شيطان بثوب قديس
كيف يمكن قراءة الكلمة التي اختتم بها حاكم البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، الجلسة الاخيرة لملتقى البحرين للحوار بين “الشرق والغرب من أجل التعايش الانساني” الذي عقد في العاصمة البحرينية المنامة مؤخرا، وشارك فيه قداسة بابا الفاتيكان فرنسيس، وشيخ الازهر فضيلة الشيخ أحمد الطيب، وعدد من رجال الدين والمفكرين العرب، ففي الكلمة التي شدد فيها حاكم البحرين، على أهمية الشراكة التي تعتمد على الحوار ونشر الامن وقيم التسامح ونبذ الكراهية والعنصرية والتأخي بين الشعوب على كوكب الارض، يكون قد صور لنفسه على انه الرجل التقي والمصلح والعادل و داعية السلم بين الشعوب، في وقت يعرف فيه الشرق والغرب، بأن البحرين دولة بوليسية قمعية بامتياز بشهادة جميع المنظمات الحقوقية الدولية، التي تتقصى الحقائق حول البحرين.
حيث أن الرجل الذي كان يدعوا شعوب العالم للتضامن والشراكة ونشر الامن والسلم واحلال التوافق في جميع الخلافات لارساء دعائم الوحدة محل الفرقة ونبذ الكراهية والعنصرية، هو نفسه الذي أمضى كل حياته في سدة الحكم يمارس جميع أشكال القهر والغطرسة والتعالي والاستبداد وانتهاك الحريات وحقوق الانسان على المستوى الوطني، فمنذ الاسابيع الاولى التي تسلم فيها زمام الامور في البلاد في العام 1999 أقام حمد بن عيسى آل خليفة، نهجه السياسي على الاوهام والخداع تحت يافطة “التغيير والاصلاح ونشر الامن والشراكة المجتمعية واحلال التوافق في جميع الخلافات لارساء الوحدة الوطنية” ونشر قيم التسامح والتعايش ونبذ الطائفية والتمييز، واعتماد نظام شعبي يقوم على التمثيل النيابي الديمقراطي وجميع المواطنين فيه متساوون أمام القانون.
ومن ثم حاول أن يعطي لنظامه القمعي التعسفي صبغة “ثورية” تقوم على الاستمرار في التطور والتقدم ومواكبة العصر تبعا لتطور مشاكل الحياة في المجتمع حتى تصبح البحرين دولة ديمقراطية دستورية وتصف في مصاف الدول المتطورة والمتقدمة في العالم، وكانت جميع هذه الامور واردة بالفعل في نصوص وبنود ميثاق العمل الوطني الذي أخرجه هو نفسه من القمقم، ومن دون مشاورة الآخرين، ولكن الامور قد تغيرت بشكل سريع وملفت وانقلبت رأسا على عقب.
فبعد أن حصل على صكوك المبايعة الشعبية على “مشروعه الاصلاحي” من المخدوعين والمغرر بهم ومن التزموا بفتاوى رجال الدين، التي حثتهم ودعتهم للتصويت لمصلحة مشروع ميثاق العمل الوطني، أصبح هو وحده فقط صاحب القرار الاول والاخير في تنظيم وتأطير حياة الدولة من القمة إلى القاعدة، وضاربا بعرض الحائط كل ما كان قد التزم وتعهد به أمام الشعب وأمام المجتمع الدولي، وكل هذه الامور في حد ذاتها تحمل في طياتها مفارقة صارخة، فالرجل الذي يظهر نفسه اليوم كقديس وداعية سلام، يريد أن ينشر رسالته “الانسانية” في جميع بقاع العالم، هو نفسه الذي يرفض توفير فرص التسامح الاجتماعي والديني والتآخي والتعايش الانساني، في المجتمع الذي هو تحت سيطرته وهيمنته، وهو وحده فقط من يصدر المراسيم والقرارات التي تفرض الطوق على الحريات وتحد من دور المشاركة الشعبية في صنع قرارات الدولة والمجتمع.
وفي نفس الوقت الذي ظل يدعوا فيه الى التسامح والتاخي والمشاركة الشعبية، صار يمارس فيه اساليب مضادة للتسامح والتآخي والتعايش السلمي المجتمعي، وتنتهك فيه قوانين واجراءات نظامه السياسي حقوق المواطنة، وفي نفس الوقت الذي يظل يتفاخر فيه بتجميع شتات الارض، من المجنسين العرب والاسيويين والافارقة واليهود والمسيحيين وأديان ومذاهب أخرى، لكي يشكل بهم نسيج مجتمع متآلف ومتآخي ومتسامح وعصري ـ بحسب وصفه ـ فانه يعمل على تكريس وتعزيز نظام الدولة الطائفية والقبلية، ويحتكر جميع اجهزة الدولة وتوظيفها لخدمته وخدمة أعضاء عائلته وقبيلته وممن يبقون يسيرون في فلكه، ويحتكر الخدمات اليومية للناس ويربط توفيرها بالموالاة والانتماء له والارتباط به، ويحتكر أجهزة صياغة الرأي العام من صحف ووسائل أعلام متعددة، من أجل تلميع صورته والاشاده بانجازاته “الموهومة والكاذبة” ويتستر على الشقاق والنفاق والفساد وتبذير أموال الدولة والمجتمع على مشاريع وهمية وتسلح موهوم وملتقيات ومنتديات ليست لها أية منافع اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية تذكر غير تجميل صورته وسجلات نظامه السياسي القمعي.
وهو عندما يؤكد على احترام القيم والتعايش الانساني فانه في نفس الوقت يعمل على مصادرة الحريات العامة وقولبة العقول والتصرفات، وارغام الناس بقوة الحديد والنار على أن يكونوا ادوات تابعين له ويصدقوا بكل ما يقول ويفعل، ويريدهم أن يخنعوا له دائما ويقولوا له “أمرك يا صاحب الجلالة وعاهل البلاد المعظم” ونحن من يفديك بالروح والدم، فالحاكم الذي يستهين بشعبه ويفرض على رقابه طوق الحديد والنار وينتهك حقوق شعبه في المواطنة، ويجلب له نكرات المجنسين من مشارق الارض ومغاربها، ويعقد صفقات الخيانة والذل والعار مع اعداء الامة العربية وأعداء الاسلام في الكيان الصهيوني.
ولا يجرؤ على مكاشف ومحاسبة مجرمين انتهكوا حقوق الانسان في البحرين وحرضوا على الطائفية والمذهبية وشق صفوف الوحدة الوطنية، ولا يعترف بشعار العفو عند المقدرة، ويعفوا عن سجناء وموقوفين أبرياء يقبعون منذ سنوات طويلة في سجون البحرين، ودنبهم الوحيد أنهم طالبوا بالاصلاح الحقيقي والجوهري والمشاركة الشعبية في صناعة القرار والدفاع عن الوحدة الوطنية والتعايش السلمي المشترك، لا يحق له بحال من الاحوال أن يظهر للناس كما لو أنه قديس ورسول سلام، ويدعوهم للتسامح والتآخي ومحبة بعضهم البعض ونبدهم للكراهية والعنصرية وتقبلهم لجميع المعتقدات والاديان، وهو في الحقيقة والواقع لا يستخدم كل هذه القيم الانسانية والاخلاقية استخداما خلاقا واساسا سليما للمصداقية الحقيقية والفعلية .
هاني الريس
10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022