قيام المشيخة الخليفية الاولى في البحرين
ما هي الثوابت الاربعة الفولاذية التي جسدها زعيم القبيلة أحمد بن محمد آل خليفة للتمسك بتلابيب السلطة والحكم بعد احتلال البحرين ؟
في غضون الاسابيع الاولى من العام الاول (1783) من احتلال عائلة آل خليفة البحرين، وبعد تدشين مشيخة أحمد بن محمد آل خليفة، الملقب ب “الفاتح” والتي لم يعرف شرها الكثيرون، سوى من خلال ما قامت به هذه العائلة من مجازر وحشية ضد شعب البحرين الاصلي (سنة وشيعة) الذي كان قد سطر بطولات مشهودة في مقاومة جحافل الاحتلال بكل شجاعة و استبسال، اقدمت هذه العائلة على ارتكاب كوارث وجرائم عديدة وخطيرة في حق الشعب، وشملت أيضا تذمير الممتلكات الخاصة والعامة في عموم البلاد، وإنتهاك الاعراض، وشراء الذمم، وبحيث لم تحتل هذه العائلة جزر البحرين وحسب بل عملت على تغيير بعض معالمها التاريخية التقليدية بوسائل شتى، وذلك من أجل تكريس وتعزيز وجودها المستمر والدائم في عموم البلاد، وبدل الجهود والمساعي الحثيثة إلى عدم سقوط التاج عن رأسها، والحيلولة من دون صعود أية قوة مجتمعية أخرى غيرها لممارسة السلطة وصنع القرار، وبهذا الواقع المرير أصبحت لهذه العائلة مكانة طليعية خاصة ومتميزة في ممارسة عمليات قتل الابرياء والبطش الشديد بالمناوئين والمعارضين لسياساتها الاستبدادية والقمعية، وظلت على خلاف كل ما كان يمارس في المنطقة، من ظلم مشيخات القبائل العربية لشعوبها، تحث الخطى لتحطيم وقهر الارادة الشعبية، ومحاولات تدمير خصائص البنى الاجتماعية للبحرين، ونشر الفتن الطائفية المرفوضة والمنبوذة، والتي أدت لوقت طويل، إلى عملة مقبولة في سلوكها وثقافتها القبلية الجاهلية والعنفوية الشذيدة والصارمة.
وعلى امتداد تاريخ طويل من الاستبداد المطلق والعسف العام، وفرض الهيمنة الفئوية الواحدة، ظلت عائلة آل خليفة، تمسك بزمام الامور في البلاد، وتتصرف وفق مبدأ “فرق تسد” وتعمل على أختلاق الذرائع والمزاعم الموهومة لتعظيم شأنها ووقارها وتمجيده، وتخليد تاريخ انتصاراتها في البحرين، وتبرير مسألة “شرعية وجودها في البلاد” التي لم يعترف بها شعب البحرين حتى الآن بشكل جازم، تارة بتذكير الناس بموروث “الغزو” الذي زرع الرعب والخوف الشديد والمطلق في نفوس المجتمع البحريني برمته، وتارة أخرى بتزيين صورتها أمام الرأي العام الوطني والعالمي، عبر إدعاءاتها المزعومة من أن كيانها العائلي قد ” أصبح بعد كل هذا الاثر المادي والمعنوي الذي تركته سلالة الأجداد السابقين الاوائل في تطوير القيم الخاصة والعامة في المشيخة ” واقعا ملموسا ومكرسا في تجسيد وتعزيز انتمائها العضوي الاجتماعي التاريخي (الاصلي) في صلب مجتمع الطوائف البحرينية الواحدة والموحدة ” وذلك بالرغم من دون اظهار أية بينات وخصائص واضحة وقاطعة، وتوثيقا كاملا لاثبات أصالة انتمائها للبلاد، ولكنها رغم ذلك، مضت تدعي على انها أصبحت بفضل سياساتها ( الرشيدة والحكيمة) شريكة كاملة وحيوية في صلب مجتمع الطوائف البحرينية الاصلية، وأن البلاد في ظل نظام حكمها “العادل والمنفتح” على جميع الثقافات والتوجهات الفكرية والمعتقدات والاديان، غدت بمثابة واحة واسعة للتضامن والتآلف والتآخي بين جميع أبنائها والمقيمين، ينعمون فيها بالأمن والرخاء والاستقرار، وبحيث كانت هذه العائلة تتحدث بكل واضح وصريح عن مشروع وحدة شعب البحرين برمته وتماسك جبهته الداخلية، تحت راية ما ظلت تصفها ب(القيادة الرشيدة) كانت صورة المشاهد العامة للبلاد، تشهد الكثير من الممارسات السياسية الخاطئة والطائشة وصنوف التمييز الطائفي والمذهبي، وقمع الارادة الشعبية والحريات وفرض نظام الحكم المتسلط والمتفرد بعمليات صنع القرار، والدكتاتوري، والذي لايزال يقابله في نفس الوقت تصميم شعبي واسع وعارم مضاد لمواجهته وتقويضه، ومحاولات اقتلاعه من منابع جذوره، بشتى الوسائل الممكنة والمشروعة.
وحتى بعد اعلان العائلة الخليفية، عن قيام ماسمي ” بمملكة البحرين ” الدستورية في العام 2002، ظلت مسألة “انتمائها العضوي في المجتمع” موضع جدل مستمر، بينها وبين سكان البلاد الاصليين (سنة وشيعة) الذين ظلوا على الدوام ينظرون اليها، على أنها كانت ولا تزال، ليست أكثر من كونها مجرد (قبيلة غازية) متسلطة ومستبدة، وقد دفعتها أطماعها السياسية والجغرافية وجشعها الاقتصادي، لغزو البحرين واحتلالها بالقوة، وتدشن على كامل مساحات اراضيها وبحارها وشواطئها، كيان مشيختها المزعومة، وتفرض نفوذها، وتتفرد بصنع قرارات البلاد والمجتمع، تحت وطأة الاستبداد وعمليات القمع المجنون وحمامات الدم، وتهجير المواطنين وتشريدهم وذلك بناءا على الالتزام بالوصايا الكثيرة والمتعددة، التي أوصى بها الجد الاكبر للعائلة أحمد بن محمد آل خليفة، في مشروع وسجل الثوابت الاساسية الاربعة التي تفرض ضرورات بقاء واستمرار الهيمنة الفئوية الواحدة للعائلة، وهي: (التمسك بالحكم والسلطة المطلقة للعائلة الخليفية الواحدة تتوارثها وحدها وبمفردها طبقة بعد طبقة، والتفرد الكامل والشامل بجميع قرارات الدولة والمجتمع، والسيطرة الشاملة والتامة على ثروات البلاد والمال العام الوطني، ومن دون أي مكاشفة أو محاسبة وتهميش القوى الأخرى في المجتمع من اية طائفة كانت وتمزيقها وتشتيتها، وزرع الفتن والشقاق والمنازعات العميقة والشديدة في أوساطها، ومنعها من المشاركة الحقيقية والفعلية في جميع عمليات صنع القرار) حتى في وجود برلمانات منتخبة أو مجالس شورى، وهي ظلت ثوابت فولاذية ازلية و راسخة الأقدام، وكان قد جرى التشديد عليها بقوة منذ مطلع الاسابيع الاولى لمرحلة الغزو المشؤوم، والاعلان عن تأسيس كيان المشيخة الخليفية الاولى في البحرين، والتي ظلت منذ ذلك الوقت السحيق والغابر تحث الخطى بتدرج زمني منهجي منظم ومدروس، وقائمة على أرض الواقع، إلى هذا اليوم ، ومن دون أن تتزحزح حتى قيد انملة اوتتغير أو يستجد فيها أي شيء مشهود
هاني الريس
7 اغسطس 2023