
8 آذار/ مارس عيد المرأة العالمي .. ماذا قدمت المرأة البحرينية في تاريخ النضال الوطني من أجل الحقوق والحريات؟
في العام 1977، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة جميع الدول الاعضاء إلى إعلان 8 آذار/ مارس يوما عالميا من أجل تكريم النساء في جميع أنحاء العالم، ومنحهم كافة الحقوق في الحياة والعمل والكرامة الإنسانية .
ومنذ ذلك التاريخ صار العالم برمته يحتفل بحلول هذا العيد في كل عام.
بالتزامن مع هذه الذكرى السنوية النسوية نتذكر في هذه المناسبة نضالات المرأة البحرينية، ضد قوانين وإجراءات التعسف والتمييز بين الرجال والنساء في البحرين، الكفاح من أجل التغيير و مواكبة العصر، والتي تحولت بمرور الزمن إلى أهداف وتطلعات وطنية وقضايا انسانية شاملة، ولعله من أجل هذا كله قدمت المرأة البحرينية الكثير من التضحيات الجسام، وبدلت كل ما بوسعها من جهود و امكانات لخدمة القضايا الوطنية وحقوق الإنسان. ومن المفيد هنا أن نستعرض ولو جزء بسيط من هذا التاريخ الطويل و الممتلئ بجميع المواقف البطولية المشرفة و التضحيات.
منذ حقبة سنوات الخمسينات من القرن الماضي والى يومنا هذا، كرست المرأة البحرينية جهودا كبيرة لقضايا النضال من أجل التغيير ورالحريات المدنية والمساواة مع الرجل في جميع الحقوق والواجبات، ولعبت أدوار بارزة ومشهودة في مختلف مراحل النضال الوطني ضد الانتداب البريطاني وادواته المحلية المتمثلة في العائلة الخليفية الحاكمة، التي ظلت تبسط ظلها ونفودها وهيمنتها الفئوية على السلطة والحكم منذ نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وحتى اللحظة الراهنة ومن دون أي منافس، فقد شاركت في جميع الجهود النضالية الثورية، في الانتفاضة الشعبية العارمة للعام 1954 بقيادة هيئة الاتحاد الوطني التي طالبت بالعدل الاجتماعي والمساواة والانصاف، ورحيل الانتداب البريطاني الغاشم، وفرض السيادة الوطنية والاستقلال، ومن بعدها انتفاضة الخامس من اذار/ مارس المجيدة للعام 1965 التي طالبت بحقوق العمال وتاسيس النقابات العمالية وكرامة اليد العاملة البحرينية، حيث قدمت خلالها دعما مباشرا للمناضلين في اعتصاماتهم وتظاهراتهم اليومية، المطالبة بعودة العمال البحرينيين المسرحين من شركة نفط البحرين المحدودة، وتصدت معهم لمواجهات ضارية مع قوات الأمن البريطانية البحرينية المشتركة بقيادة الضباط والجنود البريطانيين و المرتزقة الأجانب، وكانت لها مساهمات واضحة و ملموسة في صفوف الحركة الوطنية المطلبية اليسارية والقومية والإسلامية، على صعيد طرح المطالب الوطنية الإصلاحية، وكانت لها مشاركات تنظيمية مع العديد من تنظيمات المعارضة البحرينية القديمة منها والحديثة، التي ظهرت على السطح في اعقاب ما سمي بمشروع الإصلاح، ففي أواخر حقبة سنوات الستينات وبداية السبعينات الثمانينات، شكلت منظماتها النسائية ذات الطابع الوطني المتمثلة في الحركة النسائية البحرينية في (منظمة المرأة البحرينية في الجبهة الشعبية في البحرين) و (التنظيم النسائي الجبهة التحرير الوطني البحرينية) واخدت من الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي والتربوي مجالات رحبة في رفد مسيرة النضال الوطني البحريني،من خلال قيامها بعدة أدوار مميزة في نطاق المطالبة بالحريات والحقوق المشروعة لجميع المواطنين و المواطنات البحرينيين من دون تمييز او تفضيل.
وفي العام 1980 الذي شهد العديد من التحركات والاضرابات العمالية و الطلابية، قامت المنظمات النسائية البحرينية باوسع اعتصام تضامني مع أهالي المعتقلين والمسجونين في سجون النظام الخليفي، أمام بوابة مجلس الوزراء، للمطالبة بإطلاق سراح جميع السجناء والموقوفين على ذمة التحقيق في مخافر الأمن، من السياسيين والنقابيين والطلاب، كما كان لها أيضا نشاطا قوميا مميزا في التضامن مع الشعبين الشقيقين اللبناني والفلسطيني، أبان فترة الاجتياح الإسرائيلي الغاشم للأراضي اللبنانية في حزيران/ يونيو 1982 في القيام بحملات التوعية والتضامن وجمع التبرعات المالية و العينية للمتضررين من عملية الاجتياح، وتنظيم بعض الفعاليات الثقافية المتعلقة بهذا الحدث، ولعب التنظيم النسائي للجبهة الشعبية في البحرين، دورا بارزا في السر والعلن لدعم التحرك من أجل التضامن الأخوي المخلص والصادق مع الشعبين الفلسطيني واللبناني في محنة الاجتياح الصهيوني، الذي استمر لشهور طويلة، وخلال تلك الفترة وما بعدها ناضلت المرأة البحرينية، وبكل شجاعة وعنفوان في فضح الممارسات الحكومية الرسمية الخاطئة والطائشة، ضد نشاطات المرأة ومنع تأسيس جمعياتها النسوية المستقلة عن سياسات السلطة واوامرها، والحرمان من المساواة مع الرجل في جميع الحقوق والواجبات، وشاركت في العديد من المؤتمرات والمنتديات النسوية العربية والقارية والدولية على رغم أنف السلطة و قرارها الحكومي المجحف الصادر عن وزير الداخلية البحريني محمد بن خليفة ال خليفة في العام 1970 الذي كان يقضي بمنع المنظمات الأهلية في المشاركة الخارجية في المنتديات والمؤتمرات، ويقضي بمنع توظيف أي مواطن مواطنة بحرينية في وظائف الدولة لهم انشطة سياسية أو ممن لديهم اراء مناهضة لسياسات الحكم.
وفي العام 1992 منعت السلطة البحرينية أسرة الأدباء والكتاب في البحرين إضافة إلى الجمعيات النسائية البحرينية، من الحضور والمشاركة في فعاليات ( ندوة المرأة العربية) المنعقدة في العاصمة اللبنانية بيروت، ولم تتمكن من الحضور سوى الاديبة و الصحفية البحرينية، فوزية رشيد، والتي هي كانت أصلا متواجدة خارج البلاد، وشاركت بصفتها الشخصية، ولم تسمح السلطة البحرينية لوفود المنظمات النسائية البحرينية بالحضور او المشاركة في (مؤتمر المرأة العالمي) الذي انعقد في بمكين في جمهورية الصين الشعبية في العام 1995.
وفي هذا المجال لا يمكننا أن ننسى أيضا الدور الواضح والشجاع الذي لعبته المرأة البحرينية في الانتفاضة الدستورية في العام 1994 بقيادة الشهيد الشيخ عبدالامير الجمري ورفاقه في لجنتي العريضة النخبوية والشعبية، وكذلك في حراك الرابع عشر من شباط/ فبراير 2011،. حيث قدمت النساء البحرينيات تضحيات كثيرة لدعم الانتفاضة و الحراك الشعبي، وتعرض الكثيرون منهم للموت برصاصات قوات الأمن في التظاهرات، وحملات الاعتقال التعسفي، والتعذيب الوحشي داخل السجون والمعتقلات، والنفي القسري خارج البلاد.
و انطلاقا من العذابات القاسية والمؤلمة والاوضاع المزرية لحقوق المرأة البحرينية، تقدمت لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين التابعة للجبهة الشعبية في البحرين، بتقديم شكوى ضد حكومة البحرين، إلى اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان (مجلس حقوق الإنسان حاليا) التابعة للأمم المتحدة، بسبب الانتهاكاتها الصارخة لحقوق المرأة البحرينية.
وفي 26 كانون الاول/ ديسمبر 1998 أصدرت البروفيسورة، مي صيقيلي، كتابا موثقا حول الحركات النسائيه في جميع أنحاء العالم، احتوى على فصل خاص عن نضالات المرأة البحرينية، وجاء هذا الفصل تحت عنوان (المرأة البحرينية في التشكيلات الرسمية وغير الرسمية تحقيق الذات. أكدت من خلاله على البعد التاريخي للنشاط السياسي النسائي في البحرين، والعوامل التي أدت إلى نمو دور المرأة في هذه الجزيرة الصغيرة (البحرين) واشادت بجميع الأدوار النضالية الشرسة، التي شاركت فيها المرأة البحرينية من أجل الحريات الديمقراطية والتقدم والتنمية.
هاني الريس
10 مارس 2025