
الذكرى 24 عام لمشروع ” ميثاق العمل الوطني” في البحرين .. “كذبة كبرى” صدقها الناس لأجل حماية اوضاعهم
قبل 24 عام من الوقت، قال حاكم البحرين، حمد بن عيسى ال خليفة، في خطاب متلفز للشعب، بمناسبة تدشين ما سمي ب ” ميثاق العمل الوطني” الذي تحولت بموجبه البحرين من دولة بوليسية متشددة إلى مملكة” أن الحقب التاريخية الطويلة التي ظلت تعاني منها البلاد من تحديات كبيرة وازمات سياسية واجتماعية وامنية واقتصادية وتنموية قد انتهت وعفا عليها الزمن” بعد أن صوتت غالبية 98.4 في المئة من شعب البحرين بجميع اطيافه وطوائفه ب”نعم” لمصلحة ميثاق العمل الوطني، ومشروع الإصلاح (هذه هي الأرقام المبالغ فيها التي نشرتها الجهات الحكومية الرسمية بينما كان يوجد هناك عشرات الآلاف من المواطنين الذين قاطعوا التصويت على هذا المشروع، ونحن منهم) و وقفت خلف راية حاكم البلاد، الذي قاد مشروع الإصلاح لمواكبة عصر النهضة والتقدم، وطرح كثيرون من المراقبين و المحللين أفكار أن البحرين في طريقها لأن تصبح دولة متفوقة على أنظمة دول الجوار والمنطقة، وتصبح ” دولة برلمانية دستورية، على غرار الدول والممالك البرلمانية الدستورية المتقدمة و المتطورة في جميع أنحاء العالم.
هذا هو الأمل الذي كان قد استند عليه حاكم البحرين حمد بن عيسى ال خليفة، في رغبته في قيام المملكة الخليفية الأولى في البحرين، التي ظلت حلم منشود يراود أفكار رواد العائلة الأوائل، و خدع به شعبه، التي اثقلت كاهله حقب سنوات تاريخية طويلة من القمع الصارم والاستبداد المطلق و احتكار السلطة والحكم لطبقة فئوية صغيرة و بصورة دائمة، وتفقير الناس، واختلاق الفتن الطائفية، والتمييز المذهبي، وحملات التهجير والنفي القسرية، والاعتقالات التعسفية العشوائية والمنظمة، والملاحقات الأمنية المستمرة ضد جميع قوى المعارضة الوطنية والإسلامية، و الذي ظل خلالها شعب البحرين برمته، يأمل على الدوام بأن يأتي اليوم الذي قد يخلصه من الهم الأمني والسياسي والاقتصادي، الذي أثقل كاهله، طوال حقب السنوات الماضية المعتمة، وتصبح البلاد بحق وحقيقة واحة مزدهرة للحياة الديمقراطية و الحريات المدنية وحقوق الإنسان .
لكن هذا المشروع الذي ظل يطلق عليه مرة ” ميثاق العمل الوطني” و أخرى “المشروع الاصلاحي” الذي بدا العمل به فعليا قبل 24 عام من الآن، اخفق عمليا في انتقال البلاد من دولة بوليسية صارمة تراقب حركات الناس وسكناتهم، وتضييق الخناق على حرياتهم المدنية والدينية، وحياتهم الإجتماعية والاقتصادية العامة، ومحاربة الفقر والفساد وتبذير أموال الدولة على مشاريع صورية ومشبوهة، وأصبح غير معول عليه لا في الزمن الحاضر، و لا للمستقبل، وبحيث أن جميع أفراد الشعب من صوتوا أو قاطعوا التصويت على هذا الميثاق قد ادركوا بعد مرور عام او اكثر، على مراحل تدشينه، بأنه ليس أكثر من مجرد كذية كبرى، أراد من خلالها النظام السياسي الخليفي، أن يعطي لنفسه صفة الشرعية الوطنية، الذي كان قد افتقدها على امتداد اكثر من 250 عام من الزمن بعد غزو عائلة ال خليفة، لجزر البحرين، و احتلالها و اغتصاب الأرض والكيان السياسي، وذلك بعد الانقلاب المشؤوم لقائد مسيرة مشروع الميثاق، والمشروع الاصلاحي حمد بن عيسى ال خليفة، على كل التعهدات والمواثيق التي قطعها على نفسه وأمام المجتمع، بأن البلاد ستظل واحة مزدهرة للديمقراطية و الحريات، وانها ستواكب عصر التقدم والتنمية.
فما لبث أن تجاهل أو ألغى جميع البنود والنصوص الحيوية لميثاق العمل الوطني، واستبدل دستور البحرين العقدي للعام 1973 بدستور المنحة للعام 2002 الذي فصله تماما على مقاسات قامته، بدلا من تفعيل تلك البنود والنصوص القانونية و الدستورية التي تصب في خدمة مشاريع الدولة والمجتمع، وبالاضافة لذلك شدد الرقابة الأمنية المسلطة على رقاب الناس، و وسع من إجراءات قمع الأصوات المناهضة لسياسات البطش والاستبداد، وشرع في بناء السجون والمعتقلات لردع من يطالبون بالحريات، وبقيام دولة القانون والنظام، و حل الجمعيات السياسية المعارضة بجميع توجهاتها والوانها الإسلامية و اليسارية والقومية، وشيد المحاكم المدنية والعسكرية والمؤسسات التشريعية الصورية، وتبذير أموال الدولة، ومنع الرقابة على الفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة الرسمية و في أوساط العائلة الحاكمة، التي تحتكر كل شيء في البلاد، وبشكل ظلت تسيطر عليه العقلية التقليدية القبلية، وجلب المجنسين العشوائيين من مشارق الأرض ومغاربها لمنافسة المواطن البحريني في لقمة عيشه ومصالحه، وسمح للصهاينة الإسرائيلي بتدنيس ارض البحرين الطاهرة، و وسع التجارة معهم.
و بعد كل هذا الجحيم، الذي حدث في البلاد انهارت صورة الآلة “الاسطورية” لما سمي ب “ميثاق العمل الوطني و مشروع الإصلاح” اللذان ظل يتبجح بهما أمام شعبه والعالم، وتروج لهما الدعاية الاعلامية المحلية، و جوقات المطبلين والمزمرين في الداخل والخارج، وتبين انه لم يكن في الحقيقة مشروع حقيقي وجدي للتغيير الجذري للأنظمة الفاسدة والقمعية المعمول بها في البلاد في حقب سنوات ما قبل الميثاق، وانه ليس بمشروع لبناء الدولة الحديثة العصرية المنشودة، وحماية المواطن البحريني من غوائل المظالم غير المكبوحة، وبات المجتمع البحريني برمته يعاني من التبعات القاسية والموجعة، التي جاء بها هذا المشروع، ومنقسم بمعنويات منهارة، لأن الجميع قد شرب من علقم هذا الدواء المر الذي جلبه لهم ما سمي ب “مشروع الميثاق، ومشروع الكذبة الاصلاحي”.
وقد لا تكون هنا ثمة حاجة إلى الحديث تفصيلا عن كل ما كان يحدث في نطاق العمل بهذا المشروع، حيث أن هذا التحول الذي يفترض أن يكون للإصلاح بكل معانيه، انطوى على التضييق على الحريات وتفقير الناس، والفساد والمحسوبيات، وتعميم الفوضى وتشويه التنمية، والتفرد الواضح بعمليات صنع القرار من دون مشاورة المجتمع، واتاح الفرصة السانحة للنظام الخليفي في الظهور بمظهر الداعي إلى الإصلاح والتغيير، أمام المنظمات الديمقراطية والحقوقية العالمية، وكذلك المجتمع الدولي الذي اسهب في المديح لهذا المشروع من دون معرفة الحقائق القائمة على أرض الواقع، بعد أن كانوا في السابق، ينددون بالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وغياب الديمقراطية في البيانات والتقارير الدورية، ويناشدون النظام السياسي بالاقلاع عن ممارسة القوة والعنف ضد الأصوات المطالبة بالحريات، و منع حملات الاعتقال التعسفي خارج إطار القانون، و منع التعذيب و المحاكمات الصورية و الاعدامات، وإطلاق الرصاص الحي والمطاطي على المحتجين في التظاهرات السلمية .
هاني الريس
16 فبراير 2025