حول مؤتمر الحوار الإسلامي – الإسلامي في البحرين .. لا تنصره ظالما يا شيخ الأزهر

عقد في العاصمة البحرينية المنامة، في الفترة مابين 19 و 20 شباط/ فبراير 2025 المؤتمر العالمي للحوار الإسلامي – الإسلامي، تحت رعاية حاكم البحرين حمد بن عيسى ال خليفة، الذي قدم نفسه للعالم برمته، منذ توليه زمام السلطة في البحرين في العام 1999، على أنه داعية سلام وتسامح وخادم امين لقضايا الأخوة الدينية والإنسانية وتلاقي الحضارات وجمع الثقافات، وبحضور شيخ الأزهر ومجلس حكماء المسلمين، الدكتور أحمد الطيب، وأكثر من 400 شخصية من علماء الدين والقيادات والمرجعيات الإسلامية، والمفكرين و المثقفين و المهتمين من مختلف المؤسسات الدينية الإسلامية حول العالم (الذين راودت الشكوك عددا كبيرا منهم حول ما إذا كانوا يعبرون بالفعل عن إيمانهم الإسلامي الصحيح و المستقيم و النير، أم انهم من وعاظ السلاطين وأصحاب المصالح الدنيوية) والذين جاؤوا ملوحين بقائمة طويلة من كلمات المديح والتبجيل لصاحب الدعوة للمؤتمر، بوصفه (رجل مصلح و داعية سلام واخوة وتعايش سلمي) من حيث انهم يعرفون او لا يعرفون، عن الأهداف الحقيقية الباطنية لهذا الحاكم الطاغية، الذي أراد من خلال احتضانه لهذا المؤتمر تجميل صورته المشوهة أمام شعبه وأمام العالم، بسبب حكمه المتغطرس و الفاسد، الذي استمر يحث الخطى على امتداد عقود من الوقت، و اصراره الشديد على رفض اي شكل من أشكال التسامح والرافة و المصالحة مع شعبه، الذي انهكت كاهله سياسة الاضطهاد والعسف العام، والذي مازال يدفع الثمن غاليا لتلك السياسة الطائشة والمتهورة و الحمقاء التي لا تطاق.

في خطابه لضيوفه المشاركين في المؤتمر، شدد حاكم البحرين، حمد بن عيسى ال خليفة، على ضرورة تكريس الدين الإسلامي ومفاهيمه الموروثة لخدمة قضايا الإنسان، وتوحيد الأمة، والتسامح ونبذ الفرقة والفتن الطائفية والانقسامات، ومختلف الأساليب التي تقود إلى نشر الكراهية والحقد و الاستفزاز والعنصرية، في الوقت الذي أصبح فيه هو نفسه، من يمارس الاضطهاد واساليب الفرقة و الاستفزاز واشعال الفتن الطائفية بين أبناء شعبه، ويرفض بشدة التسامح والمصالحة مع الخصوم المناهضين لسياساته الطائشة والقمعية، ويصر على عدم الحوار معهم لمعالجة الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية المحلية المترنحة و المأزومة، بل وانه في هذا المنحنى بوجه الخصوص، قد ساق إلى غياهب سجونه المعتمة كواكب من النشطاء السياسيين والحقوقيين و المثقفين والمفكرين ورجال الدين الافاضل، الذين لم يقترفوا اي ذنب، واية أخطاء تعكر أجواء الأمن والاستقرار، سوى انهم عبروا عن ارائهم و أفكارهم وطموحاتهم ومعتقداتهم الدينية، وقدم بعضهم إلى محاكمه الصورية، التي ادانتهم بتهم ملفقة وسخيفة (التخريب ونشر الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار ومحاولات قلب النظام السياسي بواسطة القوة والعنف، وترويج الأفكار المستوردة من الخارج والتخابر مع جهات ودول أجنبية) علما أن جميع من يقبعون داخل زنازين هذه السجون، منذ أكثر من 13 عام من الوقت، وبالاضافة إلى المئات من العوائل البحرينية المهجرين و المشردين والمسحوبة جنسياتهم البحرينية، بشكل قسري، في مختلف العواصم العالمية، هم مواطنين شرفاء دافعوا عن كرامة الوطن وحريته وسيادته واستقلاله، وطالبوا بالإصلاح والعدالة الاجتماعية ونيل ابسط حقوق المواطنة المشروعة، وهم لم يرفعوا السلاح في وجه السلطة، ولم يقتلوا ويفجروا وينشرون الفوضى والفرقة والكراهية، ولكنهم قالوا بشجاعة كلمة حق أمام سلطان جائر، ورفعوا اعلام الدولة وشعار الوحدة الوطنية “لا شيعية .. لا سنية .. وحدة وحدة وطنية” في اعتصاماتهم وتظاهراتهم المطلبية السلمية، وبدلا من تقديم ارفع الأوسمة لنضالاتهم وتضحياتكم من أجل خدمة القضايا الوطنية والشعب، يسجنون و يعذبون بابشع تعذيب ويهجرون، وتعلق رؤوسهم على أعواد المشانق، و يقتلون بدون رحمة أو شفقة، وفي خلال السنوات الماضية التي اعقبت حراك 14/ فبراير 2011 اقدمت السلطات الأمنية البحرينية بأمر من هذا الحاكم نفسه، على عمليات التضييق على الحرية الدينية ومنع رفع الشعارات الدينية في حسينيات ومساجد الطائفة الشيعية في البحرين، وتم إغلاق وهدم ومصادرة ممتلكات اكثر من 200 مسجد من مساجدهم بذريعة انها أصبحت منابر تخريب وترويج الشائعات والافكار المناهضة للحكومة، فاين هي إذا ادعاءات هذا الحاكم الطاغية، بالقول أنه مصلح و داعية سلام وتسامح وتعاطف وتضامن مع الآخرين وخادم للدين؟

وخلال لقائه مع زملائه علماء الدين، وجميع المشاركين في المؤتمر بشخص الحاكم في قصره، امتدح شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، الدكتور أحمد الطيب “السياسة الرشيدة” و العقلانية المميزة لهذا الحاكم، الذي شدد الخناق على شعبه وحرمه من قول الحق و الحريات، واصفا اياه الداعية المخلصة لنشر قيم التسامح والاخوة الدينية والإسلامية والإنسانية، ويبذل الجهود من أجل خدمة الدين الإسلامي الحنيف و عموم المسلمين حول العالم، وان الحاكم “الملك” قد خطى خطوات واسعة النطاق في هذا المضمار، وهنئه بحرارة على نجاح المؤتمر وحسن الضيافة، وقال انه و زملائه واخوانه العلماء من بلاد الإسلام اجتمعوا في البحرين التي “اضحت واحة للتعايش والتسامح وحوار الاديان” وذلك بلغة تملقيه صريحة لا تليق بمقام عالم مصلح، ويظل يستخدمها وعاظ السلاطين للتقرب أو لمغازلة الملوك والامراء والحكام من أجل طلب الرزق أو الجاه او الامتيازات، ولم يعد حينها شيخ الأزهر، يكترث بكل الأحداث التي مرت بها البحرين في عهد هذا الحاكم الطاغية، التي كانت ثقيلة الوطاة على غالبية الشعب وجميع قوى التحرر الوطنية والإسلامية، المطالبة بقضايا الإصلاح ونبذ الفرقة والتعصب الطائفي والمذهبي.

وكان من الاجدى لشيخ الأزهر بذلا من ان يكيل المديح والتبجيل لسلطان جائر، أن يسدي له النصح والإرشاد للتعامل بشفافية مع أبناء جلدته وتوفير الحريات لهم والتسامح مع الخصوم الذين لم يقترفوا اي أفعال تضر بالمصلحة الوطنية العليا، وان يقطع علاقاته الدبلوماسية والتجارية مع الكيان الصهيوني عدو الامتين العربية والإسلامية، وقاتل الأطفال والنساء والرجال في غزة ولبنان وسوريا واليمن والعراق، وان يضع حد لقضية التجنيس العشوائية للغرباء الأجانب، الذين أغرق بهم البلاد، وتسببوا في شرخ الوحدة الوطنية، ومارسوا اعمال التخريب والعنف والكراهية، ضد المواطنين الامنين الأصليين، وان يطلق سراح جميع سجناء الرأى و التعبير والضمير، ويصدر قرارا بمرسوم بالعفو العام الشامل وغير المشروط، وعودة المبعدين والمنفيين إلى ديارهم من دون أي قيد او شرط، هذا هو يفترض ان يكون من أهم واجبات شيخ الأزهر، أن يبدلها في هذه المناسبة الدينية العالمية، في سبيل الإصلاح والتسامح والعفو، لا لتمجيد و تلميع صورة مشوهة لسلطان جائر، تجاهل إرادة شعبه وجوعه وحرمه من ابسط الحريات المدنية والدينية.

هاني الريس
22 فبراير 2025

Loading