عندما يطرح الطاغية نفسه كفاعل خير و “صانع سلام”
منذ اللحظة الاولى التي اعتلى فيها حاكم البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، سدة الحكم، خلفا لوالده الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة، في العام 1999 كان الرجل يحمل معه مشروع جديد لمصالحة وطنية وحكم قوي مستتب ومستقبل واعد ومشرق للبحرين، أطلق عنانه من القمقم تحت عنوان:” مشروع الاصلاح وميثاق العمل الوطني” ووعد فيه المجتمع البحريني برمته بأوقات وسنوات جميلة وسعيدة مقبلة، وسوف ينسى الناس من خلاله مآسي الماضي القمعي التعسفي، التي حدثت في عهد والده، وانهكت كاهل المجتمع، وبفضل كل هذه الوعود والتطمينات، رأى فيه العديد من أبناء البحرين، قائدا ملهما وجديرا بقيادة البلاد والمجتمع إلى ما هو أكثر من مواكبة عصر التقدم والتنمية، بل أن البعض أعتبروه بمثابة ملكوتا مرسلا من السماء لنشر السلام والوئام والامن والاستقرار، ليس فقط في ربوع البلاد والمنطقة، بل أيضا في جميع أنحاء العالم .
وفي اليوم الاول الذي دشن فيه حاكم البلاد هذا المشروع، وتم الاعلان عن قيام المملكة الخليفية الاولى، بعد نجاح الاستفتاء الشعبي على ميثاق العمل الوطني، حدث ما كان للناس أن يتوقعونه من شخص أراد أن يقدم نفسه على أنه “فارس” مسيرة الاصلاح والتغيير، ومهندس خطوات السلم والتعايش الاجتماعي، من أجل مستقبل مشرق ومجتمع أفضل في البحرين .
هذا الرجل الذي طرح نفسه في رسالة مشروع الاصلاح، كفاعل خير وصانع سلام، والتي تفاخرت بمشروعه “الاصلاحي الجديد الملهم” والمواكب للعصر، جميع الصحف الصفراء في البلاد، وأبواق الدعاية الاعلامية في الخارج، ودعت من خلال كتاباتها ومقالاتها المدفوعة الثمن، الانظمة السياسية حول العالم في الاقتداء به والسير على خطاه من أجل السلم والديمقراطية والحريات، أول شيء خطير كان قد تجرأ على اعلانه في طيات خطابة الاول للشعب، هو الانقلاب على دستور البلاد الشرعي للعام 1973 والنصوص الحيوية المكرسة في ميثاق العمل الوطني، الذي بموجبه تحولت دولة المراقبة الامنية إلى مملكة، واستبدل جميع موادهم الحيوية بدستور منحه جديد فصله بمساعدة شلة مأجورة من علماء وفقهاء القانون الدستوري من المغرب والاردن ومصر، على مقاسات قامته، في تحول كاسح للقيم والمبادىء القانونية والاخلاقية، التي كان تأسس عليها مشروع الاصلاح وميثاق العمل الوطني، تحت نزعة انفرادية سلطوية مهيبة، ثم بعد ذلك لم يحترم أصوات نسبة 98 في المئة من أبناء الشعب صوتت لمصلحة ميثاق العمل الوطني، عندما تنكر لجميع العهود والمواثيق التي قطعها على نفسه وأمام الشعب، بانه سيكون خادما أمينا على دستور البلاد الشرعي، الذي أقره البرلمان البحريني المنتخب، بوصفه عقد اجتماعي ملزم ورابط وثيق بين الاسرة الحاكمة في البلاد وشعب البحرين، وظل حينها يبسط كامل نفوده على جميع مفاصل الدولة والمجتمع، ويحتكر السياسة والسلطة والحكم مع أفراد اسرته، ويصور لنفسه انه أصبح بمثابة الزعيم الاوحد وقائد مسيرة التغيير والتجديد في البلاد، ومن ثم صار يقحم نفسه في مشاريع ادعى بانها تصب في مسائل الخير وخدمة الانسانية، وكانت كلها مغلفة بشعارات السلام والوئام والتسامح والتآخي وتلاقي الاديان والمعتقدات والتضامن بين مختلف الشعوب والامم، وبهذا حاول أن يستغفل عقول الناس، وأن يصدق نفسه بانه أصبح بمثابة رسول مبعث لنشر رسالة السلام على الارض .
لذا فانه أصبح اليوم مدفوعا بأوهام نجاح مشاريعه الخيرية والانسانية، وصار يحتفل بتقديم جائزة انسانية دولية سنوية، كان قد دشنها بقرار صادر من ديوان الحكم في العام 2009 وقد سميت باسم والده الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة، لخدمة العمل الانساني، واعتبرها بمثابة مكرمة سامية من لذنه، تصب في خدمة الاعمال التطوعية الجليلة نحو وحدة البشرية واستقرارها، وقد قدمها لمناسبة الدورة الخامسة للجائزة (2021 ـ 2022) التي تبلغ قيمتها المادية مليون دولار امريكي إلى جانب ميدالية مرصعة بالذهب الخالص الثمين وشهادة تقدير عالية للفائز بها طبيب العيون، ساندوك رويت، من جمهورية النيبال، في حفل مهيب، شهدته قاعة مركز عيسى الثقافي، في العاصمة المنامة، في 21 شباط/ فبراير 2023، وهي جائزة دولية سنوية، قيل بانها تجسد أهداف نهج قيادة حاكم البلاد الراحل عيسى بن سلمان آل خليفة، المتفانية في أعمال الخير ونشرالتسامح والتآخي والتضامن بين الشعوب، وفي نفس الوقت الذي قدم فيه حاكم البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، هذه الجائزة الخيرية، وظل يتفاخر فيه بوصفه حامل لواء الاصلاح والتغيير، وخادم الانسانية وناشر السلام على كوكب الارض، من أجل ضرورة انصهار الفوارق الطبقية، واتاحة الفرص العادلة للجميع، وتخفيف آلام الناس وأوجاعهم ومصاعبهم في الحياة، مازالت البلاد تعيش عصر الديمقراطية الزائفة والمحاصرة، وعصر سلب الحقوق المدنية في المجتمع، ومازال شعب البحرين بمختلف أطيافه وطوائفه، يتذكر ماضيه المأساوي العنيف والقمعي، ويعاني الآمرين من ضيق العيش، ومن سياسات القمع والبطش وخنق الحريات، واستلاب الارادة الشعبية، واستمرار عمليات ملاحقة الناس واعتقالهم والزج بهم في غياهب السجون المعتمة والمظلمة، فقط لمجرد اعلانهم عن طرح مطالبهم بابسط حقوق المواطنة المشروعة، وبالحياة الكريمة والمستقرة، وبتخليص البلاد من جحيم الغطرسة الفئوية الحاكمة، ومن سياسات الهيمنة الدبلوماسية والعسكرية الاجنبية، التي تنتهك شرعية السيادة الوطنية وتفرض عليها الوصاية، ومن استمرار عمليات التجنيس السياسي والعشوائي، التي استنزفت موارد البلاد المالية، وخلخلت قوة وتماسك الوحدة الوطنية، وعجز الدولة عن مواجهة الازمات الاقتصادية والمعيشية اليومية، وتبذير المال العام في مشاريع وهمية لا تخدم سوى مصالح الطبقة الحاكمة وشركائها من كبار التجار والمستثمرين المحليين والاجانب، وتكاثر حوادث الرشى والفساد، ومن قوة نفوذ وسطوة الاذرع الطويلة لجميع مشاريع شركات ومؤسسات الكيان الصهيوني، التي بدأت تتغلغل داخل أسوار مؤسسات الدولة والمجتمع البحريني وتفرض عليها نسقها، وبحيث أصبحت البلاد كما لو انها جزيرة تابعة للكيان الصهيوني، ولكن للاسف الشديد وبعد كل هذا الوضوح المكشوف للعيان عن الواقع المأساوي للبحرين، يوجد هناك من يعتقد أو يجزم بأن حاكم البحرين الطاغية، هو مازال عند حسن الظن به كحاكم عادل ومنصف، وكفارس مغوار، وفاعل خير وصانع سلام، وليس هناك في تصوري أكثر من هذا الدجل والنفاق الفاقع الذي ظهر به مؤخرا أحد الابواق الصحفية في البحرين، ممن شاركوا في حفل تقديم هذه الجائزة، عندما جاهر بالكلام المعسول من حيث انه كان يرى بأم عينه حمامات السلام تحوم في كل مكان في قاعة الاحتفال تخترقها وتخرج منها في سبيلها لأن تبشر العالم برمته ببزوغ عصر جديد للانسانية تعم فيه قيم السلام وقيم المحبة بين البشر، ينطلق قطاره من البحرين ويصل به لمحطات العالم برمته، وكان من الاجذر على هذا الصحفي “صاحب الأفكار الرائعة”، والذي يتوجب عليه احترام شرف المهنة، وأن لا يخون الأمانة الصحفية، وأن يسدي النصح لهذا الحاكم المستبد لكي يصحوا من كبريائه و “جلالة عظمته” واستخفافه بمشاعر شعبه والآخرين، ولكي يتجه نحو تصحيح الاخطاء الاعوجاجات الشديدة في سياسات حكمه للبلاد، ويهديها إلى سبيل الصواب والاتجاه المستقيم، وليس الشعور بالزهو والنصر لما يقدمه من انجازات خادعة وزائفة، ويعرف القاصي والداني من أنه يراد بها تجميل الصورة السيئة والمعتمة في سجلات البحرين السياسية والحقوقية والامنية، والتي مازالت تتصدى لها جميع المنظمات الحقوقية الدولية، وتحاول أن تجد الحلول لمنع تكرارها في الحاضر والمستقبل .
هاني الريس
2 آذار / مارس 2023
