المناضل البحريني رسول الجشي .. حياة حافلة بالدفاع عن قضايا شعب البحرين والأمة العربية وفلسطين
كانت الساحة النضالية في البحرين في حقبة نضالات الشعوب العربية المطالبة بالسيادة الوطنية والاستقلال عن المستعمرين الأجانب والتصدي للامبريالية العالمية، تعج برجال وطنيين وقوميين ويساريين واسلاميين، قادوا حركة التحرر الوطني في البلاد، وطالبوا بطرد الحماية البريطانية الغاشمة في البحرين، وتأسيس الدولة الوطنية المستقلة وذات السيادة .
من بين هؤولاء القادة البارين، المناضل الوطني والعروبي المعروف، رسول الجشي (ابو غسان) الذي رحل إلى جوار ربه راضيا مرضيا بكل ما قدمه من خدمات جليلة للوطن وشعب البحرين والأمة العربية وفلسطين، في 25 نوفمبر 2024، والذي نحن الآن على أعتاب اربعينية رحيله المؤلم والمؤسف .
كان الرجل الذي ينتمي إلى عائلة بحرينية كريمة ومعروفة على مستوى البحرين والمنطقة، وكان من بين أبرز رجالاتها الاستاذ حسن الجشي رئيس المجلس الوطني المنتخب (البرلمان البحريني) و الاستاذ جميل جواد الجشي، امين سر الاتحاد البحريني لكرة القدم، وأخرين من الوجهاء الافاضل وسط العائلة، قد بدأ حياته منذ نعومة اظفاره بمسيرة حافلة من النضال الوطني والعروبي، والدفاع عن قضايا الضعفاء في البلاد، وكان رجل مبدأ أصيل وثابت، مدافعا شرسا عن عروبة البحرين واستقلالها وسيادتها الوطنية، وقد ترك خلال تلك المسيرة الحافلة بصمات واضحة في تعزيز الوحدة الوطنية، من خلال تاخيه و تضامنه مع الجميع، وعبوره للطوائف والتكتلات الحزبية، فهو كان يوصف بالرجل المعتدل والجامع لشمل مختلف التيارات الوطنية المناضلة في الساحة الوطنية البحرينية، والذي كان قد قاد جزء يسير من مسيرة نضالات جمعية التجمع القومي الديمقراطي البحرينية، قبل وحين أصبح أمينا عاما لها، ورئيسا لهيئتها الاستشارية لعدة سنوات مضت، وكان يحمل على عاتقه كافة المسؤوليات المناطة بها، مدافعا عن جميع برامجها و مشاريعها وخطها السياسي والوطني والايديولوجي، و مدافعا في نفس الوقت عن قضايا شعب البحرين والأمة العربية والإسلامية وفلسطين، وعضوا ناشطا في المؤتمر القومي العربي، الذي ظل يجمع تحت رايته مختلف التيارات والقوى العروبية و اليسارية الثورية المناضلة في الوطن العربي .
وكانت للرجل الذي شارك في أول تجربة برلمانية حقيقية في البحرين، التي انطلقت بعد استقلال البلاد عن فلك الحماية البريطانية او الانتداب في العام 1971 مواقف مشرفة في النضال الشرس، َمن أجل خدمة القضية الوطنية والشعب، وكان له رأي وكلمة حق قالها بعد انقلاب الحكم على دستور البلاد العقدي الصادر عن المجلس الوطني المنتخب (البرلمان) وحل المجلس بقرار بقانون أميري مجحف، في 26 اغسطس 1975، بعد رفض النواب الوطنيون والاسلاميون، مشروع قانون امن الدولة المقيد لجميع الحريات المدنية والعامة، التي طرحته الحكومة، ومطالبتهم بوضع أسس دولة النظام والقانون وتحديد ميزانية أمير البلاد، وتحديد اراضي الدولة للحد من استيلاء أفراد العائلة الحاكمة عليها، وتوزيع الثروة الوطنية بين جميع أفراد الشعب، وتطبيق مبادئ العدل الاجتماعي بين الجميع، قال الرجل وبصوت جهور، أن البلاد سوف تواجه كارثة مدوية و سنوات معتمة من البطش والاضطهاد الممنهج، والفتن الطائفية، وغياب الحريات وحقوق الإنسان، وهو الأمر الذي قد حدث بالفعل في ظل قانون ومحاكم أمن الدولة السيئة الصيت في البحرين، والتي مازالت تداعيات ذلك الامر تحث الخطى حتى بعد تحويل دولة المراقبة الأمنية إلى ما سمي (بالمملكة الدستورية الحالية) .
تعرفت على المناضل الراحل، رسول الجشي، لأول مره في لندن، في العام 1997 في إحدى جلسات النقاش حول الأوضاع في البحرين، التي استضافها الدكتور سعيد الشهابي، الأمين العام لحركة احرار البحرين الإسلامية، في منزله، وكان من بين الحضور نخبة من قيادات المعارضة البحرينية في الخارج، وكان الرجل يتمتع بثقافة عالية في قضايا النضال الوطني والعمل التنظيمي، وكانت دائما ارائه متزنة وموزونة، لا يقاطع ولا يجادل، ويعطي الاجوبة الشافية على الأسئلة المطروحة، وكان لديه من الإصرار على المبادئ السياسية الواقعية ما كان يحتاج له العمل الوطني المشترك في تلك المرحلة الحساسة و الصعبة في تاريخ البحرين، ومنذ ذلك الوقت ارتبطنا في علاقة أخوية ونضالية تجسدت في الكثير من الاتصالات الهاتفية المباشرة، عندما يقوم بزيارة لندن، ولم التقي به داخل البحرين، عند عودتي من المنفى القسري في الدنمارك، بعد (الانفتاح السياسي) سوى لحظات عابرة من أمام مبنى نادي العروبة الثقافي، حيث كانت لديه بعض المشاغل المهمة في ذلك الوقت .
قال عنه المناضل الوطني الرمز، عبدالرحمن محمد النعيمي، أن الرجل رغم شحة ظهوره في الواجهة، و في الاضواء الاعلامية، انه يظل دائما الصنف الهادئ والمتزن، من الرجال الأوفياء والاشداء الذين دافعوا عن قضايا شعب البحرين والأمة العربية والإسلامية وفلسطين، ويحتاجهم المجتمع في جميع الأوقات .
رحم الله المناضل الوطني والعروبي، رسول الجشي، واسكن روحه الطاهرة فسيح جناته مع الخالدين والابرار، والهم أهله ودويه وجميع رفاقه ومحبيه الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون .
هاني الريس
29 ديسمبر 2024