اخرس وإلا سوف اقطع لسانك ” أحزاب سياسية في الدنمارك تمارس نفس الطريقة ” الستالينية الفولاذية” لقمع أصوات المعارضين “
نحن بالتاكيد لسنا اليوم، في زمن الجاهلية الأولى، ولسنا في عصر الكنيسة الإنجيلية الغابر، الذي كان فيه الكهنة الدينيون يبطشون بالناس و يضعون رقابهم على أعواد المشانق، تحت مبررات انهم يخالفون الأوامر الربانية، وبالطبع لسنا نعيش اليوم عصر القياصرة، وعصر إمبراطورية الرفيق، جوزيف ستالين، الذي.حكم الأتحاد السوفياتي، ودول المعشكر الاشتراكي السابق، بقوة الحديد والنار وكتم الأفواه، وخنق الحريات..نحن اليوم نعيش زمن التغيرات والتحولات الجديدة، التي شملت ربوع العالم برمتة، وغيرت وجه التاريخ، زمن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلوم السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا الجبارة، ولكن للأسف الشديد، مازلنا نشهد حتى الآن، في عالم اليوم، أمور غير متوقعة تحدث، على شاكلة ما فعلته الأزمنة الغابرة المقبورة، التي اضطهدت وقمعت فيها حريات الناس ومعتقداتهم وآراءهم وتطلعاتهم المنشودة، سواء كان ذلك على مستوى الشرق المتخلف، أو على مستوى الغرب المتطور والمتقدم، حيث تبقى حريات الرأي، وأصوات المعارضين والمنتقدين للمخالفات والاخطاء الفاضحة، موضع مكاشفة ومسائلة، وعقوبات.
” نموذج دنماركي “
بعد مرور أقل من ثلاثة شهور، على الصراع الكبير، بين اجنحة الحزب اليساري الليبرالي (الحاكم سابقا) في الدنمارك، بسبب الخسارة الكبرى، التي تعرض لها الحزب في الانتخابات التشريعية الأخيرة للعام 2019 ، والمطالب المتكررة، لزعيم الحزب، لارس لوك راسموسن، بالتنحي عن منصبه.عاد الصراع مرة أخرى يحث الخطى، ولكن هذه المرة بسبب، التصرف الأحمق؛ الذي مارسه زعيم الحزب الجديد، جاكوب ايلمان _ جينسن، تجاه نائب رئيس الحزب السابق، كريستيان جينسن، الذي عبر عن رأيه بصراحة وجراءة، في ما يتعلق بقضايا الإصلاح داخل الهياكل الحزبية، وعلى مستوى فكرة التعاون السياسي مع الأحزاب الأخرى في البرلمان، في إطار تنسيق المشاريع المشتركة، وقال، ” انه ينبغي على الحزب التعاون مع الحكومة والراديكاليين، والمحافظين، بشان حزمة اصلاحات رئيسية بخصوص الضرائب والمناخ والبيئة، وغيرها من الامور، وطالب بأن يكون الحزب في طليعة التعاون المدني وذلك في مقابلة صحفية، أجرتها معه صحيفة ” يولانتد بوسطن ” الدنماركية موخرا.
و بسبب، هذه التوجهات الجديدة، تعرض، كريستيان جينسن، إلى عقوبة صارمة و موجعة، عندما قرر، زعيم الحزب، جاكوب ايلمان _ جينسن، تجريده من جميع مناصبه الحزبية، وذلك بعد اقل من ساعتين من نشر المقابلة، في وقت صمت فيه جميع أعضاء الحزب، بما فيهم ممثلي الحزب في البرلمان، حيث امتنعوا عن التصريح علنا عن مواقفهم، تجاه ما قام به، زعيم الحزب، ضد، كريستيان جينسن، خوفا من أن يواجهون، نفس المصير، ولكن كان هناك، بعض الأعضاء الذين صدمتهم إقالة، كريستيان جينسن، وعبروا عن انزعاجهم، ولكن بأسماء مجهولة، وأشاروا فقط، إلى عدم وجود توجه سياسي واضح للحزب، في ظل وجود الزعيم الحالي، جاكوب ايلمان _ جينسن، و خلاف ذلك لم يضعوا النقاط فوق الحروف.
وفي رده على انتقادات المحللين والمتابعين للشأن السياسي الدنماركي، بخصوص، تجريد، كريستيان جينسن، من جميع مهامه الحزبية والبرلمانية، قال، زعيم الحزب، جاكوب ايلمان جينسن: ” إنه لدينا بعض قواعد اللعبة الداخلية للحزب، وأن كريستيان جينسن، انتهك تلك القواعد بشدة، عندما أعلن عن حزمة اصلاحات جديدة، لم تناقش داخل الحزب، ولهذا السبب، قررت أن اعفيه من جميع مناصبه الحزبية”.
ويقول المنتقدون، أن هذا القرار التعسفي، لا لزوم له، حيث أنه من غير الحكمة، أن يقيل زعيم الحزب، على الفور، نائب رئيس الحزب السابق، كريستيان جينسن، بسبب أفكاره وقناعته الشخصية التي تكفلها قوانين حريات الرأي “.حيث كان الأخير، نائب حزب اليسار الليبرالي، من العام 2009 وحتى العام 2019، وفي ذلك الوقت، تقلد مناصب مهمة في البرلمان الدنماركي، وكان رئيسا لكتلة الحزب في البرلمان، منذ العام 2010 وحتى العام 2015، وكان وزيرا للخارجية، من العام 2015 وحتى العام 2016، ووزيرا للمالية، منذ العام 2016 وحتى العام 2019، وهو بذلك يتمتع بخبرة 20 سنة من النضال، ولا يجب أن يتخد ضده قرار قاسي من هذا النوع.
موضع ترحيب:
ومن جانب آخر، استقبلت الحكومة الدنماركية، أفكار، كريستيان جينسن، بشكل افضل، ففي الندوة الصحفية، التي عقدتها الحكومة في قصر مارينبورغ، في 13 كانون الثاني/ يناير 2020، صرحت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسن: ” إنها ليست فكرة مجنونة “.
وأضافت: ” أن الفكرة الأساسية التي مفادها أننا نتعاون على نطاق واسع، وأن نجعل بعض الحلول طويلة الأجل، وبالتالي بعض التغييرات الهيكلية في مجال المناخ على سبيل المثال، ليست فكرة سيئة “.
حالات مماثلة:
في عمود كتبته البرلمانية السابقة، عن حزب الشعب الاشتراكي، وهي أول عضو في البرلمان الدنماركي لها خلفية إسلامية مهاجرة، اوزليم سارا تشيك، في صحيفة ” اكسترا بلاديت ” الدنماركية واسعة الإنتشار، تحت عنوان ” اسقاط كريستيان جينسن الى الهاوية ” تحدثت فيه عن حالات مشابهة لحالة، كريستيان جينسن، تعرض لها قياديين بارزين في أحزاب دنماركية اخري، فقالت: ” إن الأحزاب السياسية في الدنمارك يحكمون كطوائف دينية، ولقد فقد كريستيان جينسن، جميع مناصبه، في غفلة من الزمن، لأنه قال ما يحلو له من اقوال، ولأنه طالب بالإصلاح والتعاون مع الأحزاب الأخرى من أجل مشاريع أفضل الدنمارك، ولكن النتيجة أصبحت قاسية ومؤلمة حقا، حيث تمت معاقبته وفضحه علنا “.
وتضيف ليس، كريستيان جينسن، هو وحده من تجرع كأس، الحرمان من المناصب الحزبية، وتلقى مثل هذا العقاب الشديد، لقد عانيت أنا شخصيا لعقوبة قاسية من الحزب الذي كنت امثله، عندما قلت على سبيل المثال، أن قيادة الحزب عارضت وصوتت ضد الإصلاح الضريبي، الذي استنزف أموالا باهضة جدا من المتقاعدين الأوائل، لتوفير إعفاءات ضريبية للاثرياء والأغنياء، وحينها فقدت جميع مسؤولياتي الحزبية.
وتابعت، لقد أختار حزب اليسار الليبرالي، في وقت سابق، حرمان، ينس روجدي، من الترشح لانتخابات البرلمان الأوروبي، لأنه كتب وقائع مفادها أنه ينبغي نقل المزيد من القرارات إلى بروكسل، وأن الأتحاد الاوروبي، يجب أن يكون لديه نظام دفاع مشترك.وهكذا بالضبط فعل الحزب الاشتراكي الديمقراطي ” الحاكم حاليا ” بالنائبتين، عن الحزب في البرلمان، يلدز اكدوكان، وميتي جير سكوف، لأنهما لم يصوتوا مع الأغلبية لإيقاف لاجئي الحصص، التي اقترحها الأتحاد الاوروبي، وحظر البيروقراطية.
وتضيف: ” يمكن أن يكون هناك العديد من الأمثلة الأخرى لجميع الأحزاب السياسية في البرلمان الدنماركي، حيث ” يقرع الأعضاء في الصحافة، أو يتعرضون للاهانة في إجتماع جماعي، ويعانون بعد ذلك من العزلة والتهميش والسخرية.
وختمت عمودها بالقول: ” لسوء الحظ أن الشجاعة هي أكبر نقص في السياسة الدنماركية، الشجاعة ليقول ما يفكر به المرء، ولكن أيضا للوقوف بحزم عندما يعاقب بسبب محادثة أو نقاش او النقد في كلمة منطقية “.
وتضيف: ” في رأيي، فشلت قيادات الأحزاب في تحمل مسؤولياتها، ولم تكن قادرة على عكس ذلك، وخلاف ذلك ينص الدستور الدنماركي على أن عضو البرلمان هو ملزم فقط بقناعاته الشخصية “.
وبحسب ما صرح به، كريستيان جينسن، للصحافة فإنه ربما سيكون في طريقه لمنصب مدير في الاتحاد الرياضي الدنماركي ” DlF “بعد أن جرد من جميع مناصبه في حزب اليسار الليبرالي المعارض.
هاني الريس