراطية الحالية، جيبي كوفود، الذي تورط هو نفسه في عملية ممارسة الجنس مع زميلة له في الحزب، وهي قاصر وتبلغ من العمر 15 سنة، في ما كان هو يناهز 32 عاما، ثم انتهت قضيتهما بالاعتذار، وقضي الأمر، ويقول العديد من المحللين والمتابعين لتلك القضية، إنه بعد عشر سنوات من الصمت المطلق، والتستر على حيثيات هذه القضية، فتحت، لوت رود أوراق الماضي البعيد، وفضحت نفسها لا لشي سوى أنها اشتركت في مؤامرة ضد زعيم الحزب، من أجل ازاحته عن المنصب لتحل محله امرأة، أنه بالتأكيد صراع على السلطة، فلماذا يستغرق الأمر كل هذه السنوات، ولم يظهر سوى الان وفي هذا الوقت بالذات؟ ولماذا لم يبوح المعرض للاهانة على الفور ويعلن عن ذلك في حينها؟ أنه انقلاب مذبر من صوفي كارستن نيلسن، التي تسلمت المنصب خلفا له في نفس اليوم، ومجموعتها النسائية في صفوف الحزب، إنها اكملت المهمة وفازت بالمنصب باكثرية أصوات نسائية في الانتخابات الداخلية للحزب، ويجب أن يكون الاعتذار من الزعيم السابق للحزب كافيا لبقائه في هذا المنصب، وقال آخرون أن حادثة مضى على عمرها عشر سنوات كاملة، فيما يتعلق بلمس فتاة على فخدها وهو أمر شائع بين الزملاء في مكان واحد، ان يكون موضع ازعاج واتهام بالتحرش الجنسي، وينتهي برحيل قائد قدم الكثير من التضحيات، والانجازات الايجابية الكبيرة، التي صعدت بالحزب إلى مصاف الاحزاب المتقدمة في الدنمارك، بهذا الشكل المؤسف والمحزن بحق، لوت رود، الذي كان عمرها في ذلك الوقت 25 سنة، ويكفي إنها لم تكن قاصر ومراهقة عمرها 15 سنة، هذه هي مؤامرة مكشوفة ضد مورتن استرجارد، من أجل اقصائه عن المنصب، أن هذا شيء غير مقبول وغير أخلاقي، وكان الاعتذار يجب أن يكون كافيا لكل ماحصل، وليس هناك، اي داعي ضروري وملح لنبش صفحات الماضي المنصرم، والقضاء على مستقبل رجل شجاع ناضل في سبيل مستقبل الحزب وتقدمه وتطوره وازدهاره، وقال، السياسي البرلماني الراديكالي المخضرم، ينس رودي، الذي لم يتمالك نفسه واجهش بالبكاء الشديد لدى ظهوره في برنامج تلفزيوني يتناول هذا الحدث:” لقد خسر الجميع ما حدث خلال ال 24 ساعة الماضية، خسر اليسار الليبرالي، وخسر مورتن استرجارد، منصبه، وخسر النقاش حول التحرش الجنسي في المجتمع، وقد أخشى من حدوث الأسوأ، وأضاف، ولا أعتقد في هذه المناسبة أن تصرف أعضاء القيادة ضد زعيم الحزب، كان له ما يبرره، حيث يتوجب على الجميع التعامل مع هذه القضية الحساسة، بأسلوب جيد وعقلاني، وبحسن النوايا، وليس بأسلوب الغضب والتحدي، وفي كل الأحوال، نأمل أن يخرج الحزب، بشي جيد للمستقبل، وهذا الأمر يعتمد على تفكير الجميع بشكل جيد، والتعامل مع المشاعر بنوايا حسنة بعيدة عن مجريات الشكوك، اوالاتهامات .
وأما بالنسبة إلى لوت رود، التي رفعت دعوة التحرش، فقد قالت إنها حزينة لكل ماحدث، حيث أن تصرفها هذا كانت له عواقب وخيمة على مورتن استرجارد، الذي خسر منصبه كزعيم للحزب، وهي لم تتوقع أن تصل الأمور ضمن هذه الواقعة، إلى هذا الحد .
تاريخ طويل من النضال الصلب والمشرف للغاية :
عندما تسلم مورتن اوسترجارد، قيادة حزب الراديكال اليساري، في العام 2014، خلفا للرئيسة السابقة، ما غريت فيستاجر، التي انتقلت الى وظيفة مهمة في الاتحاد الأوروبي، في نفس العام، قام الرجل بعمل شيء غير معهود بالنسبة للحزب، الذي ظل يصارع من اجل الوصول إلى مصاف الاحزاب الكبيرة والقوية في الدنمارك، من خلال قيامه باصلاحات جديدة داخلية، على مستوى الحزب، وناضل بشراسة على تغيير الأمور على المستوى الوطني، في البرلمان، وعبر المفاوضات السياسية، بشأن الهجرة واللاجئين والتضامن الاجتماعي، وتنويع الاقتصاد، وخفض الضرائب على الفقراء، ومكافحة الغش، والمساواة بين الجنسين، والدفاع بشراسة متناهية، عن قضايا اللاجئين والمغتربين في البلاد، وغير ذلك من القضايا الوطنية الملحة، وقد زود الجميع بالأمل للمستقبل، ولكن للأسف الشديد، شاءت الظروف والأحوال، أن ينتهي عهده المزدهر بهذه الحادثة المؤسفة، والمؤلمة.
هاني الريس
11 تشرين الأول/ أكتوبر 2020