أكثر من 13 عام على رحيل النعيمي .. ماذا لو أنه حي اليوم ؟

شكل رحيل المناضل الوطني والقومي والاممي، عبدالرحمن محمد النعيمي، الأمين العام للجبهة الشعبية في البحرين واول رئيس لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) قبل 13 عام وثلاثة شهور، صدمة موجعة لجميع قوى التحرر والتغيير في البحرين، فالرجل قدم الكثير من التضحيات النضالية الواضحة و المعروفة من أجل خدمة القضية الوطنية وشعب البحرين، على امتداد أكثر من أربعة عقود من الوقت، في المنافي القسرية، عدن و بيروت ودمشق، حتى انه لم يعرف الاستقرار في واحدة من هذه العواصم العربية، والتي عاش فيها حياة التقشف في المسكن والملبس والطعام، ونقل قضية البحرين في رحابها ورحاب عواصم عالمية أخرى. وكان قائدا فذا ورمز وطني عابرا للطوائف، وشخصية مقبولة لجميع قوى التحرر الوطني اليسارية والقومية والاسلامية، وقد حظى باجتماع وحب كبير في أوساط المواطنين البحرينيين، من مختلف الطوائف البحرينية.

وفي حواري الأخير مع النعيمي، في المنفى، بعد قرار عودته إلى الوطن، بعد اعلان حاكم البحرين الجديد حمد بن عيسى ال خليفة، قرار العفو العام الشامل وغير المشروط وإطلاق سراح كافة السجناء السياسيين وعودة المبعدين والمنفيين، وتجميد قانون أمن الدولة السيئ الصيت، في العام 2001، عندما عرض علي العودة معه ورفيق دربه عبدالنبي العكري، للمشاركة معهما في الحدث، تحدث معي عن حلمه في تأسيس قيم ومبادئ وبرامج جديدة للنضال الوطني في الداخل البحريني، والعمل على تأسيس جبهة وطنية عريضة تضم جميع تيارات وفصائل المعارضة التي ظلت تعمل في الخارج، وكذلك مختلف قوى التغيير في الداخل، التي توجد لديها أفكار جديدة وطاقات للعمل، في ظل ما سمي (بمشروع الإصلاح) الذي أخرجه حاكم البحرين الجديد حمد بن عيسى ال خليفة، من القمقم بعد تسلمه مقاليد الحكم في البلاد خلفا لوالده الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة، وقال انه في ظل هذا الانفتاح المنشود، سوف ينقل كل تجاربه النضالية الفذة للمصلحة الوطنية، و سوف تصبح لديه الشجاعة لتجاوز الماضي، و العمل على تغيير برامج الجبهة الشعبية في البحرين لملائمة الأوضاع الجديدة المنتظرة في البلاد.

كان الرفيق النعيمي، وأخرين غيره في صفوف المعارضة البحرينية في الخارج، من أشد المتحمسين للعودة إلى الوطن، بعد عذابات وماسي كثيرة واجهتهم في المنافي القسرية، و صاروا يحنون بعدها للعودة للوطن، ومن خلال حديثه قال لي انت تعرف إننا كنا نناضل على امتداد عقود طويلة من الوقت في ساحات المنافي القسرية، من أجل العودة إلى الوطن، واليوم قد حصلنا على بارقة أمل من أجل تحقيق هذا الهدف. و اردف، و عندما تتاح لنا تلك الفرصة سوف نعود ونعمل على تأسيس لبنات جديدة وحديثة لقضايا النضال الوطني، و نشارك في تشييد معالم وطن يحتضن الجميع، ولا يمكن أن يرجف فيه الأمل، في ما كانت قلة قليلة من المعارضين في الخارج ونحن منهم، كانوا بعكس النعيمي، لم يستبقون الامور، وكان بعضهم متشائم والبعض الآخر متشائل، وذلك بسبب التاريخ الطويل من الغدر والمخادعات والمراوغات والمناكفات والضحك على الدقون و استغفال الناس، الذي مارسه نظام عائلة ال خليفة، في البحرين، منذ تاريخ غزوها للبلاد قبل ما يقرب من 250 عاما، غير أن الاجماع للأسف الشديد قد انعقد إجمالا على الأمل المنشود في الإصلاح والتغيير، الذي كان يراه النعيمي، على يد الحاكم الشاب، الذي دغدغ مشاعر المجتمع بالكذب والخداع المطلق، و التعهد بحدوث الإصلاح والتغيير، وفتح صفحة جديدة مع المجتمع، ونسيان الماضي القمعي التعسفي، وجعل البحرين واحة مزدهرة لقضايا الديمقراطية والحرية والحكم الدستوري وحقوق الإنسان.

وبالفعل استطاع الرفيق النعيمي، أن يعود إلى البحرين وبرفقة رفيقه دربه عبدالنبي العكري، و يستقبلهم رفاقهم والعديد من الناس في موكب مهيب في مطار البحرين الدولي، و يحملونهم على الأكتاف و يقدمون لهم الورود والزهور والرياحين تكريما لنضالاتهم وتضحياتهم في سبيل القضية الوطنية، وبعدها استطاع النعيمي أن يحقق حلمه، وتطا اقدامه تراب الوطن. وان يجمع من حوله الناس، و ان يجمع الانداد في بوتقة نضالية واحدة وموحدة من جميع التيارات و الانتماءات وفصائل الحركة الوطنية، ويشيد كيان جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) التي جمعت اليساريين والقوميين والبعثيين والناصريين والمستقلين وقوى المجتمع المدني الطامحة، للتغيير والاصلاح، و التي ظلت شوكة في خاصرة النظام السياسي المتراجع في قضايا التغيير، والمتمسك بارث الماضي القمعي، وصامدة في مواقفها النضالية المبدئية، و هي مازالت إلى هذا اليوم تشرب من النبع الذي حفره زعيمها و قائدها الفذ عبدالرحمن النعيمي، الذي ظل على الدوام متمسكا بمواقفه المبدئية ونضالاته الثورية، و الذي كان يرفض كل المساومات والاغراءات الحكومية المتعددة والبراقة، والتعويض المالي والمعنوي المذل، الذي قبل به بعض قادة المعارضة العائدين من الخارج، بذريعة الاستحقاق عن غربتهم وعذاباتهم خلال سنوات النضال الطويلة في المنافي البعيدة، وظل دائما شاهرا سيفه على الظلم الاستبداد، ولم تاخده البهرجة والشهرة إلى تجادباتها، مثل غيره الذين يتسابقون في الظهور على صفحات الجرائد وعلى القنوات الفضائية من أجل استعراض إنجازات نضالاتهم المشوهة و المزيفة، ولم تتلوث يده بالفساد .

ماذا لو أن النعيمي حي اليوم ؟

لقد رحل النعيمي، إلى جوار ربه راضيا مرضيا، قبل ان يحقق حلمه الذي ضحى بالكثير من أجله، بوجود مجتمع متماسك ومتضامن للغاية، ولا يرجف فيه الأمل مطلقا، ونظام حكم دستوري على غرار الانظمة البرلمانية الدستورية العالمية، وواحات مزدهرة للديمقراطية وحقوق الإنسان، وعدل مساواة وانصاف داخل المجتمع، وبدلا من ذلك الأمل المعقود للمستقبل، شهدت البلاد، في غيابه المؤسف والمؤلم، احداث مأساوية وتقشعر لها الأبدان، في ظل سياسات الحاكم (المصلح والإصلاحي وملك القلوب والإنسانية) التي ظلت تصفه به الصحافة الصفراء في البحرين، في مقالاتها واعلاناتها المدفوعة الثمن، ومعها ابواق المزمرين والمطبلين وشداد الآفاق وأصحاب المصالح الدنيوية والتي كانت معقودة عليه الآمال والأحلام الوردية، شهدت سنوات قهر وظلم وتمييز طائفي واستبداد وتعسف مطلق، نتج عنها شق الوحدة الوطنية وانهيار الجبهة الداخلية بسبب الدسائس والتمييز و عمليات القمع المستمرة وتكميم الافواه، وحالات اعتقال وسجن المطالبين بالحريات، ومراقبة أمنية مشددة على حركات الناس وسكناتهم وفترة انتظار طويلة للايام الجميلة الموعودة التي وعد بتحقيقها الطاغية، و انقلاب فاضح على دستور البلاد الشرعي وميثاق العمل الوطني، والوعود والتعهدات التي قطعها على نفسه وأمام المجتمع، و انهيارات شاملة في القطاعات كافة، وبالخصوص الحياة المعيشية اليومية للفئات الفقيرة والمتوسطة، وغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتفشي الفساد وسلب اراضي و أموال الدولة من قبل أفراد العائلة الحاكمة ومن لف في فلكهم من المرتزقة والمتمصلحين وأصحاب الضمائر الميتة، هذا بالإضافة إلى أن البلاد أصبحت تسير الان في منزلقات خطيرة، قد تؤدي إلى الفوضى وعدم الإستقرار وزيادة في أعمال القمع، بسبب رفض تحقيق كافة المطالب المشروعة و المحقة للشعب، والإصرار على عدم إطلاق سراح قادة ورموز الحركة الوطنية والإسلامية، الذين قضوا سنوات طويلة العذاب المزمن والقهر، وارتباط النظام السياسي البحريني باتفاقيات ومعاهدات ومشاريع مشبوهة و تحالفات أمنية وعسكرية للقضاء على اي تحرك مطلبي وطني، حاضرا ومستقبلا.

وتواجه البلاد اليوم معضلة عصيبة وردود أفعال شديدة حول ما يتعلق بحالات التجنيس السياسي العشوائي، الذي دمر اقتصاد البلاد وشق صفوف الوحدة الوطنية، وارتماء حاكم البلاد وعائلته وزبانيته في أحضان الكيان الصهيوني، و من المتوقع أن تحصل هناك أشياء وامور كثيرة قد تهز البلاد، في الأوقات القادمة، إذا لم تعالج كافة القضايا الملحة والحساسة، و تعامل الحكم مع الشعب بروح منفتحة و ودية وصدق واخلاص.

ورحم الله عبدالرحمن محمد النعيمي، وأسكن روحه الطاهرة فسيح جناته مع الخالدين والابرار

هاني الريس
8 سبتمبر 2024

Loading