من هم “ملائكة الموت” الذين أرعبوا شعب البحرين على امتداد عدة عقود مضت ؟
من بين أحد المشاريع الأمنية الفولاذية، التي شيدتها عائلة آل خليفة، بعد غزوها واحتلالها للبحرين في العام 1783 كان اعداد عصابات مسلحة من أصحاب الضمائر الميتة، من أجل حماية كيانها السياسي والاقتصادي، وجميع مصالحها وامتيازاتها في البلاد، من الناقمين والثائرين على الاحتلال، وممارسات العسف العام في البلاد، عرفت حينها في أوساط المجتمع البحريني ب “فداوية الحكم” وقد اطلقت لهم السلطات الخليفية الحاكمة، العنان للتنكيل بالناس وسلب ارادتهم، ونهب ممتلكاتهم الخاصة، وجرهم بواسطة القوة والعنف، إلى انجاز أعمال أفراد الأسرة الحاكمة، والخضوع لمشيئتهم وتنفيذ كل أوامرهم، فيما عرف بنظام العمل القسري”السخرة” الذي يجبر الافراد أو الجماعات على أداء أعمال أو خدمات في ظروف صعبة قاسية لا إنسانية ولا أخلاقية، و بحيث انه لم يعد أحدا في مأمن من شرهم وبطشهم وتعسفهم .
في العام 1922 انتفض شعب البحرين برمته على نظام السخرة، وتصدت لانتفاضته الباسلة السلطات الخليفية الحاكمة بجميع وسائل القوة والعنف استطاعت ان تقضي على هذه الانتفاضة في مهدها، وفي العام 1923 تدخلت سلطة الانتداب البريطاني في البحرين، وعزلت حاكم البلاد، عيسى بن علي آل خليفة، عن سدة الحكم، الذي كان قد رفض انهاء نظام السخرة، كما رفض معه العديد من مشاريع الاصلاح الحيوية، التي تبنتها سلطة الانتداب البريطاني في البحرين .
من هم فداوية الحكم أو “ملائكة الموت” ؟
“الفداوية” أو “ملائكة الموت” الذين أرعبوا شعب البحرين على امتداد عدة عقود مضت، هم مجموعة عصابات واصحاب سوابق في الفتك وقطع الطرق، وهم عبارة عن شبه وحدات قتالية بوليسية، اكتسبوا مهارات خاصة في عمليات البطش والنهب والسلب وزهق الارواح، وهم وحوش وطراق الليل وعديمي الرحمة والضمير، وقد يبدون منذ الوهلة الاولى إلى ناضريهم وكأنهم “ملائكة الموت” التي تزهق الارواح، وقد وظفتهم السلطة الخليفية المتوارثة في نظام القبيلة للدفاع عن مصالح أفراد العائلة الحاكمة وأملاكهم وامتيازاتهم، وتعزيزنفودهم وحضورهم داخل المجتمع، وقد عانت جميع الطوائف البحرينية من ممارساتهم الوحشية أشد المعاناة وعاش الناس في ظلهم في معاناة ورعب شديد، ولاسيما في عهد الحاكم الطاغية، عيسى بن علي آل خليفة، الذي عرف بغروره وقسوته و شدة صرامته، كما عرف بميوله الانفرادي والاستبدادي في سدة الحكم، وحبه لجمع الثروة الهائلة من دون وجه حق، والذي كان قد إعتمد عليهم بشدة، وادخلهم في نظام الحماية الجديد الذي أنشأه (كقوة بوليسية ضاربة خاصة به وبافراد عائلته) وذلك من أجل ترويض وتأديب الخارجين عليه من الناقمين والثائرين، واستخدمهم لضمان استمرار بقاء الاسرة الخليفية على سدة الحكم طبقة بعد طبقة، وكان بعضهم قد يجلب من خارج البلاد (كمرتزقة وقطاع طرق) وقد خصصت لهم السلطات الخليفية، الكثير من الاموال الطائلة، التي تقطع من عيش المواطن البحريني وجهده وعرقه وشقائه ومكابذته، من أجل توفير كسرة الخبز لكي يعيش عزيز النفس ومستور الحال، ومستمر في كل ما هو مكتوب له من سنوات ديمومته على قيد الحياة الدنيا .
وفي وصفه “لفداوية الحكم” قال المعتمد السياسي البريطاني في البحرين:”انهم أناس من “أصحاب الفتن والضمائر الميتة” التي لاتوجد في قلوبهم أي شفقة أو رحمة، والذي أصبح شغلهم الشاغل، هو تهديد حياة الناس وتذميرهم ونشر الخوف والرعب داخل المجتمع. ويضيف المعتمد السياسي البريطاني، انه كان قد عايش فترة عصابات “الفداوية” عن كثب، وشاهد بأم عينه، جميع المظالم التي الحقوها بأفراد الشعب، وهم يجوبون أسواق البلاد والطرقات العامة بشكل يومي، وكأنهم “وحوش مفترسة” يراقبون الناس في حركاتهم وسكناتهم، ويجمعون كل ما أمكن من الرجال والشباب ويسوقونهم للعمل (السخرة) فارضين عليهم بالقوة إنجاز أعمال افراد العائلة الحاكمة وليتركوهم عند إنتهاء المهمة الموكولة لهم من دون أية إجور أو حتى شفقة أو رحمة يستحقونها .
وبالاضافة، إلى كل ما وصفه المعتمد السياسي البريطاني في البحرين، باسلوبه المرير، عن بطش وسطوة هؤولاء الوحوش، والتي أصبحت سلطتهم تدريجيا بمثابة جزء من سلطة الحكم، كان العديد من المزارعين الفقراء و البؤساء من أهالي القرى والمناطق الريفية البحرينية، الذي سيطر أبناء العائلة الحاكمة على جميع مناطقهم ومزارعهم وفرضوا عليهم الضرائب والقوانين المجحفة والظالمة، يروون للاخرين، قصصهم والمشاهد القاسية والمرعبة، التي صادفتهم ولحقت باراضيهم وبمزارعهم وأملاكهم خلال سنوات الحقب المعتمة من تاريخ حكم عائلة آل خليفة للبحرين، ويقولون أن : “أراضيهم ومزارعهم واملاكهم” كانت بين حين وآخر عرضة لممارسات عدوانية متوحشة من قبل “فداوية الحكم” الذين ظلوا ينفدون أوامر (أفراد العائلة الحاكمة) الراغبين في الاستيلاء على بيوت وممتلكات واراضي المزارعين الفقراء وغيرهم من البسطاء والمسحوقين، وكان من بين جملة هذه القصص المفزعة، التي وردت على ألسنة العديد من شهود العيان: ” إن أحد المزارعين الفقراء القاطنين في إحدى قرى جنوب البلاد، دكت مزرعته إحدى الدوريات المسلحة من عصابات “الفداوية ” كان أفرادها مجهزين بادوات حادة وسيوف وخناجر وبنادق صيد، وقد أطبقت عليه الخناق عندما كان جالسا وافراد عائلته على مائدة غداء في وسط المزرعة، واستدرجون للذهاب معهم الى إحدى الزوايا البعيدة في المزرعة، وهناك إنهالوا عليه بالشتائم الجارحة والضرب المبرح، بعد أن عقدوا لسانه وصلبوه على جدع نخله، واستمروا في تعذيبة ساعات طويلة، الى الحد الذي كاد فيه الرجل، أن تفارق روحه الحياة. وأما السبب بحسب أقوال شهود العيان، فأن صاحب الارض، التي هاجمته عصابة الفداوية على حين غرة، كان قد طلب منه أحد شيوخ العائلة الخليفية الحاكمة، أن يشتري منه مزرعته بثمن بخس ورفض، فقام الشيخ بتأنيبه، وارسل له بعد أيام إحدى دوريات عصابات (الفداوية) لاجباره على بيع المزرعة بالثمن الذي حدده الشيخ للشراء، أو الاستيلاء عليها بفرط القوة .
هذه الرواية المأساوية، حدثت في عهد الحاكم، الطاغية عيسى بن علي آل خليفة، التي وصفت أدبيات العائلة الخليفية الحاكمة ومختلف وسائل أعلامها الصفراء، عهده ” بعصر التجديد والتنوير ” الذي قيل بأنه شمل بعض الاصلاحات الضرورية والملحة في مختلف هياكل البنى الاساسية التحتية المهترئة في عموم البلاد، وغيرها من قصص وروايات أخرى تلميعية ظلت تمجد عهده، وذلك عندما هاجمت إحدى دوريات عصابات الفداوية، سوق المنامة العاصمة، من أجل السرقة، ونهب متاجر التجار البسطاء الصغار، وامعنت في قتل العديد من الناس، وأعتقلت البعض الآخر، بصورة خارجة عن اطار القانون، بحجة البحث عن مطلوبين قاموا بأعمال تخريبية.
وفي حوادث اخرى مشابهة، حدثت في عهد حاكم البحرين الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة، خلال سنوات السبعينات من القرن الماضي وهي الفترة، التي سميت بـ (عهد الاستقلال الوطني) بعد جلاء القوات البريطانية من قواعدها في البحرين في العام 1971 والتي وصفت حينها ب (مرحلة الازدهار والتطور والتنمية وتوطيد السيادة الوطنية وتوفير الحريات العامة والأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية الشاملة في المجتمع) و كان من بين تلك الحوادث، قصة: “مزارعا بحرينيا بسيطا من إحدى قرى شمال البلاد، ذهب في ذات يوم يتفقد أرضه الملاصقة لاحدى مزارع مدير جهاز الأمن والشرطة البحرينية الراحل، الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة، وهو الشقيق الاصغر لحاكم البلاد، عيسى بن سلمان آل خليفة، فوجد أن أرضه قد سورت بحزام حديدي صلب، وأصبحت بين ليلة وضحاها جزءا ملحقا ” بمزرعة الشيخ محمد بن سلمان ” بعد أن سلبها منه عنوة ومن دون سابق انذار، الامر الذي تسبب له بصدمة موجعة، افقدته صوابه وأنهكت قواه، وفي اقرب فرصة اتيحت له هرع الى المجلس الاسبوعي الذي كان يقيمه مدير جهاز الأمن والشرطة الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة، في منزله بالرفاع الغربي، يشتكي له أسباب الظلم الذي لحق به بسبب مصادرة أرضه، وأخذ يتوسل إليه بالعمل على استعادة حقه المغتصب، واخد يناشده بالقول المهذب والرزين (يا طويل العمر) لقد ذهبت بالامس، أتفقد ارضي فوجدتها للاسف الشديد قد إلحقت بالكامل بأرض مزرعه سعادتكم، وهذه الارض هي ملكي وموثقة لدى الدوائر الحكومية الرسمية، فرد عليه الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة، بكل سخرية وتهكم وهو في حالة غضب قائلا له : (ومن متى كنتم تملكون؟) نحن نعرف أن شيوخ البحرين من أفراد الاسرة الحاكمة، هم وحدهم فقط من يحق لهم التصرف بالملك وبجميع أراضي البلاد، واما الاخرين فأنهم ليسوا أكثر من مجرد رعايا خدم وقطعان من الغنم، ومالبث أن أمر جلاوزته باخراج الرجل من المجلس بفرط القوة، مما قد تسبب له بصدمة موجعة، وبعد أن كان قد أعياه الصبر فكر في الرجل باللجوء إلى حاكم البلاد عيسى بن سلمان آل خليفة، لعله يجد فيه الشهامة والنخوة والعدل والاحسان، لشعبه وامته، وتحامل على نفسه وتوجه إلى قصر الحاكم في مجلسه، حاملا معه شكوى المظلومية التي لحقت به، ولكنه عندما إستمع الحاكم عيسى بن سلمان آل خليفة، إلى جميع تفاصيل الشكوى ” أضحكته قصة “ضم الارض” والحاقها بمزرعة، شقيقه الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة، بحيث انه لم يتفاجى بالمطلق من تصرفات شقيقه الأصغر، الذي قد اعتاد دائما على سلب أراضي الناس ومزارعهم وممتلكاتهم الخاصة بمختلف وسائل القوة والعنف، وذلك منذ أن قرر الاعتزال وبشكل طوعي من عالم السياسة ورفض المشاركة في إدارة الحكم بعد صراع طويل مع شقيقيه عيسى بن سلمان وخليفة بن سلمان، على أحقية الصعود إلى السلطة، ومن بعدها توجه نحو عالم التجارة والسمسرة وجمع الثروة من دون وجه حق، فما كان من جانب حاكم البلاد، إلا أن اعتذر للمشتكي صاحب الأرض الَغتصبة عن سوء هذا التصرف الاحمق من جانب شقيقه الاصغر، وحينها قطع على نفسه وامام جميع من كانوا حاضرين في مجلسه، تنفيذ (وعدآ قاطعا لا تراجع فيه) إلى المشتكي، بأن يعيد له حقه المغتصب بحكم القانون، أو أن يأمر بتعويضه بقطعة أرض تساوي مساحة أرضه التي استولى عليها شقيقه محمد بن سلمان آل خليفة، ولكن في نهاية الأمر وللاسف الشديد ظل هذا ” الوعد المزعوم ” حبيسا في طيات النسيان، داخل رفوف مكاتب قصر الرفاع، ولم يتطرق اليه حاكم البلاد بعد ذلك بأي شيء يذكر، ومع ذلك ظلت تتردد في مختلف وسائل الإعلام البحرينية الصفراء أصداء الروح الابوية والتعامل العادل والمنصف لحكام البحرين واحترامهم لحقوق المواطن .
هاني الريس
19 أدار / مارس 2024