تسونامي الجوع يشعل ضمير البشرية
هناك أكثر من 100 مليون انسان في العالم سيعانون من الجوع والفقر المدقع بسبب الارتفاع الجنوني في اسعار المواد الغذائية الاساسية للحياة المعيشية اليومية. وسيلقى اكثر من 25 مليون انسان حتفهم يوميا بينهم اطفال نتيجة امراض ناجمة عن نقص التغذية وانعدام وسائل الصحة العامة، وسيغرق اكثر من مليون ومئة ألف مواطن افريقي في المزيد من الجوع والعوز المادي وفقا للدراسات الحديثة الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة الأغذية والزراعة (الفاو) وصندوق النقد الدولي.
مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس خان، الذي حذر المجتمع الدولي من مغبة التساهل أمام محاولات تفقير وموت ملايين الناس في انحاء العالم، قال إن هناك مئات الآلاف من الأشخاص سيعانون من المجاعة القاتلة إذا ما استمر تصاعد اسعار الغذاء وخصوصا في بلدان العالم الاكثر فقرا.
وأضاف دومينيك أن الاضطرابات الاجتماعية الناشئة عن تصاعد وتيرة التضخم الهائل في اسعار المواد الغذائية الضرورية تؤدي من دون شك الى حدوث اهتزازات متسارعة في العلاقات الدولية، ونشوب فوضى اجتماعية واقتصادية عارمة في الكثير من مناطق العالم الفقيرة لن يستطيع احد مواجهتها حتى لو تعرض المحتجون الجائعون الى مختلف وسائل الردع. وناشد جميع الدول الغنية والمنظمات الدولية أن تتحمل مسئولياتها الكاملة لتذليل ازمة الغذاء في العالم وانقاذ ارواح ملايين الناس في المناطق الفقيرة.
وفعلا، تسبب الارتفاع الهائل في اسعار المنتجات الغذائية الضرورية مثل القمح والشعير والذرة والرز الى نشوب الكثير من الاضطرابات والاحتجاجات المطلبية الواسعة النطاق في كل من مصر وهاييتي والفلبين والاردن واليمن وفلسطين وغيرها من الدول التي تضررت شعوبها من ازمة الغلاء.
لقد شدد صندوق النقد الدولي خلال اجتماعه الدوري مع البنك الدولي في واشنطن على ضرورة التحرك الجدي والسريع لمواجهة الموجات المتصاعدة في اسعار الغذاء والازمة الاقتصادية الخانقة التي ما برحت تجتاح، ليس البلدان النامية والفقيرة فقط، بل الكثير من بلدان العالم المتقدمة أيضا.
ولم يخف مدير صندوق النقد الدولي دومينيك خان قلقه من احتمال اتساع مناطق الفقر والجوع في العالم بسبب ما هو واضح من الاهمال وعدم الرعاية الدولية الكاملة لتوفير احتياجات الناس من الغذاء والصحة والمسكن المناسب، وقال إن مئات الآلاف من البشر سيتعرضون الى الموت جوعا، وإن الاطفال وخصوصا في المناطق الريفية سيعانون من نقص الغذاء الكافي لضمان نمو عقلي وجسدي سليم.
وأضاف أن المشكلة اصبحت الآن غاية في الصعوبة والتعقيد، ويمكن أن تؤدي تداعياته الى اختلالات واضحة في ميزان التجارة الدولية، وستؤثر بدورها على اقتصادات الدول المتقدمة والتي بدت عليها بعض مؤشرات التضخم وارتفاع الاسعار.
وبدورها، أطلقت الامم المتحدة صيحات التحذير بشأن النتائج الكارثية المحتملة من تصاعد موجات الغلاء في العالم، وقال الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في كلمتة امام مؤتمر التجارة والتنمية الذي عقد في العاصمة الغانية (اكرا) إن ارتفاع اسعار مواد الغذاء في العالم سيؤدي الى تبديد التقدم الذي تم احرازه في سبيل الوصول الى الاهداف التي التزم بها المجتمع الدولي بخصوص مكافحة الفقر وتخفيف أعداد الجياع في العالم الى نحو النصف بحلول العام 2015. ودعا الامين العام في كلمته جميع الحكومات والمنظمات الانسانية والخيرية العالمية الى الوقوف صفا واحدا في مواجهة الازمة الاقتصادية العالمية.
ووفقا لاحصاءات البنك الدولي فإن اسعار الغذاء في العالم ارتفعت بصورة مجنونة منذ اوائل العام 2006 واستمرت حتى العام 2008 بنسبة تجاوزت 83 في المئة.
ووصف مقرر الامم المتحدة الخاص بالغذاء جان زيجلر ازمة الغذاء في العالم والتي يعاني منها الآن ملايين الناس وخصوصا الاطفال بأنها محاولات قتل جماعي يجري الاعداد لها بصورة سرية من قبل الكثير من البلدان الغنية والمنتجة لمواد الغذاء. وقالت الامم المتحدة، باسم أمينها العام، إنها قد تضطر الى تقنين مستوى المعونات الغذائية التي تقدمها الى الدول المحتاجة، الأمر الذي قد يرهق كاهل الشعوب الفقيرة ويضاعف المكابدة من اجل الحصول على كسرة الخبز.
وقالت مديرة برنامج الغذاء العالي التابع للأمم المتحدة جوزيت شيران إن الذي يحدث الآن هو الوجه الجديد للمجاعة، فملايين الناس الذين لم يكونوا يوضعون في خانة الجياع قبل ستة أشهر فقط أصبحوا الآن كذلك.
وعموما من المعروف أن الارتفاع الحاصل في الاسعار العالمية جاء نتيجة عوامل كثيرة من اهمها تزايد الطلب العالمي على مختلف مواد الغذاء وخصوصا الضرورية منها وتقلب الاحوال المناخية في عدة بلدان منتجة، والتوسع في قضم الغابات واستخدام الاراضي الزراعية لتشييد القرى والمدن والمصانع العملاقة، واجراء التجارب العسكرية اضافة الى وجود الجفاف والتصحر. والأهم من كل ذلك هو ارتفاع أسعار النفط.
وما يستوجب النضال من أجله هو أن تسعى جميع الحكومات الرسمية وإلى جانبها المنظمات المدنية بأقصى جهودها الممكنة لمواجهة غول الغلاء الممتد على مساحة العالم برمته، وتنقذ الناس من اخطار الموت بسبب المجاعات والفقر والتي تفرضها فرضا مشكلات التلوث البيئي والتوسع العمراني، واهمال القطاع الزراعي وضعف فرص العمل والانتاج والدخل المادي وخصوصا في بلدان العالم النامية والفقيرة.
والحل هو أن تتعاون وتتعاضد الدول المتقدمة صناعيا وزراعيا وتجاريا بفتح ابوابها مشرعة امام الدول الفقيرة والنامية والتي لم تبلغ بعد مستوى التقدم والتطور الاقتصادي وحكم القانون ومراعاة حقوق الانسان لكي تستفيد من تجاربها المثمرة في جميع المجالات ولجعلها في خدمة شعوبها. وهنا ينبغي التنويه بمبادرة ثماني دول إفريقية اجتمعت في ساحل العاج وقرر وزراء ماليتها تخصيص نصف مليار دولار لخفض أسعار الأغذية.
في السياق نفسه، تعهد رؤساء أربع دول أميركية لاتينية بتأسيس صندوق لدعم المواد الغذائية بقيمة مئة مليون دولار، وهي كل من كوبا وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا.