صابر نيازوف… لكل ظالم نهاية
في خطوة يبدو أنها تهدف إلى قطع آخر رابط يربط تاريخ الرئيس الراحل صابر مراد نيازوف، السياسي في جمهورية تركمانستان، إحدى جمهوريات آسيا الوسطى المستقلة عن كنف الاتحاد السوفياتي السابق، الذي حكمها بدكتاتورية مفرطة طوال 21 عاما مضت، من دون أي منازع سياسي، يعتزم اليوم برلمان البلاد، تقديم مقترح يمكن أن يزيل اسم الرئيس نيازوف من شعار النشيد الوطني للدولة، الذي كان ولايزال حتى هذه اللحظة يمجد عهده (العظيم بالإنجازات) ويكرس في الوقت نفسه أفكار عبادة الفرد، في مجتمع مازال يئن من وطأة القمع والاستبداد، واستبدال هذا النشيد بنشيد وطني جديد، يعكس العهد الحديث للبلاد، وكل المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية، التي واكبتها بعد مرحلة الاستقلال من الهيمنة السوفياتية السابقة، سيعتمد بعد الانتهاء من مراسم إحياء الذكرى الثانية لرحيل نيازوف (الدكتاتور) الذي لقي حتفه إثر نوبة قلبية مفاجئة في العام 2006، والمزمع إقامتها في 21 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
وفي تصريح لوكالات الأنباء، قال رئيس برلمان تركمانستان اكدرزهانور برديف، الذي بادر مع بعض النواب بتقديم اقتراح تعديل النشيد الوطني، بأن رغبة التغيير في موضوع النشيد الوطني، جاءت استجابة ملحة للأصوات الكثيرة التي ارتفعت مطالبة بتخلي الدولة (الديمقراطية) عن إرث الماضي التعسفي، وتنفيذ التزاماتها الدولية المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية واقتصاديات السوق، حيث أشار دستور البلاد الجديد، إلى إدخال المزيد من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمشاركة الحزبية والشعبية في النظام السياسي.
ويعتبر الرئيس الراحل صابر مراد نيازوف، الذي تولى منصب الأمين العام للحزب الشيوعي في تركمانستان، إبان العهد السوفياتي السابق، ومن بعده أول رئيس للدولة الجديدة المستقلة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991، الذي استطاع أن يبني مجده السياسي والاقتصادي على حساب إرادة ومستقبل شعبه في التمتع بالحرية والديمقراطية والحياة الاقتصادية الكريمة، نموذجا للحكام الطغاة والمستبدين الذين ظلوا يحكمون شعوبهم بقوة الحديد والنار، من دون أي اكتراث بالعواقب المحتملة لإسقاطهم من عروشهم وأبراجهم العاجية.
وبعد أن جعله البرلمان الذي يدين له بالولاء المطلق، الرئيس الأوحد لحكم البلاد مدى الحياة، استفرد نيازوف بصنع جميع قرارات الدولة والمجتمع، وشجع على تكريس صورة عبادة الفرد، التي استلهمها من فكر وأساليب المنظومة الاشتراكية المنهارة، التي دأبت على تمجيد شخوص الأمناء العامين في الأحزاب الشيوعية الحاكمة، وجعلهم بمثابة الأساطير المقدسة، أسبغ نيازوف على نفسه نوعا من أنواع القدسية الخاصة، التي يمكن أن تميزه عن سائر الناس، فلقب نفسه بـ»قائد الأمة وزعيمها» وصار يتصرف بحكم البلاد والعباد كما لو أنه وحي مرسل من السماء لكي ينقذ شعبه ووطنه من جميع شرور الدنيا، وتماديا في هذا الشأن، أصدر نيازوف أوامره لنصْب تماثيل له في كل ساحة ومنطقة من مناطق البلاد، على غرار تماثيل الرؤساء والعلماء العظام، وعمد إلى تغيير بعض أسماء الأسبوع وأشهر السنة، باسمه وأسماء أفراد عائلته، وأطلق اسمه على أحد موانئ البلاد البحرية وعلى حجر نيزكي وعلى نوع من أنواع الخيول الأصيلة، متجاهلا بذلك كل الأعراف والعادات والقيم الإنسانية والأخلاقية وجميع الانتقادات الصارخة التي وجهت لنظام حكمه الاستبدادي، من جميع المنظمات الديمقراطية والحقوقية الدولية.
وأثارت سياسات الرئيس نيازوف، الذي ظل دائما يقمع بها إرادة شعبه في الديمقراطية وحقوق الإنسان، ورفض الاعتراف بوجود معارضة سياسية ومعتقلين سياسيين وانتهاكات لحقوق الإنسان في تركمانستان، تلك الجمهورية الفتية في آسيا الوسطى الغنية بالنفط والثروة المعدنية الهائلة، والذي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة، ردود أفعال محلية وإقليمية ودولية مؤيدة لإحداث تغييرات حقيقية وجوهرية على الأنظمة الاستبدادية القائمة في البلاد، تمشّيا مع كل المعايير الدولية بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وعلى رغم وجود ثروات نفطية ومعدنية واسعة يمكن لها أن تجعل من جمهورية تركمانستان، أحد نمور الاقتصاد القوي في آسيا الوسطى، فإن شعب هذا البلد لايزال يعاني من شظف العيش اليومي ويكابد من أجل كسب لقمة العيش، حيث تهدر ثروات البلاد على ملذات الحاكم وكبار المسئولين، وحيث أرسى نظام الرئيس الراحل صابر مراد نيازوف، دعائم دولة الاستبداد ورفض الآخر، من بقايا أساليب النظام الشيوعي الشمولي والإقطاعية الغابرة.
ولكن الوضع الجديد الذي عكسته محاولات البرلمان، الداعية لتعزيز بعض الإصلاحات، والقاضية بازالة أسم الرئيس نيازوف من نشيد الدولة ووقف انتهاكات حقوق الإنسان والانفتاح على العالم المتمدن، أكدت بصورة واضحة، على إمكان الرغبة الرسمية والشعبية تجاه الخلاص من عبادة الفرد وكل آثار الحقبة السيئة من تاريخ نيازوف، الرجل الذي أحكم سيطرته على البلاد بقبضة فولاذية، وقضى على أحلام وتطلعات شعبه بمستقبل أفضل.
ولم تكن حالة نيازوف، وحدها التي يتميز بها رئيس ظل يحكم بلاده وشعبه بالحديد والنار طوال أكثر من عقدين من الزمن، فهناك المئات من حكام الأنظمة الاستبدادية القمعية، مازالوا يتصرفون في شئون مجتمعاتهم وأوطانهم، على أساس أنهم وحدهم فقط زعماء الأمة وقادة الوطن وأن الآخرين هم مجرد قطيع من الأغنام يرعون تحت مظلة عروشهم، فباتت شعوبهم اليوم في زمن التحولات الديمقراطية وحقوق الإنسان التي غزت العالم برمته، مهجوسة بمكاشفتهم ومحاسبتهم وضرورة الخلاص منهم، ومن موروث حكم أنظمتهم الاستبدادية القمعية