دروس مفيدة من النموذج الدنماركي لمكافحة كارثة كورونا، يجب على الحكومات الفاشلة حول العالم الإستفادة منها
اصبحت كارثة ” كوفيد 19 ” المميتة، الأكثر أهمية بالنسبة لروح التضامن الاجتماعي، في الدنمارك، بعد الحرب العالمية الثانية، ففي نفس اللحظة، التي أعلنت فيها رئيسة الوزراء الدنماركية، ميتي فريدريكسن، عن موافقة البرلمان الدنماركي بشكل جماعي، على قانون الطوارىء الصحي في الدنمارك، التزمت الغالبية الساحقة من المواطنين، بجميع القرارات والإجراءات الملحة والعاجلة، التي نصت عليها نصوص وبنود هذا القانون، وتخلوا عن كل ما كان لحوزتهم من مهام، وتقاطروا على مختلف مقار ومراكز التطوع الإجتماعي، لتسجيل أسمائهم كمتطوعين في خدمة الدولة والمجتمع، بالرغم من أن جميع الأوضاع في تلك الفترة كانت مؤلمة، وخطيرة.
وفي غضون 48 ساعة فقط، من إعلان الحكومة الدنماركية، عن تنفيذ جميع هذه الإجراءات، كان هناك أكثر من 10.000 طبيب وممرض، ومتطوع من مختلف الأعمار، في المجال الصحي، على أهبة الإستعداد التام للمباشرة في العمل التطوعي، في جميع المؤسسات والمراكز الصحية، وكان هناك أكثر من 954 جهاز تنفس للتعامل مع المرض، وذلك من أجل عمليات إنقاذ مطلوبة لجميع المصابين.
وفي الوقت نفسه، اعلنت الحكومة الدنماركية، عن حزمة مساعدات مالية سخية، تقدر بالمليارات من العملة المحلية، وذلك، من أجل دعم المؤسسات التجارية العامة والخاصة، التي ضررت من الأزمة، وتعويض الموظفين والعمال، الذين سرحوا بشكل مؤقت، او بشكل تعسفي، من وظائفهم وأعمالهم، بسبب الأزمة، وتوفير المال لطلاب المدارس والمعاهد و الجامعات، من أجل مستلزمات المعيشة الحياتية اليومية، وتسديد مستحقات إيجارات السكن، والمواصلات، وإطلاق أيادي قوات الأمن الدنماركية لمراقبة جميع الأوضاع الطارئة، وتامين مختلف أسباب الأمن والاستقرار، وفي سابقة تاريخية، انفقت الحكومة الدنماركية، مليارات الكرونات من اجل احتواء الأزمة وتطويقها، كما اعتمدت العديد من قوانين الطوارى، وكان هناك تجاوب كبير ومنقطع النظير، من جانب الشعب الدنماركي، الذي التزم بجميع الإجراءات الضرورية والملحة، التي اتخذتها الحكومة والمجلس الوطني الدنماركي للصحة، الأمر الذى يؤكد بكل شفافية وصراحة، على قوة وصلابة الوحدة الوطنية، وتماسك الجبهة الوطينة، في مواجهة جميع المخاطر المتربصة بأوضاع الدولة والمجتمع.
ورود وزهور وهدايا واعترافات أوروبية ودولية تشيد بقوة وصلابة، رئيسة الوزراء، ميتي فريدريكسن، في مواجهة الأزمة ومعالجة العديد من تداعياتها بحكمة وشجاعة:
وخلال أوقات الأزمة قامت، رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، بأدوار مهمة وجبارة في توعية المجتمع الدنماركي، من جميع المخاطر المترتبة على الأزمة، وعقدت مؤتمرات صحفية متعددة، في مقر الحكومة، ناشدت من خلالها المجتمع الدنماركي، في التسلح بالصبر واخذ الحيطة والحذر، وتقوية عود التضامن الاجتماعي، والإلتزام بجميع النصائح الحكومية والطبية، التي كانت تحثهم دائما، على متابعة كافة التعليمات والإرشادات والتوجيهات، التي من شانها أن تتصدى لتلك الأزمة، ومن بين أبرز هذه المؤتمرات، ذلك المؤتمر، الذي عقد في 20 أذار/ مارس 2020، للشباب والأطفال الدنماركيين، الذي يتوجب على الدولة الدنماركية، الأخذ بأيديهم، وتربيتهم ورعايتهم وتعليمهم وتاهيلهم، باعتبارهم أمل الحاضر والمستقبل، حيث كانت قد شرحت لهم الأوضاع الصحية الخطيرة، التي تمر بها البلاد، خلال الفترة الحالية، وكيفية تعاملهم معها، سواء على المستوى العائلي أو المدرسي، وقدمت لهم الوعود والتعهدات، بأن مستقبلهم مصان ومضمون في ظل اهتمام ورعاية الدولة، ومختلف مؤسساتها الإجتماعية والتعليمية، وأنهم مهما بلغت الأزمة أشدها فأن الحكومة، لن تتخلى يوما واحدا عن رعايتهم والاهتمام بهم، وبمستقبل الأحلام والتطلعات، التي ينظرون اليها.وكانت قد تخللت فترة المؤتمر الصحفي، اسالة كثيرة للعديد من الشباب والأطفال وأولياء امورهم، أجابت عليها رئيسة الوزراء بالكاملة، وبكل شفافية ورحابة صدر، ولم تترك حتى سؤال واحد دار حول تلك القضايا المتعلقة بالازمة.
وخلال الأيام الأخيرة، أمطر العديد من المواطنين، رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، ألتي استطاعت أن تدير اصعب أزمة صحيةعصفت بالبلاد، بالورود والزهور والهدايا الكثيرة، تكريما لشخصها، وافتخارا بمستوى الأداء الحيوي والكبير، الذي قدمته في معالجات احتواء الأزمة، في نفس الوقت، الذي تصدرت فيه قائمة أسماء الزعماء الأوربيين، الذين نجحوا في كفاحهم ومساعيهم لذرء المخاطر المحتملة من إنتشار عدوى الوباء المميت في المجتمع، وذلك من خلال ما ورد على لسان العديد من وسائل الإعلام الايطالية، التي نشرت قائمة طويلة، حول تعامل قادة العالم مع أزمة وباء كورونا، وقالت إن طريقة التعاطف الإنساني والعمل الجاد وتكريس النظام السياسي برمته لخدمة أهداف المجتمع الدنماركي لتجاوز تلك المحنة، جعل السكان، يدعمون الحكومة وجميع القرارات والإجراءات، التي كانت قد اتخذتها.وجاء في المرتبة الثانية، خلف رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن، رئيس وزراء نيوزلندا، جاسيندا اردرين، وفي المرتبة الثالثة، جاء حاكم ولاية نيويورك، اندروا كومو.
مساعي كبيرة نحو النجاح لكبح جماح العدوى :
وفي 20 أذار/ مارس 2020، عقدت رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن في مقر رئاسة الوزراء، مؤتمرا صحفيا، تحدث فيه، عن الظروف الصعبة والقاسية، التي واجهتها البلاد، على حين غرة، بسبب أزمة فيروس كورونا العالمية، وقالت: ” في خلال يوم واحد فقط من تعرض الدنمارك لتلك الأزمة، اتخدت الحكومة، وجميع الشركاء السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين، الذين قدموا لنا الدعم الكبير وغير المحدود، قرارات سريعة وحكيمة ومهمة وشجاعة لمواجهة تنامي فيروس كورونا في الدنمارك، وهذا بالتأكيد إن ذل على شيء فإنه يدل على قيام الحكومة وجميع شركائها الاساسيين، بعملا رائعا وشجاعا، ويؤكد على سرعة تجاوب المجتمع، وقوة وصلابة جبهته الداخلية، ولكنني، في نفس الوقت، أرغب في ان احذر الجميع، من أن الأزمة تعتبر خطيرة، وربما سوف تستمر لعدة اسابيع أو أكثر، وادعوكم للتسلح بالصبر وتحمل كافة المشقات الصعبة، والتقيد بجميع الإجراءات، التي وضعتها الحكومة من أجل الحماية الصحية العامة للمجتمع “.
إستطلاع جديد يضع الحزب الحاكم في صدارة الأحزاب السياسية الدنماركية مجددا:
وفي الفترة مابين 23 و 29 أذار/مارس 2020، أجرى معهد ” Voxmeter ” لقياسات الرأى، إستطلاع جديد، من خلال إتصالات هاتفية، اجراها مع حوالي 1071 مواطن دنماركي من أعمار تزيد عن 18 سنة، وقد اعطت نتائج هذا الاستطلاع، الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، الذي تصدى بشجاعة للازمة، نسبة 31.5 نقطة مئوية، خلال شهر واحد فقط، وذلك بعد أن كان قد حصل في الاستطلاع السابق، على نسبة ضئيلة، لم تتجاوز 4.7 نقطة مئوية.
عقوبات صارمة ضد كل من يتجاوز حدود القانون، ويستغل الظروف الصعبة للمواطنين ويقوم بعمليات الاحتيال والسرقات:
وفي مؤتمر صحفي عقد في وزارة العدل، في 25 أذار/ مارس 2020، قال وزير العدل، نيك هيكيروب: ” إن الحكومة، سوف تقوم بقمع جميع الأشخاص، الذين يستغلون تفشي الفيروس، من أجل ارتكاب جرائم السطو والسرقات والاحتيالات والجريمة الإلكترونيةوالمعلومات، وعمليات الخداع الرقمية، وغيرها، وأن العقوبة سوف تكون صارمة ومضاعفة مرتين “.
وأضاف يقول: ” وعلى الرغم من أن اعداد كبيرة من المواطنين الدنماركيين، ظلوا يعملون بجد واخلاص، من أجل حماية المجتمع خلال الأزمة، إلا أن هناك من كان يستغل الموقف الهش، الذي نحن فيه بشكل سلبي ” حيث إستطاع البعض من سرقة مسدسات الحراس في المستشفيات، بعد أن أدعوا بأنهم من عناصر الخدمة الصحية، وقام آخرون بخداع الناس من خلال التضليل والتخويف، في بعض مواقع التواصل الاجتماعي الوهمية”.
وأما رئيس جهاز الشرطة، فقد هدد الذين، لا يريدون التقيد بجميع القرارات والإجراءات المتعلقة باستتباب الأمن، من مواجهة عقوبات قاسية ومضاعفة في الأحكام.
دروس مفيدة وعصرية، يجب أن يتعلمها حكام الدول الفاشلة حول العالم:
فتلك الإجراءات القانونية المتحضرة والعصرية، التي مارستها الحكومة والسلطات الصحية الدنماركية، ووصل صداها، إلى مختلف العواصم الأوربية والعالمية، يجب أن تستفيد من دروسها، الأنظمة السياسية الدكتاتورية، التي مازالت تتجاهل خطورة الكوارث الصحية، في بلدانها، وتتعامل معها في أحسن الأحوال، بالاستنكار، أو التعاطف الخجول، أو الصمت المطلق، الذي قد يتسبب بمضاعفة وانتشار تلك الكوارث الكبيرة والمؤلمة، والتي يمكن ان تعرض الشعوب والمجتمعات للمخاطر الصحية الصارخة، والعوامل الاخرى المهددة بالموت.