حمد بن عيسى ال خليفة حاكم البحرين الذي فكر في الإصلاح ثم ظل سبيل الطريق الصحيح
في 3 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2000 استبشرا المواطنون البحرينيون بانبثاق فجر جديد، ينقل البلاد من دولة مراقبة أمنية صارمة و مستبدة إلى مملكة برلمانية دستورية، و واحة خضراء شاسعة للديمقراطية وحقوق الإنسان. بعد أن ذغذغت مشاعرهم واحاسيسهم كلمات و مفردات الخطاب الأميري الذي تلاه على مسامعهم حاكم البلاد الجديد حمد بن عيسى ال خليفة، الذي ورث الحكم عن والده الراحل عيسى بن سلمان ال خليفة، بعد حكمه للبلاد بدكتاتورية مفرطة على امتداد عدة عقود مضت، وذلك في جلسة افتتاح مجلس الشورى البحريني المعين بكامل اعضائه من قبل الحكم، والذي جاء في سياقه، ان البحرين بقيادة حاكم البلاد الجديد سوف تنبت فيها واحة خضراء شاسعة لازدهار الديمقراطية وحقوق الإنسان، والحكم البرلماني الدستوري، وان ايام البحرين الجميلة سوف تأتي في القريب العاجل لكي يعم الخير و الرفاه على المجتمع، وبفضل السياسة الحكيمة في ظله سوف ينسى الناس كل ما لحق بهم من مظالم وماسي كثيرة في الماضي، حيث كان قد وعد الناس وتعهد لهم في خطابه هذا، بأنه لن تكون هناك اية سقوف على حرية التعبير والصحافة والحريات المدنية والدينية، وان جميع المواطنين متساوين في جميع الحقوق والواجبات ولا تمييز ولا تغليب طائفة على أخرى في المجتمع، وان البلاد سوف تحتل مرتبة متقدمة و متطورة من بين الانظمة والممالك الدستورية حول العالم .
وكان كل هذا غيض من فيض الكلمات والمفردات الرنانة التي ورد ذكرها في سياق الخطاب الاميري. وكان من الطبيعي في ظل هذا الجو المشحون بالعواطف الجياشة والرغبة الجانحة للتغيير والإصلاح، ان تعم الأفراح وتنتشر البهجة في ربوع البلاد، ويستعد الناس لاستقبال فجر عهدا جديد، ومواكب للعصر .
وقد ساعد في تعميم هذا المناخ استخدام واسع ومكثف لا مثيل له لمختلف وسائل الإعلام والصحافة البحرينية، وحتى ان بعض الشخصيات الوطنية والإسلامية المعارضة، التي جهدت في الماضي البعيد والقريب في نشر غسيل النظام الخليفي، استخدمت نفودها في الترويج لهذا الخطاب، وأما قلة قليلة من الناس و (نحن منهم) فقد اعتبروا الخطاب بمثابة كذبة كبري، تغلفها مفردات و كلمات حق يراد بها باطل، و قد رسموا صورا و مشاهد و علامات استفهام حول استقامة ونزاهة ومقاصد هذا الخطاب، بناءا على قراءات وتجارب عديدة في السابق كانت خلالها العائلة الخليفية الحاكمة تعد الشعب وتتعهد له بأمور كثيرة وملحة من أجل الإصلاح والتغيير، ثم تنقلب عليه رأسا على عقب، فمنهم من قال ان هذه الرغبة الأميرية الجانحة نحو التغيير قد تكون نابعة من الخوف والقلق من الغذ وعدم الاطمئنان للمستقبل بحيث ان الشعب قد سأم السياسات الخاطئة والعبثية للنظام الخليفي القمعي، وهو اليوم يريد التغيير، ومنهم من قال ان هذا الحماس المتزايد من قبل الحاكم الجديد لجهة الإصلاح والتغيير ما كان قد حدث لولا توفر مياه النقمة الشعبية العارمة ضد هذا النظام، ولذلك فأن الاندفاع السريع وغير المدروس بعناية فائقة من جانب الحاكم الجديد، والذي لم يستشار فيه شعب البحرين، هو تعبير عن خوف متراكم لدى العائلة الخليفية الحاكمة، التي هي لم تحظى بأية شرعية وطنية بعد احتلالها بفرط القوة جزر البحرين، و اغتصاب الأرض والكيان السياسي .
ومنذ إعلان الخطاب الأميري في 3 تشرين الاول/ أكتوبر للعام 2000 وحتى اللحظة الراهنة، لا يزال حاكم البحرين حمد بن عيسى ال خليفة، عاجزا تماما عن تحقيق كل ما وعد به وتعهد بشانه أمام نفسه وامام المجتمع البحريني برمته، فلا واحة الديمقراطية الخضراء قد نبتت وازدهرت جوانبها، ولا حقوق المواطنة البحرينية قد تحققت، ولا الحقوق والواجبات المتساوية لجميع المواطنين قد طبقت ونفذت على أرض الواقع، ولا نظام الحكم البرلماني الدستوري قد شهد النور، ولم ينسى الناس جميع المآسي و المظالم غير المكبوحة، التي مورست ضدهم في مراحل عديدة، و كذلك ارث الماضي القمعي التعسفي، الذي ساد البلاد في ظل النظام الخليفي، بل على العكس فقد كان من نتائج ماسمي (بمشروع الإصلاح) أن البلاد قد حكمت بواسطة الحديد والنار، وان الجبهة الداخلية للمجتمع قد انشطرت وتمزق صف الوحدة الوطنية، التي ظلت متماسك وموحدة في وجه نظام القهر و التعسف و الاستبداد المطلق، وان السجون والمعتقلات، التي يفترض انها شيدت لتاديب المجرمين و الفاسدين والسراق واصلاحهم، قد اكتضت عن بكرة ابيها بالشرفاء من الوطنيين والاسلاميين، الذين طالبوا بالإصلاح والتغيير، وان التمييز الطائفي والمذهبي ظل قائما ابدا من دون أن يردعه أي رادع، والفقر والفقر المدقع قد تفشى وبصورة ماساوية في ربوع البلاد، بسبب كثرة الفساد و السرقات وتبذير المال العام على ملذات الأمراء الكبار والصغار، و المؤسسات الوهمية، وان سياسة التجنيس السياسي و العشوائي قد شوهت صورة البلاد، و تسببت بشروخ عميقة في جسد المجتمع البحريني الأصلي الواحد والمتحد، وان البلاد أصبحت مشاع لعربدة القوى الأجنبية، كيف ما تشاء وترغب في نهب البلاد، و تطويع و كسر الإرادة الشعبية، والى درجة أنها أصبحت تدور في فلك السياسة الأمريكية و البريطانية وتحت وصايتهم، ومما زاد في الطين بله في هذا الشأن هو تشييد مرتكزات الشراكة الصميمية الدبلوماسية والتجارية بين العائلة الخليفية والكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين، و مرتكب المجاز الوحشية ضد الأطفال والنساء والرجال في قطاع غزة ورفح .
وبحسب مراقبين و محللين، أن ما تشهده البحرين الان، وما قد تشهده في اللاحق القريب لا يبشر بالخير ولا بالاطمئنان والدليل على ذلك هو ما تشهده الساحة البحرينية يوميا تقريبا من تظاهرات حاشدة واحتجاجات، و اقتحامات مع قوات الأمن، وحراك مطلبي نحو التغيير، ومطالبات بتحسين وضع السجون ومنع اضطهاد المساجين، و إطلاق سراح جميع المعتقلين والسجناء السياسيين والحقوقيين وعلماء الدين الافاضل، القابعين منذ أكثر من عقد في سجون النظام، وعودة المبعدين والمنفيين، و وقف الشراكة الدبلوماسية والتجارية المخزية مع الكيان الصهيوني، ومعالجة قضايا التجنيس الشائكة، التي ارهقت اقتصاد البلاد، و تسببت في تشطير المجتمع، وغيرها من القضايا الوطنية الملحة، وهذا دليل قاطع على ان الثقافة القبلية وعقلية النظام الخليفي، لم تتغير ولم تتبدل بالمطلق، وهي اليوم تحتاج إلى من يهديها ويرشدها إلى سبيل الطريق الصحيح .
هاني الريس
3 أغسطس 2024