
العمال والطلاب واليسار البحريني قادوا انتفاضة مارس المجيدة 1965 بالتضحيات والمسؤولية
في آذار/ مارس عام 1965 في البحرين، سرحت شركة نفط البحرين المحدودة (بابكو) مئات العمال البحرينيين، بسبب سياسة التقشف الاقتصادية، التي رسمتها هذه الشركة الاحتكارية البريطانية، بعدما قررت استبدال اليد العاملة البحرينية بايادي عاملة اجنبية رخيصة، في خطوة متهورة و مكشوفة أرادت من خلالها تهميش العمالة المحلية و سلب الثروة النفطية الوطنية، وعلى إثر ذلك تحركت مجاميع العمال المسرحين من الشركة، في سلسلة اعتصامات احتجاجية بدأت منذ اليوم الأول من اتخاد هذا القرار للمطالبة بضرورة الغائه و اعادتهم للعمل، ولكن للأسف الشديد كان رد الشركة على هذا المطلب المحق، سريعا و وحشيا، حيث استدعت إدارة هذه الشركة قوات الأمن لقمعهم وتفريق اعتصاماتهم بالقوة، فما لبثت أن تعاملت معهم بالرصاص وخراطبم المياه الساخنة والضرب المبر.
و عندما تناهت إلى اسماع الناس الاخبار الواردة من مدينة العوالي حيث يقع مقر الشركة هناك، بأن أجهزة الأمن مارست العنف المفرط ضد المحتجين السلميين على القرار التعسفي للشركة تشابكت أيادي عوائل العمال المسرحين مع جماهير الشعب وقوى اليسار البحريني ممثلة في (الجبهة الشعبية في البحرين وجبهة التحرير الوطني البحرينية وقوى وطنية اخرى) الذين كانوا يقودون مسيرة النضال الوطني من أجل الحريات المدنية و السيادة والاستقلال، والتي كانت شعاراتها الثورية في ذلك الوقت مدفوعة بشعور المسؤولية و روح عصر التقدم والتنمية و حقوق الإنسان، وكذلك الطلاب في جميع المدارس البحرينية، مطالبين بعودة العمال المسرحين إلى اعمالهم و وظائفهم من دون أي مماطلة او شروط صعبة، وانهاء التواجد البريطاني المشؤوم في البحرين، فما كان من قوات الأمن البريطانية و البحرينية المشتركة، إلا أن حاصرت جميع التظاهرات العمالية و الطلابية، و ضيقت عليها الخناق، وامطرتها بوابل رصاص رشاشاتها وبنادقها وسلاح الخيالة، الأمر الذي أدى إلى سقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى من المواطنين الثائرين في وجه هذه السياسة القمعية، وحملات الاعتقال التعسفي الواسعة النطاق في صفوف المواطنين، في جميع مناطق الاحتجاحات، وبخاصة في العاصمة المنامة، حيث شهدت ساحة المدرسة الثانوية للبنين ومحيطها، أشد معارك المواجهة بين الطلاب وقوات الأمن، وكان وقتها حاكم البحرين الحالي حمد بن عيسى ال خليفة، يتلقى علومه فيها، وكان بالتاكيد شاهدا على كل ما حدث من وقائع رهيبة من القمع المطلق، ومع ذلك واجهت قوات الأمن مشقة كبيرة في تكسير عظام الطلاب المحتجين ومعهم الجماهير الشعبية التي تضامنت وشاركت معهم اعتصامهم في حرم المدرسة الثانوية، واخماذ تحركهم ، والذي استمر يحث الخطى لمدة أسبوعين أو أكثر، بدعم ملحوظ من كافة قطاعات المجتمع وجماهير الشعب، و الذي كان بشدة تضحياته و صموده الاسطوري يبعث بالفخر لشعب البحرين في جميع أنحاء العالم، في تاريخ نضاله من أجل الحرية والكرامة والاستقلال .
وكان تسريح المئات من العمال و المهنيين البحرينيين الضعفاء من شركة النفط، ما هو إلا نتيجة لسياسة التضييق على الطبقة العاملة البحرينية واذلالها، و احتكار هذه الشركة الاجنبية للثروة النفطية الوطنية. وعلى الرغم من ضراوة القمع المطلق، الذي مورس في نطاق هذا التحرك الوطني المطلبي الشجاع، واعلان حالة الطوارئ في البحرين، على امتداد شهرين أو أكثر وفتح المحال التجارية والأسواق التي اغلقها أصحابها نتيجة الإضراب الشامل في عموم البلاد، تمسكت الحركة الاحتجاجية المطلبية مواقفها المبدئية المعتدلة و السلمية للدفاع عن مصالح العمال والمصلحة الوطنية العليا، واستمرت في المطالبة بعودة العمال المسرحين، إلى اعمالهم و وظائفهم، و جلاء قوات الحماية البريطانية من معسكراتها و قواعدها في البلاد، و تحاشي الوقوع في حبائل جهاز المخابرات والقوات البريطانية التي تقوم على مبدأ (فرق تسد) واستمروا في مواصلة طريق النضال من أجل تحقيق كافة المطالب العمالية و الشعبية المشروعة، والدفاع عن النفس.
وبعدها استطاعوا إجبار شركة نفط البحرين المحدودة، على إعادة النظر في قرارها التعسفي بفصل العمال وتسريحهم، و الذي اجبرها على أعاد العمال جميعهم مرة أخرى، إلى اعمالهم و وظائفهم، وإطلاق سراح الاف المواطنين المحتجين، الذين شملتهم حملات الاعتقال التعسفي بشكل منظم او بصورة عشوائية، وعندها لم تحاول قوات الانتداب البريطانية اخفاء حقيقة أنها اخفقت في كسر شوكة الحركة الاحتجاجية المطلبية، لو لا انها استخدمت كافة الأساليب الوحشية ضد مواطنين عزل يدافعون عن حقوقهم و كرامتهم و لقمة العيش، و كذلك السخط الشديد الذي اثارته عمليات قتل المحتجين بدم بارد، والتنديد بكل هذة الأفعال اللا إنسانية والا أخلاقية، من جانب المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية العالمية، التي لم تتوانى لحظة واحدة عن فضح هذه الممارسة الأمنية الصارمة والوحشية، والاعلام والصحافة الدولية، التي فضحت هذه الممارسه القمعية و تضامنت مع شعب البحرين .
وبعد ما يزيد عن عدة عقود من الوقت، من انسحاب قوات الانتداب البريطاني من قواعدها في البحرين، فإن الخبراء و المستشارين العسكريين والامنيين البريطانيين ومن بعدهم الأمريكيين، مازالوا يرسمون السياسات العسكرية والامنية للنظام الخليفي القمعي الحاكم في البحرين، ويفرضون ظلهم في قمع الارادة الشعبية المطالبة بالحريات والكرامة و السيادة الوطنية و الاستقلال .
رحم الله جميع الشهداء الأبرار الذين سقطوا دفاعا عن قضايا الوطن والعمال في انتفاضة مارس المجيدة، واسكن أرواحهم الطاهرة فسيح جناته مع جميع الشهداء الخالدين الأبرار .
هاني الريس
3 مارس 2025