إجراءات قاسية ضد المسلمين في الدنمارك
أشارت إحدى الدراسات الجديدة الصادرة عن مكتب خدمات في صحيفة «بوليتكن» اليومية واسعة الانتشار في الدنمارك أن نسبة اللاجئين الوافدين من البلدان الإسلامية التي اعتادت الدنمارك على استقبالهم عبر مكاتب المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة إلى الأمم المتحدة أخذت تتقلص خلال السنتين الأخريين بشكل ملحوظ، لأسباب عزتها بعض المصادر الدنمركية إلى الحوادث المؤلمة التي شهدتها البلاد تباعا على مدى سنوات طويلة، والتي كان للجاليات المسلمة فيها بحسب تلك المصادر نصيب الأسد وخصوصا بعد أزمة الرسوم المسيئة للرسول الكريم.
أوضحت هذه الدراسة أنه منذ تشديد قانون اللجوء والهجرة قبل خمس سنوات، استقبلت الدنمارك قرابة 500 لاجئ فقط من حصتها المقررة من قبل مفوضية اللاجئين غالبيتهم المطلقة من رعايا دول إسلامية كانوا قد تعرضوا للاضطهاد السياسي أو بسبب المجاعة والفقر. ومن بين هؤلاء ضحايا العنف في العراق والسودان وأفغانستان. ولكن خلال السنتين الأخريين قررت الحكومة الدانماركية أن تخفض من سقف اللاجئين الذين يدينون بالديانة الإسلامية وزيادة نسبة اللاجئين من غير المسلمين القادمين من جمهورية الكونغو وبوتان وميانمار.
ووفقا لما أوردته الدراسة فإن الدانمارك خلال العامين 2006 – 2007 استقبلت قرابة 1004 لاجئين عبر المفوضية العليا بلغت نسبة المسلمين قرابة 11 في المئة فقط، فيما بلغت نسبة الديانات الأخرى نحو 89 في المئة.
يقول بعض الساسة ونشطاء حقوق الإنسان في الدانمرك إن هناك أسبابا كثيرة ومهمة كانت تحول دون رغبة الائتلاف اليميني الحاكم باستقبال المزيد من اللاجئين والمهاجرين من المناطق الإسلامية ومن أبرزها على الإطلاق نظرة الحكومة الدانماركية تجاه كل الأقليات العرقية وليس فقط المسلمين، وتعزيز التعديلات التي أجريت على قانون الأجانب للعام 2005 والتي كانت تشدد على ضرورة اختيار اللاجئين من قبل هيئات الأمم المتحدة. واستنادا إلى ما كانت تراه الحكومة من أن قابلية اندماج وانصهار الأقليات من غير المسلمين في المجتمع الدنماركي تتم عادة بصورة أسرع، وبكلف أقل مما يتطلبه إعداد وتأهيل ودمج الأقليات الأخرى وخصوصا من ذات الأصول الإسلامية.
في مقابل ذلك كان هناك من يعارض ويرى أن الإجراءات المشددة التي تحول دون رغبة الحكومة بفتح الأبواب لاستقبال اللاجئين المضطهدين في أوطانهم الأصلية إما بسبب السياسة أو العرق أو اللون أو الدين أو الاقتصاد وخصوصا القادمين من المناطق الإسلامية التي لاتزال تعج بالاضطرابات والمنازعات، قالت رئيسة حزب يسار الوسط الراديكالي لشئون اللاجئين مارغريتا فيستانة: لم نكن نعرف تماما تلك الأسباب التي تم على أساسها أن تختار الحكومة ما تشاء من اللاجئين وترفض ما تشاء. ولكن كما يبدو يتم اليوم رفض اللاجئين القادمين من دول إسلامية من دون ذكر الأسباب الموجبة أو السالبة لإجراءاتها. وشددت المسئولة على أن مثل هذه الإجراءات المجحفة يعارضها حزب يسار الوسط بقوة لأن برامجه السياسية والاجتماعية والاقتصادية تسعى دائما لتقديم المساعدات الإنسانية للاجئين من دون النظر لخلفياتهم الدينية أو المذهبية. المتحدث في شئون الاندماج من حزب الشعب المعارض يسبر لانغالة اعتبر عملية غض الطرف عن استقبال اللاجئين من المناطق الإسلامية أنه عملية مقصودة من الحكومة وتدخل ضمن مزايداتها المستمرة لكسب المزيد من تأييد المتشددين المعارضين للأجانب. وقد دعا الحكومة إلى أن تتخذ من هذه القضية الإنسانية أية ذريعة لتضييق الخناق على الأقليات أو تحويلها إلى حرب دينية مع الآخرين.
وزيرة الاندماج السيدة بريا رون هورنبيك رفضت من جانبها التعليق على المناقشات والتصريحات التي أطلقت بشأن تلك القضية، واكتفت بالرد على سؤال محدد وجه لها في قاعة البرلمان عن أسباب عدم رغبة الحكومة باستقبال اللاجئين العراقيين بالقول إن ما عرضته علينا المفوضية العليا لشئون اللاجئين لا يفي بكل الشروط التي تنطبق في نظر الحكومة على وصف كلمة لاجئ. وعلى ما يبدو فإن تعريف المنظمة الدولية لوصف لاجئ يختلف تماما عن تعريفنا. وأكدت الوزيرة أن اللجان الثلاث التي ستقوم الحكومة بإرسالها لاختيار اللاجئين في العام الجاري لن تذهب إلى أية دولة إسلامية.
ومعروف أنه بعد أن فتحت الدنمارك أبواب الهجرة واللجوء منذ منتصف القرن الماضي، شكلت الجاليات الإسلامية في البلاد أكبر الجاليات بحيث أصبح المسلمون اليوم يمثلون نسبة كبيرة بين السكان الأصليين. أي قرابة 221 ألف مسلم ويشكلون الديانة الثانية بعد الديانة المسيحية. وظلت الحكومات الدانماركية المتعاقبة توفر لهم ضرورات الحد الأدنى من الحقوق والواجبات حرصا منها على التمسك بكل التقاليد الديمقراطية التي تكرست وتعززت في البلاد منذ عقود طويلة مضت.
ولكن مع تزايد عزلة الجاليات الإسلامية عن جسم المجتمع الأصلي، وظهور الجماعات الدينية المتمسكة بتقاليد وعادات وتراث مواطنها الأصلية، وتصاعد الأحداث والاضطرابات المنسوبة عادة إلى بعض الجاليات المسلمة، اتسعت الفجوة بينه وبين المجتمع الدنماركي وشعر بعض علماء الدين المسلمين في البلاد أنه يتعين عليهم التصدي لأعمال العنف التي ترتكب باسم الإسلام، ولكن من دون أن يتعرضوا لانتقادات من أتباعهم قد تزعزع الثقة بدفاعهم عن الدين.