إحتراب الرفاق .. حزب الشعب الدنماركي الشعبوي يسير نحو السقوط إلى الهاوية .. ما التالي ؟
لم يكن حزب الشعب الدنماركي الشعبوي المتشدد والمناهض للهجرة والاتحاد الاوروبي،الذي كان قد أكتسح المسرح السياسي في الانتخابات الدنماركية للعام 2015 بحصوله على أكبر عدد من مقاعد البرلمان الدنماركي في كل تاريخه السياسي،ويصبح ثاني الاحزاب السياسية من الكتلة الزرقاء البرجوازية،التي صعدت إلى السلطة في ذلك العام بفارق ضئيل للغاية من أصوات الناخبين الدنماركيين،على احزاب الكتلة اليسارية الحمراء،بقيادة زعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحكومة الدنماركية،هيلي تورنينغ سميث،لم يكن أبدا عرضة لطريق التفكك والانقسامات وصراع المواقع الرئيسية العليا داخل الحزب،ولكن الخسارة الكارثية،التي مني بها في انتخابات حزيران/ يونيو 2019،التي قصمت ظهره بخسارة تاريخية لم تكن متوقعة في حسابات المراقبين،وقد تركت له ولقاعدته الشعبية انطباعا محزنا في النفوس،حيث خسر دفعة واحدة 21 مقعدا برلمانيا،كان يفرض بهم ظله على صنع القرار السياسي داخل الحكومة والبرلمان.
ان الحزب يعيش الآن عصر صراع الارادات والانشقاقات،وانحسار نسب القاعدة الشعبية،التي فقدت الثقة في سياسات الحزب،التي لم تستطيع التغلب على المشاكل في أي مجال آخر غير اطلاق الوعود والتصريحات والمنافسات الشديدة على تصدر الواجهات والمناصب الحزبية العالية،مما أصاب قاعدته الشعبية العريضة بالاحباط،ولذلك فان جميع الوعود والتعهدات التي اطلقها زعيم الحزب،كريستيان تولسين داهر،على أنه ظل مقتنع تماما أن بامكانه أحياء روح الحزب من جديد،وانه لحسن الحظ ( لديه دعم قوي من جانب زملائه داخل الحزب )لم تعد أبدا فعالة،ولم تعد ذات قوة سحرية تساعده على اجتياز العقبات وضمان البقاء في منصب زعيم الحزب في المستقبل، ولذلك اصبحت أيام تربعه على كرسي الزعيم الاوحد في الحزب محدودة وقصيرة الأمد،حيث أن الكثير من المنافسين الأقوياء من أصحاب الفكر الجديد والرؤية الثاقبة للمستقبل،يقفون له بالمرصاد،ويمهدون طريقهم لخلافته،ومن بين أبرز هؤولاء المنافسين الاشداء هو،مورتن ميسر شميدت،التي بدأت صوره وتصريحاته النارية تتكرر الآن في مختلف وسائل الاعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي،ويحظى بثقة زملائه داخل الحزب،ويتقدم قليلا في استطلاعات الرأي على مستوى القاعدة الجماهيرية الحزبية،و التي يمكن أن تقدم له الدعم المطلوب،وتصوت له في أية انتخابات داخلية قادمة،في نفس الوقت الذي يتوقع فيه المراقبون باتاحة فرص الفوز له عندما تجري أية انتخابات داخلية للحزب في الوقت الراهن.
اضف إلى ذلك تراجع النسبة المئوية للحزب،في استطلاعات الرأي الأخيرة،إلى دون 6.5 في المئة من النسبة المئوية للاقتراع،وإلى سلسلة طويلة من انشقاقات كبار القادة الحزبيين في مختلف المدن والمناطق والبلديات في الدنمارك،والذي قد غادر بعضهم الحزب وذهبوا إلى أحزاب أخرى،بعد أن تحدثوا بصراحة عن أن الحزب فشل في تمرير خططه وأجنداته المعهودة،والكثير من وعوده وتعهداته للناخبين الدنماركيين،ويقولون أنهم دفعوا ثمنا غاليا للصورة النمطية التي حملها الناخب الدنماركي عن الحزب،تحت قيادة كريستيان تولسين داهر،والنخبة السياسية التي ظلت تدور في فلكه،وتغليب دواثر المدن الكبيرة،على دوائر المناطق النائية في توزيع الحصص القيادية الكبيرة والصغيرة في الحزب.
هل يستطيع زعيم الحزب،كريستيان تولسين داهر،الصمود في وجه العاصفة العاتية،التي يتعرض لها الآن،من الانتقادات والاعتراضات والمطالب المتكررة بشأن تعجيل تقديمه الاستقالة بشكل طوعي،أو أن يضطر المناوؤن له، إلى عزله عبر عقد مؤتمر استثنائي للحزب،يحسمون به الموقف،أم أنه سيقاوم كل هذه التحديات الكبيرة؟
من المفترض،أن يتوقع زعيم الحزب،كريستيان تولسين داهر،التي أهتزت الثقة بمستوى قدرته على الأصلاح وترميم البيت من الداخل والنهوض بالحزب من كبوته،ماهو أصعب وأقسى مما ظل يواجهه من تحديات كبيرة تطالبه بالتنحي عن منصبة،وافساح المجال لغيره أن يقود السفينة الغارقة،إذا ما ظل متمسكا بتلابيب مواقفه المتصلبة جدا،ولم يستطيع الوفاء بأدنى وعد أو تعهد قطعه على نفسه في السابق،خاصة و أن كبار القيادات في الصفوف الامامية للحزب،الذين فقدوا صبرهم من فشل الانتصارات السياسية والاجتماعية للحزب،يلقون باللوم على زعيمهم المتفرد بصنع القرار،والمتمسك بتلابيب المنصب،ويقولون أنه لاتوجد لديه حتى الآن أية أعذار واضحة ومقنعة لتحمل مسؤولية الفشل،الذي حدث،وعليه في هذه الحالة أن يحزم حقائبه ويغادر كرسيه الذي جلس عليه سنوات طويلة،ويترك المجال لغيره من القادة الآخرين المؤهلين والموهوبين،لكي يقودوا السفينة،والذي يمكن لهم أن يجلبوا الحظ واعادة البناء والانسجام المجزا في وسط الحزب،ولديهم الخبرة والفكر المستنير والرؤية الثاقبة للمستقبل،و أن في استطاعتهم أن يرسموا خريطة طريق جديدة يتغلب فيها الحزب على جميع المشاكل القائمة في الوقت الراهن،ولهذ السبب فان كريستيان تولسين داهر، سوف يدخل في دوامة خريف مصيري قبل انتخابات الحزب المحلية القادمة،وسيظل هكذا موقفه صعب وخطير حتى يجد لنفسه الحلول الصحيحة والمناسبة.
هاني الريس
4 أب/ أغسطس 2020