شعب يرفض أن يموت .. حراك 14 شباط/ فبراير الثوري في البحرين (2011)
” البركان ” ينفجر في وجه النظام الخليفي القمعي
في 14 شباط/ فبراير 2011، وبعد وصول إولى التباشير السارة والمفرحة، عن انتصار ثورة الياسمين الشعبية في تونس على نظام الدكتاتور زبن العابدين بن علي، و كذلك الثورة الشعبية في مصر، التي زلزلت أركان نظام الطاغية محمد حسني مبارك، خرج شباب البحرين يتحركون على ايقاع الانتصارات التي تحققت في تونس، ومن بعدها مصر، و ظلوا ينشطون في حركة استقطاب واسعة النطاق عبر مختلف (مواقع التواصل الاجتماعي) مبشرين بتغيير جوهري وحقيقي في البحرين، ينسي الناس كل ما كانو قد تعرضوا له من مآسي و مظالم كثيرة وغير مكبوحة، على أيادي عائلة ال خليفة، التي غزت البلاد في العام 1783، وظلت حتى هذه اللحظة الراهنة تحتكر السلطة والحكم وصنع القرار السياسي، يحمل طابع (ثورات الربيع العربي) الذي استطاع أن يسقط عروش الحكام الطغاة العرب، ويرتكز على الاعتماد على النفس والارث التاريخي للنضالات الوطنية التحررية، التي خاضها شعب البحرين بكل فئاته وطوائفه من أجل نيل الحرية والديمقراطية والاستقلال والحكم الدستوري وحقوق الانسان، على امتداد عدة عقود مضت، وقدم خلالها الكثير من التضحيات الجسام على مذبح الحكم، ورفض التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي البحريني، تحت أية صفة أو مبررات للدفاع المصالح الوطنية التي هي ملكا للشعب وحده فقط، الامر الذي عزر أواصر الرابطة الوطنية المشتركة و العابرة للطوائف المذهبية، التي عفا عليها الزمن، والمصالح الذاتية الضيقة المحدودة بين أبناء شعب البحرين، ففي هذا اليوم الذي تزامن مع احتفالات النظام الخليفي القمعي، بالذكرى الثامنة لاقرار ميثاق العمل الوطني، الذي اخرجه النظام الخليفي من القمقم لتبييض صورته المعتمدة أمام الشعب والعالم برمته، خرجت في معظم المدن والمناطق والقرى البحرينية، مسيرات احتجاجية ومطلبية حاشدة رافعين خلالها المحتحين الاعلام البحرينية ومرددين شعارات تطالب بالعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة والحكم الديمقراطي الدستوري واطلاق سراح السجناء السياسيين المتهمين بمحاولة تغيير النظام بالقوة وفي مقدمتهم الاستاد حسن مشيمع والشيخ محمد حبيب المقداد والدكتور عبدالجليل السنكيس واخرين من قيادات المعارضة والقواعد الشعبية، شارك فيها الشباب والاطفال والنساء وكبار السن، وسقط في اليوم الاول من تفجير الاوضاع أول شهيد للحراك الوطني الشامل وهو الشهيد السعيد (علي عبدالهادي مشيمع) في ما بلغ عدد الجرحى والمصابين أكثر من 30 مصاب، نتيجة إستخدام قوات الأمن البحرينية غازات القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه الساخنة وسلاح الشوزن واستخدام القوة المفرطة للحيلولة من دون توسع نطاق التظاهرات الشعبية، وقد تم نقل معظم المصابين للعلاج في مستشفى السلمانية الطبي و كذلك المستشفى العسكري ومستشفى البحرين الدولي، وتجمعت حشود كبيرة قي مستشفى السلمانية الطبي في انتظار المشاركة بتشييع جنازة الشهيد علي عبدالهادي مشيمع، حتى وقت متأخر من الليل، لكن بدلا من أن تقوم قوات الامن البحرينية بحفض الأمن ووقف القمع المفرط والمنهج ، أمطرت كل هذه الحشود المسالمة، بوابل من الغازات المسيلة للدموع وسلاح الشوزن والرصاص الحي والمطاطي ونظمت ضدهم حملات اعتقال عشوائية وهستيرية طالت الرجال والنساء وحتى الاطفال، سواقت الكثيرين منهم إلى مراكز التعذيب الاعتقال التعسفي .
هجوم كاسح ومجنون بالطائرات المروحية والبلطجية على دوار الشهداء (اللؤلؤة) :
وبعد أن عجزت السلطة البحرينية، عن تحقيق المطالب الشعبية المشروعة والمحقة، وإيجاد الحلول الكفيلة، بأنهاء الازمة السياسية والامنية العميقة، التي تسببت بها في البحرين، وبعد إصرار الجماهير الشعبية، التي فجرت حراك الرابع عشر من شباط/ فبراير 2011، على عدم الاستجابة لنداءات السلطة القمعية، التي هددت يومها بالانتقام و باقتحام دوار اللولؤة، التي تجمعت بداخله حشود المحتجين المطالبين بالتغيير الحقيقي والجوهري، وطرد عشرات الالاف من المعتصمين بالقوة، في حال بقوا على مواقفهم ” المتشددة ” من إخلاء الدوار بالوسائل الطوعية، أقدمت قوات الامن البحرينية، مصحوبة بجماعات البلطجية المرتزقة الأجانب وجحافل جيش الاحتلال السعودي، على إرتكاب ” ملحمة دموية كارثية ” في صفوف المعتصمين الآمنين، عندما باغتتهم في ساعات الصباح الباكر، وهم في غفلة غارقين في سبات عميق من التعب والإرهاق ، عبر غارات مكثفة ومباغتىة شنتها الطائرات المروحية، وقوافل السيارات المدرعة والمجنزرات وناقلات الجنود، وجرافات الجيش والحرس الوطني، التي أحرقت ودمرت خيام المعتصمين الآمنيين، الذين كانوا يستخدمونها كمنابر فكر وتوعية وثقافة سياسية وحقوقية مطلبية، بمختلف أنواع الاسلحة، والتي شملت الغازات المسيلة للدموع والرصاص الحي والمطاطي وسلاح الشوزن والاسلحة البيضاء المحرمة دوليا، في محاولة مجنونة لتفريقهم والسيطرة على الدوار و جميع المعابر و الشوارع المحادية له بشكل كامل، وقد سقط ضحية هذه الهجمات المركزة والممنهجة أكثر من 5 شهداء وعشرات الجرحى والمصابين، وتصدى المعتصمون لهذا الهجوم المباغت والكاسح، بأجسام عارية و بالقاء القنابل الحارقة، بقصد الدفاع عن النفس والكرامة الانسانية، عندما وجدو أنفسهم محشورين في زاوية ضيقة، بين سندان قوات الامن المدججة بمختلف أنواع الاسلحة، وعصابات البلطجية، ومطارق جنود جيش الاحتلال السعودي، التي داهمت المكان، وكذلك أعمدة النيران والدخان المتصاعدة في سماء ومحيط الدوار، التي استخدمت خصيصا لحجب الرؤية وسحق الاعتصام المهيب، بذريعة تطهير الدوار من جميع مظاهر الاحتجاج السلمي، التي شاركت فيه طلائع شباب الحراك الثوري والمواطنيين، من أجل المطالبة بالعدالة الاجتماعية والحرية وتأسيس الدولة البرلمانية الدستورية، ولكنها من خلال التسلح بالحس الثوري السلمي المتحضر ونبذ ممارسة العنف، انسحبت حشود المعتصمين الثوار من وسط الدوار للحيلولة من دون تفاقم الوضع الصعب، وسقوط ضحايا كثيرة نتيجة العنف المفرط والاساليب الوحشية التي كانت تستخدمها قوات الامن والجيش وعصابات البلطجية المدعومة بجيش الاحتلال السعودي .
في هذا الوقت إنطلق عشرات الالاف من المواطنين في تظاهرات حاشدة من دوار الشهداء (اللولؤة) باتجاة السفارة السعودية في المنامة، احتجاجا على دخول طلائع القوات العسكرية السعودية، التي ظلت منذ اللحظة الاولى لاجتياحها الاراضي البحرينية، تقمع من دون هواذة الاحتجاجات السلمية الاعتصامات، وحماية المنشآت الحكومية ورموز النظام .
وفي الايام اللاحقة لهذا الحدث التاريخي المهيب، شهدت مختلف المناطق والقرى البحرينية تظاهرات واشتباكات دامية بين المتظاهرين وقوات الامن والجيش السعودي، راح ضحيتها العديد من المواطنين بين شهيد ومصاب ومعتقل ومفقود .
وبحسب مصادر سعودية، أن أكثر من 1200 جندي سعودي، دخلوا بآلياتهم المدرعة وناقلات الجنود، الاراضي البحرينية عبر جسر المللك فهد، الذي يربط السواحل البحرينية بالسواحل السعودية، بعد طلب النظام الخليفي النجدة والمساعدة العاجلة من أشقائها في منظومة مجلس التعاون الخليجي، لاخماد فتيل الحراك الثوري .
ومن جهتها، أعلنت وزارة الداخلية البحرينية، على موقعها في ” تويتر ” أن أحد عناصر قوات الامن البحرينية، قد لقى مصرعة على أيادي المحتجين، في قرية المعامير جنوب البحرين، بعد أن تم دهسه عمدا بواسطة سيارة مدنية، وإدعت بأن متظاهرين مسلحين، قاموا باطلاق النيران على قوات الأمن، التي تقوم (بالواجب) في قرية بوري وبعض القرى المجاورة، ما أدى إلى تذمير بعضها تذميرا كاملا .
مشاهد الموت المفجعة والمرعبة في دوار الشهداء ( اللؤلؤة) :
وشهدت البحرين برمتها فاجعة دموية كارثية، في حوالي الساعة الثالثة من فجر الخميس الموافق (17 شباط/ فبراير 2011) تسببت فيها قوات الامن البحرينية والبلطجية، عندما شنت هجمة بربرية على ثوار البحرين في دوار الشهداء (اللؤلؤة) وسط العاصمة المنامة، حيث كانوا قد بدأوا مبيتهم في الليلة الثانية من بدء الحراك الشعبي، إنتهت بسقوط أكثر من أربعة قتلى ، ومئات المصابين والمفقودين، سبقهم بذلك سقوط شهيدين في اليوم الثاني من الاحتجاجات (15 شباط/ فبراير) نتيجة القمع المفرط وإستخدام الرصاص الحي والمطاطي .
وقد بدأت قوات الأمن حسب بيان صادر عن وزارة الداخلية البحرينية، باقتحام الدوار عبر إطلاق مسيلات الدموع، وتطور الوضع إلى استخدام الرصاص الانشطاري (الشوزن) المحرم دوليا، وعاصفة من الغازات الخانقة، التي غطت سماء المنطقة المحيطة بالعاصمة .
وقال شهود عيان إن إقتحام الدوار شهد مدبحة مؤلمة، خلفت ورائها العديد من الضحايا الابرياء المطالبين بالحريات، حيث كان الثوار غارقين في نوم عميق، ولم يتوقعوا أن تبادر قوات الأمن والمرتزقة، بالهجوم المباغت عليهم، حيث كانت الوعود تتوارد اليهم من كبار المسؤولين في البلاد بحدوث انفراجات أمنية تنهي الازمة، و لكن فوجئ الجميع بانتشار عربات ومدرعات تابعة إلى قوة دفاع البحرين، وبلطجية ومرتزقة يتسلحون بالهراوات والاسلحة الخفيفة، في الشوارع المؤدية إلى العاصمة، في مطلع الصباح الباكر، تحصد أرواح الأمنين وتدك مواقعهم في دوار الشهداء الذي شهد هذه أحداث هذه المدبحة الرهيبة .
وعلى ضو هذه المجزرة ، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون موقفاً ناقداً وشديداً لما قامت به السلطات البحرينية من أعمال انتقامية ضد متظاهرين سلميين . كما صدرت بيانات مماثلة من الأمين العام للأمم المتحدة، وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي تدين تلك الأفعال .
و على الصعيد الإقليمي، أعلن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي خلال اجتماع استثنائي عقدوه في المنامة، عن مساندتهم ودعمهم وتضامنهم الكامل مع الإجراءات التي اتخذها نظام آل خليفة. وأعلنت جمعية الوفاق انسحابها من مجلس النواب إحتجاجا على الاجراءات القمعية التعسفية، و في هذا الوقت، فشل كلٌ من مجلسي النواب والشورى في عقد جلستهما الاستثنائية المقررة لمتابعة آخر التطورات على الساحة البحرينية، وإتشحت معظم المدن والقرى البحرينية بالاعلام السوداء، حزنا و تالما على جميع الضحايا الأبرياء، الذين سقطوا دفاعا عن الحرية والديمقرطية وحقوق الإنسان في البحرين .
وأما الإعلام الخليجي والعربي فقد صدق اكاذيب الطغاة في البحرين ومحاولاتهم لقمع الحراك الشعبي، بعد أن برروا أفعالهم بالقول ان “شرذمة” من المراهقين السياسيين والطائفيين و المخربين الذين ظلوا يسعون لقلب نظام الحكم في البلاد بالقوة وبدعم خارجي، وراحوا يطعنون في مصداقية هذا الحراك و في جميع أهدافه وتطلعاته الوطنية المحقة و المشروعة .
هاني الريس
13 فبراير 2024