الحكومة الدنماركية في مواجهة شرسة مع فيروس كورونا القاتل.وأحزاب في المعارضة تصطاد في المياه العكرة
رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، تقود أكبر مهمة سياسية تاريخية منذ الحرب العالمية الثانية لإنقاذ البلاد من كارثة إنسانية.
في تمام الساعة الثانية عشرة من نهار الأحد 15 أذار/ مارس 2020، عقدت رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، مؤتمرا صحفيا في مقر الحكومة ( قاعة المرآة ) حضره جميع الشركاء في العملية السياسية والانقادية، التي تحتاجها الدنمارك، لمواجهة الازمتين، الصحية والمالية، التي عصفت بالبلاد مؤخرا، نتيجة كارثة الكورونا العالمية، وابرز تداعياتها المنظورة، وذلك من أجل الإتفاق على خطة عمل جديدة ومشتركة، لمساعدة الشركات والموظفين العموميين والعمال، المتضررين، من إعصار الفيروس، وتقديم التعويضات المالية، التي يستحقونها، وإنقاذ الوظائف العامة والخاصة، التي أصبحت مهددة في ظل تنامي الأزمة.
وفي كلماتها، التي بدت ممزوجة بطعم الحزن والأسى، على ضحايا الكارثة الفيروسية، وتعاطفها مع المواطنين جميعا، قالت رئيسة الوزراء: ” نحن اليوم وفي هذه اللحظات الصعبة، نقف على أرض هشة، وغير تقليدية، حيث أصبحنا اليوم في وضع لم يسبق لأحد منا أن جربه في حياته من قبل ” ومن أجل ذلك، يجب أن يشارك الجميع، الحكومة والشعب، بروح واحدة وقلب واحد، في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، على مستوى هذه الكارثة العالمية “.
واضافت: ” وربما قد يعلم الجميع، بأن الحكومة وحدها فقط، لا تمتلك العصا السحرية، التي يمكن أن تعالج بها كافة المشاكل الصعبة، المترتبة على نتائج هذه الكارثة الجديدة في المجتمع، وخلق الوقاية والأمن في الدنمارك، وعليه، فإنني اتوسل من الجميع، أن يكونوا على قدر المسؤولية الوطنية، وأن يظهروا تضامنهم وتكاتفهم وبراعتهم، لذرء مخاطر هذه الكارثة الرهيبة، بروح الوحدة الوطنية الحقيقية والفعلية، وان عليهم التسلح بمفهوم التسامح والصبر “.
مهمة شاقة وصعبة:
وبعد سمعاعهم لصدى هذه الكلمات المعبرة، والمتناسقة والشفافة والعاطفية، تجاه المجتمع الدنماركي برمته، والمستقبل المنظور للدنمارك، في ظل مرحلة الكارثة وما بعدها، التي انطلقت من حنجرة رئيسة الوزراء، خلال ساعة المؤتمر، صرح العديد من النقاد والمحللين السياسيين والاقتصاديين والمراقبين للشأن الداخلي الدنماركي، بأن الخطاب كان بمثابة ” ضربة معلم ” من حيث البلاغة والإدراك والوعي الكامل والشامل، نحو ما يتطلبه الوضع الخطير والمحرح للدولة الدنماركية والشعب، في هذا الوقت العصيب بالذات، إذ قال بعضهم، أن رئيسة الوزراء، ميتي فريدريكسن، أصبحت اليوم على المحك، وهي تتحمل أعباء مهمة كبيرة، وذات أهمية بالغة، لم تعهد من قبل لأي رئيس وزراء دنماركي سابق، بعد مرحلة رئيس الوزراء الأسبق، اريك سكافينوس، الذي قاد حملة التعاون والمفاوضات الصعبة، خلال فترة الاحتلال النازي الألماني للدنمارك، وحتى أن سلفيها السابقين من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذين وصلوا إلى السلطة، بول نيروب راسموسن، الذي واجه أزمة أمنية في الدنمارك، في أعقاب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، الإرهابية، التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية، وشملت تداعياتها الدنمارك والعالم، وكذلك أيضا هيلي تورنينغ سميث، التي شهدت الدنمارك في عهدها في العام 2015، موجة الهجمات الارهابية، التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية” داعش ” على المركز الثقافي الدنماركي، والكنيس اليهودي في كوبنهاجن، وراح ضحيتها عدة أشخاص، لم يتحمل كل منهما، مثل هذا الثقل المرهق والهائل، التي تتحمله اليوم رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، في معالجة الأزمة الحالية.
إتفاق ثلاثي:
كانت الحكومة الدنماركية، في يوم الثلاثاء 10 أذار/ مارس 2020، قد تقدمت بحزمة قرارات عاجلة ومهمة، بشأن تدليل أزمة فيروس كورونا في الدنمارك، لشركاءها السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين، حول مهمة مكافحة الفيروس القاتل، وتخفيف وطأة الثقل الإقتصادي على الشركات والموظفين والعمال، الذين تاثرت مستويات حياتهم الاقتصادية من جراء تلك الأزمة، وكان من ابرزها اربعة قرارات، وهي: تاجيل المناقشات حول ” الضريبة A ” وتأجيل العمل بضريبة القيمة المضافة للشركات الكبيرة، التي كانت تقدر بحوالي 30 مليار كرونة دنماركية، وزيادة في المبالغ، التي يجب على الشركات امتلاكها في حساباتها الضريبية مع الدولة الدنماركية، والمساهمة النقدية لشركة ” إيه أم ” التجارية الدنماركية العملاقة، والتي تقدر بمبلغ 90 مليار كرونة دنماركية، وذلك من أجل دفع التعويضات لجميع الموظفين العموميين، التي لحقت بهم أضرار جزئية أو أضرار شاملة، وبعد مفاوضات لم تستغرق من الوقت سوى ساعات قليلة جدا، وافقت الحكومة وجميع الشركاء السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين، على صفقة للحفاض، على عمل الآلاف من الموظفين في القطاع الخاص، في حالة عدم الأمن الوظيفي نتيجة الأزمة، بحيث يمكن لهم الحصول على جزء من رواتبهم، إذا ما تاثرت بعواقب الأزمة، والتخفيف على الأجور من احتمالات الانكماش الإقتصادي، الذي تعاني منه الدنمارك في والوقت الراهن، حيث يمكن أن يصل تعويض مرتبات الدولة للموظفين المسرحين، من اعمالهم ووظائفهم، إلى حوالي 75 في المئة، من إجمالي نفقات الرواتب الشهرية للموظفين بأجر شهري، ولكن بحد أقصى، وهو 23.000 كرونة دنماركية، لكل موظف بدوام كامل، وأما بالنسبة لأصحاب الأجور بالساعة، فإنه يمكنهم الحصول على التعويض، الذي قد يصل إلى حوالي 90 في المئة، ويمكن أن يغطي هذا القرار برامج الشركات لمدة أقصاها ثلاثة شهور تقريبا، ومن الشروط المسبقة، هو أن الشركة لايمكنها أن تسرح بعض الموظفين، بدون دفع أية أجور مستحقة لهم.
وبحسب، وزير المالية الدنماركية، نيكولاي وامين، فإن الحكومة، قد اعلنت عن حزمة مساعدات إضافية للشركات، قد تصل إلى حوالي ثلاثة مليارات كرونة دنماركية، إذا ما كانت هذه الشركات مجبرة، على دفع التعويضات للموظفين المصابين بفيروس كورونا، وتم عزلهم في الحجورات الصحية “.
وأما وزير الضرائب الدنماركية، مورتن بودسكوف، فقد قال: ” أن الوضع في البلاد، أصبح استثنائي وخطيرا للغاية، ولذلك يتوجب على الحكومة الدنماركية، أن تتحمل كامل المسؤولية، تجاه ما يحدث من تبعات كبيرة في تلك الازمة “.
الاصطياد في المياه العكرة:
وعلى الرغم من كافة الإجراءات الوقائية الصحية، والسيولة المالية، التي قدمتها الحكومة، من أجل الخروج من مأزق الأزمة الحالية، مازالت هناك بعض الأحزاب السياسية المعارضة، تتحين فرص الانتقاد المباشر وغير المباشر، على كل هذه الإجراءات، العاجلة والسريعة، وتطالب الحكومة بالمزيد من وضع الخطط الجديدة، تكون أكثر شدة وصلابه، لمواجهة ” خطر الكارثة ” التي تتربص بحياة المواطن الدنماركي، وشل قدرته الاقتصادية، وفي هذا الصدد طالب رئيس حزب اليسار الليبرالي، الذي يقود تكتل أحزاب المعارضة اليمينية والشعبوية في الدنمارك، جاكوب اليمان _ جينسن، الحكومة الدنماركية، بأن تفرج عن كامل احتياطي رأس المال الحكومي، من أجل استمرار وجود الوظائف لموظفي القطاع الخاص، الذين ربما يواجهون خطر الطرد من وظائفهم بسبب الحالة الخطيرة من تلك الأزمة “.
وأما بالنسبة، لرئيس الوزراء الدنماركي السابق، لارس لوك راسموسن، فإنه قد طالب الحكومة، بالتعامل مع الوعود الكثيرة، التي أطلقتها خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، ولا تتاخر في تنفيذها على أرض الواقع، وفي مقدمتها تعزيز مستويات الرفاهية، والتحرر من الركود، واستعادة التفاؤل الاقتصادي، ورغبة الإستثمار في حقول التجارة “.