عام جديد للبرلمان الدنماركي 2020. في ظل ظروف صحية واقتصادية واجتماعية وأمنية صعبة ..
يبدأ كل عام برلماني، بافتتاح البرلمان الدنماركي، في أول يوم ثلاثاء من شهر تشرين الاول/ أكتوبر، حيث يشارك، إلى جانب نواب البرلمان، والحكومة، أعضاء الأسرة المالكة الدنماركية، ويلقى رئيس الوزراء، كلمة الافتتاح، ويزور الجميع الكنيسة للعبادة التقليدية العريقة التاريخية .
تم تأسيس البرلمان الدنماركي، بناءا على دستور المملكة الصادر في تموز/ يونيو 1849، ويتمتع هذا البرلمان، بسلطة تشريعية كاملة، إلى جانب سلطة الملك الحاكم، ولكن من الناحية العملية يقتصر دور الملك فقط على توقيع القوانين والتشريعات، التي يقرها البرلمان، والتي يجب أن تتم الموافقة عليها، او رفضها، في غضون شهر واحد فقط من تبنيها .
ويتالف البرلمان الدنماركي، من 179 عضوا يتم انتخابهم في عموم البلاد، لمدة أقصاها 4 سنوات، ومن بين هؤولاء الأعضاء يتم انتخاب 175 من الدنمارك، واثنان من جزر فأروا، واثنان من جزيرة غرينلاند، اللتان يتمتعان بالحكم الذاتي، وبعد إصلاح الدوائر الانتخابية، الذي اعقب اصلاح الحكومة المركزية في العام 2007، تم انتخاب الأعضاء الدنماركيين في 10 دوائر انتخابية كبيرة .
وتجري الانتخابات النيابية الدنماركية بطريقة سرية وحرة، عبر التمثيل النسبي، والتمثيل المتساوي لتفضيلات الحزب، التي يعبر عنها الناخبون في تصويتهم عند تخصيص المقاعد للدوائر الانتخابية، ويؤخذ في الاعتبار عدد السكان والمساحة الجغرافية .
وكقاعدة عامة، يحق لكل مواطن دنماركي، يبلغ من العمر 18 عاما، المشاركة، او الترشح في الانتخابات ( ومع ذلك توجد هناك استثناءات واضافات معينة) من أجل أن يكون الشخص المترشح لعضوية البرلمان، من أصحاب السمعة الحسنة، ولم تثبت عليه اية تهمة جنائية مخلة بسمعته، والبرلمان هو صاحب الحق الذي يقرر ما إذا كان الأعضاء يستحقون العضوية ام انهم لايستحقونها .
وتقع على عاتق رئيس، أو رئيسة الوزراء، في الدنمارك، مسؤولية الدعوة إلى الانتخابات، أو الانتخابات المبكرة، قبل انتهاء فترة اربع سنوات في الحكم .
خطاب يقترح الأمور الصعبة، ويفتقد للحلول الشفافية والملحة :
لم يكن الاحتفال بمناسبة افتتاح البرلمان الدنماركي لهذا العام 2020، في 6 تشرين الأول/ أكتوبر، يوما عاديا كما ظل معتاد على امتداد عقود بعيدة، حيث تواجه هذا الاحتفال تحديات كثيرة وخطيرة، ليس فقط بسبب تفشي وباء كورونا الفتاك، وترنح الاقتصاد الوطني، بسبب الازمة المالية، بل أيضا المطالبات الحزبية، والشعبية الواسعة النطاق بحدوث اصلاحلات جديدة وملحة للنهوض الكبير بمستويات دولة الرفاهية في الدنمارك، ومن اهمها على الإطلاق، توفير الظروف الأفضل للحياة المعيشة اليومية العادية للمواطنين، والصحة، والعمل، والتعليم، ورعاية كبار السن، ورعاية الأطفال والشباب، والبيئة والمناخ والنمو الاخضر، ولذلك لم تكن البهجة هذا العام واضحة على الوجوه، ولم يكن هناك شعورا بالزهو، ولم تكن التعهدات والوعود الكبيرة، التي أطلقت عنانها من القمقم، حكومة ميتي فريدريكسن، الاشتراكية الديمقراطية، مطمئنة لغالبية المجتمع الدنماركي، وظاهرة بكل وضوح على أرض الواقع.
وبدلا من أن تركز رئيسة الوزراء، ميتي فريدريكسن، في خطابها الافتتاحي، على جميع المشاكل المعقدة، والتي تحتاج إلى حلول ومعالجات سريعة، في نطاق الدولة والمجتمع، والصحة والغذاء، والتعليم، والعمل، ومعالجة قضايا الاقتصاد المترنح، بسبب أزمة كورونا الفتاك، والاهتمام بقضايا اللجوء والهحرة، ركزت على جميع إنجازات الحكومة خلال تداعيات الازمة الصحية، والمشاريع الجديدة، التي تستعد للقيام بها في المستقبل، مع مطالبة الاحزاب والنقابات العمالية والمهنية، ومنظمات أصحاب العمل، والشركات، والجمعيات التطوعية، والمؤسسات الثقافية، والسلطات العامة، باظهار قوة المساعدة والتعاون والتضامن، من أجل ترقية ونمو دولة الرفاهية في الدنمارك، في نفس الوقت، الذي قد تجاوز فيه هذا الخطاب، مرحلة معينة من التسامح، حيث تعهدت رئيسة الوزراء، باتخاد إجراءات صارمة، وقبضة من حديد، ضد من وصفتهم بالمتطرفين، الذين يحاولون تقويض الأمن والاستقرار في الدنمارك، ويسعون لمصادرة جميع الحريات، وبحيث لم يسلم من كل هذه الإجراءات الصارمة الموعودة، المهاجرين واللاجئين في الدنمارك، التي من المحتمل ان تفرض عليهم تشديدات جديدة، بدريعة قيام الكثيرين منهم بجرائم لا تغتفر، وتهديد السلم الاهلي في الدنمارك، في وقت لا يزال يعاني فيه أبناء المهاجرين واللاجئين، هجمات مستمرة ومسعورة من جانب الاحزاب والقوى اليمينية المتشددة والعنصرية، والفالتة اليوم من عقالها ضد التواجد الأجنبي في البلاد، وغير المرغوب به على الإطلاق من قبلها .
ولذلك، اذا كان هناك مايسمى ” بالنمط الدنماركي” الذي حقق ذاته على امتداد عقود مضت، وقدم المساعدة والرعاية المطلوبة للمهاجرين واللاجئين، الذين ضاقت بهم أرض اوطانهم الأصلية، ولم تتسع إلا لقبورهم، او هجراتهم القسرية، وذلك بسبب الجور والظلم، فإنه لم يعد اليوم فعالا، ولم يعد ذو قوة سحرية تساعد المهاجرين واللاجئين، على الاستقرار المطلوب، وسيظلون هكذا تحت وطاة التهديدات المبطنة والمعلنة، وحكومات تحتكر الحلول والسلطة، حتى تأتي لهم الايام او السنون، الكفيلة بصنع الحلول المناسبة، أو ظهور الاحزاب والقوى، التي قد تتسلم السلطة الجديدة، العادلة والمنصفة، والتي قد تدعم أوضاعهم وامانيهم وتطلعاتهم للمستقبل .
هاني الريس
6 تشرين الأول/ أكتوبر 2020