حوار سياسي هادئ مع سماحة الشيخ نعيم قاسم نائب الامين العام لحزب الله في لبنان
في إطار سعي المعارضة البحرينية في الخارج، بخصوص توضيح وجهات النظر والرؤى، في جميع المسائل المتعلقة بقضايا النضال الوطني والتطورات السياسية والامنية المتسارعة بخطى واضحة على الساحة البحرينية، إلى كافة المراقبين والمتابعين للمشهد السياسي البحريني. التقى وفد المعارضة البحرينية المشارك في أعمال مؤتمر الصحوة الاسلامية، في يوم الاحد 19 أيلول/ سبتمبر 2011 في الساعة الثانية عشرة والنصف من بعد الظهر، مع نائب الامين العام لحزب الله اللبناني سماحة الشيخ نعيم قاسم، وقدم له الوفد شرح مفصل حول التطورات السياسية والحقوقية والامنية الجارية على الساحة البحرينية، بعد قمع واجهاض عنفوان الحراك الثوري الشعبي للعام 2011 من جانب السلطة البحرينية وقوات ( درع الجزيرة ) بقيادة السعودية والامارات. إستمر اللقاء الذي تشعبت محاورة واهتماماته برؤى وتفاصيل تلك القضايا، على مدى قرابة ساعة وربع الساعة .
كان وفد المعارضة البحرينية، في مواجهة، رجل دين متمرس وسياسي محنك، وشخص لا يعرف غير الصراحة والشجاعة والواقع. فبعد أن أظهر الشيخ نعيم قاسم للوفد تعاطفه مع نضالات شعب البحرين وقضيته العادلة وافتخاره باهداف وتطلعات الحركة المطلبية السلمية، والتي شهدت جميع وقائعها اليومية بحر من الدماء وحملات الاعتقال التعسفي وحصار المدن والمناطق البحرينية، والاشادة بمواقفها البطولية والشجاعة ضد وطأة الظلم والتعسف والاستبداد. فجر الشيخ نعيم قاسم، قنبلة سياسية لاعضاء الوفد عندما اعترض على طروحات بعض قوى المعارضة البحرينية (المتشددة) في الداخل والخارج، الداعية إلى مواجهة العنف بالعنف، ورفع شعارات إسقاط نظام الحكم الخليفي بمختلف الوسائل الممكنة، حيث قال عن ذلك الشعار بانه (غير صالح للاستخدام) في مرحلة صعبة وحساسة للغاية تمر بها المنطقة والعالم. وشدد على أن هناك (مؤامرة أقليمية ودولية) تستهدف مختلف قوى التغيير في البحرين والخليج. ولذلك فأن الظرف الذاتي والموضوعي، لايسمح على الاطلاق بأن ترفع (شعارات اسقاط النظام السياسي في البحرين عن طريق القوة) والدعوة إلى التغييرات الجذرية المباشرة، الأمر الذي ازعج غالبية اعضاء الوفد بشكل جدي، خصوصا الداعمين لتيار الصقور في صفوف المعارضة البحرينية، وفي هذا الوقت بدأ البعض يروي للشيخ نعيم قاسم قصص الاضطهاد السياسي والاجتماعي غير المكبوح التي تعاني منه الامة وبخاصة الطائفة الشيعية، والذي يتوجب على النظام التوقف عنه على الفور إذا ما أراد أن يعم السلم والوئام في عموم البلاد، وكانت ردود الشيخ نعيم قاسم على جميع الرؤى المتشددة تتسم بالصواب ورؤية الامور بموضوعية .
ومما قاله سماحة الشيخ نعيم قاسم لاعضاء الوفد الذي ترأسه الدكتور سعيد الشهابي :” ان حزب الله اللبناني لا يرى في رفع شعار اسقاط النظام في البحرين عملية ناجحة ومفيدة وخاصة في هذا الوقت حيث تتآلب جميع القوى الاقليمية والدولية على ردع المطالب الشعبية المحقة في البحرين، وانه بمجرد رفع هذا الشعار سوف تخسر المعارضة كل احلامها ورغباتها وامانيها المطلبية، وأن الحزب ينصح المعارضة بعدم خوض الغمار في هذا الموضوع على الاطلاق في هذا التوقيت، وأن عليها أن تتريث وتنظر للواقع القائم على حقيقته، وأن تلتزم بالحكمة والعقلانية والصبر وكل ما يصدر من تعليمات وقرارات من جانب ولاية الفقيه، ويضيف :” أن حزب الله قد تجاوب مع جمعية الوفاق الاسلامية لانها التزمت بتعليمات وقرارات ولاية الفقيه ونحن نشجعها على السير قدما في هذا النهج ونبارك خطواتها الاصلاحية. وعندما اشتكى له بعض أعضاء الوفد عن بشاعة ممارسات السلطة البحرينية في قهر الامة، وقالوا أن من واجب المعارضة البحرينة أن ترد على هذه الممارسة البشعة بالمثل وردع السلطة، قال: انه عندما تتعرض الامة للقوة والعسف العام من قبل السلطات فانه يتوجب عليها مواجهة ذلك الامر المنحرف بالوسائل الشرعية والقانونية وليس بواسطة العنف، لأن العنف لا يولد غير التعسف والعنف وإذا ما استطاعت المعارضة أن تحسم أمر العودة إلى مرجعية ولاية الفقيه فان ذلك سوف يحسم كل شيء تتطلع إليه أنظار الأمة البحرينية، وأضاف الشيخ نعيم قاسم:” إذا طالبت المعارضة البحرينية بتقرير المصير فهذا يعني اسقاط النظام السياسي، والمطالبة باسقاط النظام يرى فيه حزب الله بانه سقف عالي للغاية، ولا يمكن له أن ينسجم مع الظروف المعاشة اليوم في البحرين والمنطقة، وأن المشكلة المعقدة هي في موضوعة التحديات بين القوى المتصارعة في المنطقة، ولذلك فان الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، عندما يتحدث عن البحرين واوضاعها السياسية والامنية فانه يزن كلماته في ميزان الذهب والتعقل والحكمة لكي لا تخرج الامور عن مساراتها الواقعية والمطلوبة، والتي لا يمكن لها أن تصنف بشدة في خانة ما تسميه القوى الاستكباريه بـ “الارهاب” .
وبهذا يبدو لي أنه قد تكونت لدى سماحة الشيخ نعيم قاسم، القناعة التامة بأن الوسيلة الوحيدة لقوى المعارضة البحرينية للقيام بعمل مفيد يخدم القضية الوطنية هو اللجوء إلى استخدام الوسائل السلمية بدلا من استخدام القوة، فليس العالم برمته مؤيدا لفكرة اسقاط النظام في البحرين بفعل القوة، وانه ليس جميع الناس في البحرين يؤيدون هذا التوجه بقدر ماهم يسعون لطرح برامج الاصلاح كوسيلة للتفاهم والتلاحم ونبذ الارهاب، ولذلك فهو قد دعاهم في مجمل ما تطرق له من حديث إلى اليقضة في فهم الامور الخطيرة، والتمسك بالصبر والعودة إلى كل ما توصي به المرجعية الفقهية فيما يخص المسائل الدينية، وإلى شيء من المرونة والتعقل والحكمة في التعامل مع السلطة البحرينية، وشجعهم على المضي دائما في طريق الصواب وتجنب استخدام وسائل العنف غير المبرر، والدفاع عن النفس عندما تتعرض للشر، وعلى ضرورة تناسي المعارضة البحرينية للماضي التناحري الذي أثقل كاهلها في مواجهة التحديات الصعبة، والكف عن استعادة أسباب الانقسامات فيما بينها والسعي للتركيز على المستقبل، والعمل على وقف المبالغات الكثيرة المتعلقة برفع سقوف المطالب السياسية، وكذلك تجنب رفع شعارات اسقاط النظام السياسي في الوقت الراهن، وكانت رسالته لقوى المعارضة هنا واضحة : “تبنوا المواقف المعتدلة والحوار المسؤول، وغلبوا الحكمة والتعقل في الامور الخطيرة والمعقدة، على مفاهيم استخدام أساليب التشدد والعنف”.
بدأ إصرار الشيخ نعيم قاسم، على معالجة المعضلة السياسية والامنية في البحرين بالوسائل السلمية والحوار المسؤول، وليس بواسطة المواجهات العنيفة، يزعج بعض أعضاء الوفد بشكل جدي، ولاسيما من جانب السيد جعفر العلوي القيادي في التيار الرسالي الاسلامي، والذي كان في سنوات ما قبل الثورة، يقبع على مدى قرابة عقدين من الزمن في سجون السلطة البحرينية، نتيجة إتهامه مع مجموعة مؤلفة من 73 شخصا من قيادات وكوادر الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين، بتدبير محاوله فاشلة لقلب نظام الحكم في البلاد في العام 1981، وسجنتهم السلطة البحرينية وأمعنت في تعذيبهم وحرمانهم من حقوقهم، والذي ظل منذ ذلك الوقت، يتمسك بشعارات التغيير الجذري وإسقاط النظام في البحرين، بشتى وسائل القوة والردع، وليس بالاساليب السلمية العصرية، ومعه بعض أعضاء الوفد من قوى وتيارات مختلفة، الذين رؤوا بأن ” الحديد لا يفله إلا الحديد ” وبقوا متمسكين بافكار المواجهة العنيفة مع السلطة وتبرير شعار اسقاط النظام السياسي .
ومما زاد الطين بله، كما يورد المثل العامي، أن الشيخ نعيم قاسم، أطلق في وجه الوفد (قنبلة جديدة) أربكت كل تطلعاته نحو تفعيل إهتمام المعارضة البحرينية بشأن إستمرار رفع شعار اسقاط النظام السياسي، حينما تمنى على (جماعات المعارضة المتشددة في الداخل والخارج) التخلي تماما عن طرح مطلب المواجهة العسكرية الحتمية، والتدخلات الخارجية، الداعمة لقوى الثورة، الذي كان البعض يطالب بها منذ انطلاق شرارة الحراك الشعبي (الثورة) للمساعدة على تقويض ودحر النظام الخليفي، فهل كانت طروحات الشيخ نعيم قاسم مجرد تصورات وأفكار عابرة أم أنها وقائع محسوسة ويعرف غالبية أسرارها بكل وضوح ؟
منذ تلك اللحظة، التي ظهرت فيها تصريحات الشيخ نعيم قاسم (النارية) حول أساليب وتطلعات وتوجهات المعارضة البحرينية في ظل الحراك الثوري، تباينت آراء ومواقف أعضاء الوفد، فكانت هناك غالبية تعارض هذه التصريحات، وهي التي ظلت ترفع شعارات اسقاط الحكم ضمن تياراتها المتشددة ممثلة في القوى الرئيسية الاربعة ( أنصار ثورة 14 فبراير، وحركة أحرار البحرين الاسلامية، والتحالف من أجل الجمهورية، والتيار الرسالي الاسلامي) وأقلية مؤيدة لها وهي المحسوبة على جمعية الوفاق الاسلامية والتيارات الداعمة لها وعدد من المستقلين، الذين صرحوا بعد أنتهاء اللقاء، بأن الشيخ نعيم قاسم، كان على حق، عندما دعا جميع فصائل الثورة في البحرين، بالتمسك بالسلمية ونبذ الارهاب، وعدم رفع شعارات اسقاط النظام السياسي عبر استخدام وسائل القوة والعنف في وقت تتكاتف فيه غالبية القوى العالمية على انهاك شعوب هذه المنطقة وتدمير تطلعاتها نحو الديمقراطية والحرية، وهو الذي ظل يدرك بكل بصيرة و وضوح جميع تلك المحن والمخاطر المحتمل حدوثها في البحرين، وكذلك في عموم دول المنطقة .
الحلقة القادمة .. لقاء عمل موسع مع آية الله الشيخ محمد حسن أختري، رئيس المجمع العالمي لأهل البيت .. وكيف كانت نظرته بخصوص قضايا الاصلاح في البحرين، وكذلك شعار إسقاط النظام السياسي ؟
هاني الريس
13 أيار/ مايو 2022