كيف تعمل الأندية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني؟ .. النموذج الدنماركي
تمثل الأندية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، جزء حيوي من المجتمع الدنماركي، وتوجد هناك أكثر من 100.000 جمعية فاعلة في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 5.8 مليون نسمة، وفقا للمركز الوطني الدنماركي للبحوث الإجتماعية العامة.
وتغطي الجمعيات والأندية ومنظمات المجتمع المدني الدنماركية، مجموعة واسعة النطاق من الاهتمامات المتعددة في مجالات الثقافة والفن والترفيه والتسلية والتربية والتعليم والرياضة والسياسة والاقتصاد والبيئة والمهن والوظائف الحرة وسوق العمل.
وتتم غالبية أعمال تلك الجمعيات من دون أجر، ويتطوع أكثر من 41 في المئة من الدنماركيين باوقاتهم من خلال العمل في الجمعيات والمنظمات والاندية، وفقا لتقرير وزارة شؤون الأطفال والشؤون الإجتماعية، وحتى اعضاء المجالس البلدية المنتخبين عن طريق الاقتراع الشعبي لا يتقاضون اية أجور مقابل خدماتهم في المجالس البلدية.
وبالنسبة لجميع الدنماركيين، تعتبر الجمعيات جزءا مهما من الديمقراطية والعمل الوطني المشترك، وتساهم كل هذه الجمعيات في رفد المجتمع الدنماركي بالمواطنة الحيوية والنشطة والتنوير الثقافي والسياسي والنقابي والعلمي والمساواة الاجتماعية وغيرها. ويرى الدنماركيون، أن الجمعيات والعمل التطوعي وسيلة من وسائل تجميع الموارد الحيوية العامة لتحقيق الأهداف والطلعات المشتركة بين الجميع داخل المجتمع.
جمعيات النفع العام والأندية ومنظمات المجتمع المدني المتعددة لها تاريخ طويل وعريق في الدنمارك، واصبحت تمثل الشكل المهيمن الرئيسي لمختلف أدوات التنظيم في جوانب عديدة من الحياة المدنية و السياسية و الاجتماعية العامة، بعد سن الدستور الديمقراطي في العام 1849 حيث شهدت البلاد في أواخر القرن التاسع عشر طفرة واسعة النطاق في تشكيل هياكل الجمعيات والمنظمات المرتبطة بالانتشار المتزايد للمدارس الشعبية العليا والحركة التعاونية و النقابية و العمالية و الطلابية.
ويضمن الدستور الدنماركي صراحة الحق في تاسيس الجمعيات من أي نوع كان، من دون طلب ترخيص من السلطات الحكومية الرسمية، ولكن بشرط أن يكون الغرض منه قانونيا ويصب في خدمة المجتمع، وعلى الرغم من استقلالية هذه الجمعيات عن تأثيرات السياسة الرسمية للدولة الدنماركية، فان الأخيرة تدعم جميع انشطتها وفعالياتها ماليا ومعنويا، ولا تشدد عليها الرقابة الامنية.
ودائما ما كانت الاحزاب السياسية اليسارية الدنماركية، بالذات تشدد في برامجها السياسية والعملية والايديولوجية، على إقامة مجتمع اشتراكي موحد في الدنمارك، تتوفر فيه قضايا الحرية و الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتضامن المجتمعي، والمساواة الكاملة و الشاملة للجميع، بما في ذلك الإقتصاد، و نظام سياسي يصون الكرامة، ويضمن الاحتياجات الأساسية للفرد مثل الطعام والملبس والمسكن والتعليم والصحة وفرص العمل المتنوعة، و كذلك الحرية الفردية و المشتركة للجميع.
وفي الدنمارك، تبدو أن هناك فجوة واسعة بين الأجيال، في ما يتعلق بما إذا كان يعتقد بأن الاشتراكية هي الطريق الأمثل للتقدم والتطور والتنمية، أم هي على العكس من ذلك؟ وقد أظهر استطلاع للراي اجراه مؤخرا (مركز ويليك) الدنماركي لقياسات الرأى، بأن هناك أكثر من 37 في المئة، من الشباب في الدنمارك، يعتقدون بأن الاشتراكية، هي السبيل الأفضل للتقدم والتطور والازدهار، وهي التي يمكن أن تضمن لهم العمل و الرفاهية، وهي أكثر قوة ونتاجا من الرأسمالية المتوحشة، التي تظل تحتكر السلطة والاقتصاد وسوق العمل، و تستغل جهود الضعفاء والفقراء والقوى العاملة التي تظل تكافح بوسائل شتى، من أجل الحصول على لقمة العيش.
هاني الريس
24 نوفمبر 2024