الإنسان… ليس بضاعة للبيع

أعلنت دول المنظومة الاسكندنافية (السويد، الدنمارك، والنرويج) أنها بصدد مواجهة ظاهرة شراء الجنس واستغلال الفتيات القاصرات (أول مهنة في التاريخ الإنساني) التي توسعت بصورة ملفتة خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت من بين أبرز الظواهر المقلقة في تلك المجتمعات التي يفترض أنها مازالت محافظة.

وقالت الأجهزة الأمنية المختصة بمجالات مكافحة الاتجار بالجنس، في هذه الدول، إنها توصلت إلى وسيلة مشتركة يمكن أن تتصدى لمخاطر تفشي مظاهر الرذيلة في مجتمعاتها، وذلك بفرض عقوبات صارمة على المخالفين للقانون، تتراوح ما بين دفع الغرامة المالية أو السجن الذي يصل إلى مدة ستة شهور.

ففي الشهور الأخيرة من هذا العام، طرحت الحكومة النرويجية المؤلفة من حزبي العمال واليسار، وبدعم واسع من الحزب المسيحي المعارض، اقتراحا على البرلمان، يؤيد تجريم مهنة الدعارة ومختلف أنواع العربدة الجنسية، فقال وزير العدل النرويجي كنوت ستور بيرغت، في تصريح نشرته وسائل الإعلام المحلية، إن سلطات الأمن المختصة بمكافحة الاتجار بالجنس في البلاد ستقوم بواجباتها نحو تضييق الخناق على المروجين والمتاجرين بالجنس، وأضاف أن القيام بأية زيارة إلى المومسات أمرٌ يعاقب عليه القانون النرويجي بصرف النظر عما إذا قام المواطن بذلك داخل البلاد أو خارجها عندما ينكشف أمره، لأن الإنسان في كل المجتمعات يجب أن تحترم حقوقه الإنسانية وهو بذلك ليس بـ(بضاعة تباع وتشترى)، ويضيف الوزير أن الاقتراح المقدم إلى البرلمان، يجعل شراء المضاجعة أو أي شكل من أشكال الخدمة الجنسية أمرا غير قانوني يعاقب عليه الشخص بالغرامة المالية أو السجن لفترة قد تصل إلى ستة شهور أو أكثر، الأمر الذي يؤكد على حرص الدولة تجاه المواطنين وترشيدهم لعدم سلوك المسالك الخاطئة.

ومنذ العام 1999، وتحت ضغوط الكثير من المنظمات النسائية والحقوقية، منعت الحكومة السويدية، شراء الجنس واتخدت بشأنه عقوبات صارمة، وقال المختصون في قوانين بيع الجنس في السويد، إن الإجراءات القانونية التي اتخدتها الحكومة منذ ذلك الوقت حول ظاهرة الاتجار بالجنس، قلل من عدد النساء اللواتي يعملن في مجال بيع أجسادهن، كما أدى ذلك إلى انخفاض تجارة النساء في البلاد، وغيرت من نظرة الرجل السويدي للإقبال على هذه الظاهرة، كما غيرت أيضا من مفهوم العلاقة بين الرجل والمرأة نحو الأفضل.

وفي الدنمارك، التي تعتبر من أكثر الدول الاسكندنافية تحرّرا تجاه المرأة والاتجار بالنساء، فقد تعرضت الحكومة الحالية المؤلفة من أحزاب اليمين التقليدية إلى ضغوطات واسعة من قبل المنظمات النسائية والحقوقية الدنماركية، من أجل تخفيف وطأة مظاهر الاتجار بالجنس المستشرية بشكل واضح في مختلف مناطق البلاد، وسن القوانين الرادعة لها، وبسبب كل هذه الضغوطات، أعلنت الأجهزة الأمنية المختصة بمكافحة مختلف مظاهر الانحلال الأخلاقي، عن تكثيف ملاحقاتها لأصحاب بيوت الدعارة، من خلال القيام بحملات المداهمة والتحقيق الميداني السريع مع (بائعات الهوى) ومحاولات القبض على مديري أسواق الدعارة في شتى مناطق البلاد.

وتشير التقارير الصحافية، إلى وجود أكثر من ستة آلاف «بائعة هوى» موزعات على مختلف المدن الدنماركية، ومعظمهن ينحدرن من أصول أوروبية شرقية، وهناك أماكن كثيرة معروفة بهذا النشاط يرتادها الكثير من المواطنين الدنماركيين والسياح من مختلف مناطق العالم.

ومعروف أن الدنمارك، قد ألغت في العام 1999، قانونا يفرض العقوبات ضد النساء اللاتي يمارسن مهنة الدعارة في البلاد، عندما صوت البرلمان الدنماركي بأغلبية ساحقة ضد ذلك القانون، واستبدله بقانون جديد، يسمح بحرية النساء بممارسة الدعارة، وكذلك زواج الشواذ جنسيا من بعضهم البعض، تحت مبررات الحرية الفردية المطلقة، التي يتمتع بها قانونيا جميع أعضاء المجتمع الدنماركي، حيث سمحت التعديلات الدستورية الجديدة بإلغاء الفقرة الخاصة بإنزال عقوبة القانون ضد من يمارس مهنة الدعارة أو يتاجر بها من النساء، ولكنها أبقت على العقوبة القانونية ضد الأشخاص الذين يتعاطون الجنس مع فتيات قاصرات دون سن الثامنة عشرة أو ممن يحاولون اغتصابهن.

وتسببت كل هذه التسهيلات القانونية، باتساع مظاهر الرذيلة واغتصاب النساء، ولاسيما الفتيات القاصرات، ولم تقتصر مثل هذه الممارسات اللا أخلاقية واللا إنسانية على الأشخاص العاديين في المجتمع، بل هي تشمل أيضا رجال السياسة والفكر، الذين يُفترض أنهم يقدمون النماذج المثالية لحماية الناس والمجتمع برمته من مختلف الأمراض الأخلاقية والحرمان والتعسف والقهر، فقد تسببت مثل هذه الممارسات المفضوحة، قبل عدة شهور من الآن، إلى تنحي عضو قيادي كبير في الحزب الاشتراكي الديمقراطي أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، والوزير السابق لشئون الطاقة في حكومة بول نيروب راسمونسن الاشتراكية السابقة، عن منصبه كناطق باسم الحزب للشئون الخارجية (وزير خارجية الظل) بعد تعرضه لفضيحة أخلاقية مع فتاة قاصر (15 سنة) أمضى معها ليلة غرام، بعد نهاية ندوة سياسية أقامها الحزب الاشتراكي الديمقراطي، مع منظمة شبيبة الحزب، حيث كان هو الضيف المتحدث فيها، وقد اعترف هذا النجم الصاعد في الحزب، أنه ارتكب خطيئة لا تغتفر، بممارسته (علاقة غير أخلاقية مع فتاة قاصر)، ما تسبب في وقوع خلافات داخل الحزب، بين من يحاول تبرير هذه القضية باعتبارها مجرد (هفوة) يمكن التسامح عنها، وبين من يطالب بتجريده من كل صلاحياته ومسئولياته الحزبية.

ومنذ عدة شهور من الآن، قامت 23 منظمة نسائية دنماركية، بإطلاق حملة عالمية واسعة النطاق لمنع وتجريم شراء الجنس في الدنمارك، دعت من خلالها عبر عريضة وقع عليها سياسيون ومثقفون وفنانون وطلاب ومنظمات نسائية وحقوقية، الحكومة الدنماركية والجهات الاجتماعية المختصة بمكافحة مظاهر الاتجار بالجنس، إلى تسليط الأضواء الكافية على مثل هذه «المظاهر السيئة» واتخاذ الإجراءات الضرورية والعقابية اللازمة ضد المخالفين للقانون. وفي الوقت نفسه الذي نجد فيه دولا أوروبية أخرى تفرض القيود والقوانين الجزائية الصارمة والرادعة، على منتهكي الكرامة الإنسانية والساعين لنشر الفساد الأخلاقي، نجد في المقابل من يحاول أن ينشر ممارسات الرذيلة ويتاجر بكرامة المرأة وعفتها وشرفها في غالبية مجتمعاتنا الشرقية وحتى تلك المتزمتة منها بالسلوك الديني، حيث يشرع البعض أبوابه لتسويق تجارة الرذيلة والجنس، من دون الاكتراث بالاضرار والعواقب الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية المخيفة في المجتمع

Loading