الذكرى (28 عام) لرحيل المناضل النقابي البحريني علي عبدالله مدان .. قامة نضالية وطنية عمالية

في 27 كانون الثاني/ يناير 1995 انتقل الى جوار ربه راضيا مرضيا، الرفيق المناضل النقابي البحريني، علي عبدالله مدان، أحد الرواد المؤسسين الأوائل لجبهة التحرير الوطني البحرينية ( جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي حاليا) حيث وافته المنية من منفاه القسري في بلجيكا، بعد رحلات مضنية من الملاحقات الأمنية و السجون و المنافي البعيدة.

لقد ضحى المناضل العمالي الكبير الرفيق الراحل علي عبدالله مدان، بالكثير من الوقت و الجهد والعمل في النضال، وهو لا يملك أي شيء من متاع الدنيا سوى إيمانه الشديد الذي ظل لا يتزعزع قيد انملة بالقضية الوطنية وخدمة الضعفاء والفقراء والمسحوقين، و قدم الكثير من عمره وجهده ووقته وفكره لنصرة القضايا العمالية وشعب البحرين، على امتداد عقود من الوقت، من دون تعب أو ملل او إرهاق

.
و طوال السنوات الكثيرة، التي تلت رحيل الرفيق علي عبدالله مدان، شهدت البحرين زخم من الأحداث الجسام ضد النظام الخليفي القمعي، حيث انتشر الوعي بين الشباب التي تشبعت أفكارهم وثقافاتهم بالقضايا النضالية الوطنية الثورية، التي كرستها وعززتها نضالات وتضحيات من سبقهم من رموز وقادة ونخب وقواعد وثوار الحركة الوطنية والإسلامية في البحرين، وكانت ملهمة بالنسبة لهم و وقفوا وقفة رجل واحد في جبهة واحدة موحدة في وجه الجلاد، يدافعون عن كافة القيم والمبادئ النضالية الثورية والإنسانية، ويحتجون ويتظاهرون ويعتصمون في الساحات والشوارع في كافة المناطق البحرينية، مطالبين بالتغيير الحقيقي الجوهري وتأسيس دولة النظام والقانون والعدل الاجتماعي بين الجميع، والمساواة في الحقوق والواجبات وتداول السلطة وتكريس مفهوم المواطنة و السيادة الوطنية.

كان الراحل الرفيق علي عبدالله مدان، علمآ من اعلام النضال الوطني العمالي، في البحرين، مناضل صلب وحقيقي، لا يخشى الملاحقات الأمنية ولا السجون، ولا يخشى الموت في سبيل القضية الوطنية، و كان ندا للاستبداد والعسف العام، و مظالم الفقراء والمسحوقين، ولم يمل او يتعب من حياة المنافي القسرية التي عاشها زاهدا متواضعا متقشفا في الدوحة والشارقة و دبي و عدن و طهران ودمشق واخيرا بروكسل حيث قضى نهاية عمره في مقابرها بعيدا عن وطنه وأهله واحبته ورفاقه.

تم اعتقال الرفيق، علي عبدالله مدان، من قبل السلطات الخليفية في البحرين، في العام 1957 لمدة شهرين عذب خلالهما بكل قسوة وصرامة، ثم اعتقل مرة أخرى في العام 1960، وحكمت عليه محاكم النظام الصورية، بالسجن لمدة خمس سنوات مع الأشغال الشاقة، وبعد انتهاء سنوات سجنه مباشرة تم نفيه إلى إيران، حيث واجه هناك أشد العذابات في ظل ملاحقات جهاز السافاك الرهيب والمرعب، ولكنه عاد منها تائها منهكا باحثا عن مأوى متنقلا مابين الدوحة والشارقة ودبي.

وفي العام 1978 عاد إلى إيران بعد قيام الثورة الإسلامية الإيرانية، ولكنه بعد ما يقرب من عامين قضاهم هناك، في ظل وضع معيشي صعب ومرهق مع الملاحقات الامنية، عاد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة حتى صيف 1986 قبل أن يلتحق برفاقه في جبهة التحرير الوطني البحرينية، في دمشق.

كان عضوا نشطاء معنا في لجنة التنسيق بين الجبهة الشعبية في البحرين وجبهة التحرير الوطني البحرينية، التي تأسست في دمشق، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وسقوط الاتحاد الاشتراكي السوفيتي، في حقبة سنوات التسعينات من القرن الماضي، وكان الرجل يتمتع بروح مرحة وتواضع شديد، وافكار نضالية تقدمية حقيقية، وثقافة عمالية مثمرة، وكنت قد رافقته كرئيس لوفد إتحاد عمال البحرين، في المؤتمر العام لاتحاد العمال العالمي، الذي عقد في العاصمة البولندية وارشو، وشارك فيه معنا إتحاد عمال سلطنة عمان، التابع للجبهة الشعبية لتحرير عمان، وكذلك وفود من رؤساء واعضاء الاتحادات النقابية و العمالية من حوالي 91 دولة عالمية.

قاوم الرجل سنوات كثيرة مرض العضال الذي الم به وارهق جسده و مزق احشائه، ولم ينهار او يستسلم، حتى فتك به وأنهى حياته، التي كانت شعلة في النضال والتضحيات الكبيرة، قبل ان يتذوق طعم العودة إلى الوطن مع جميع رفاقه المبعدين والمنفيين، الذين عادوا بموجب قرار العفو العام وغير المشروط في فترة ما سمي ب ” مشروع الإصلاح” التي تحولت بموجبه دولة المراقبة الأمنية الصارمة إلى مملكة، وحصل بعضهم على حفنة من الامتيازات و تعويضات سنوات المنافي القسرية.

رحم الله المناضل الوطتي الكبير، علي عبدالله مدان، واسكن روحه الطاهرة فسيح جناته مع الخالدين الشهداء الأبرار.

هاني الريس
22 يناير 2025

Loading