المساواة بين الجنسين… الشرق لايزال يحلم
يصر معظم حكام الدول النامية، الذين لم يحترموا حتى أبسط مبادئ الديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان، على أن أنظمتهم السياسية والاجتماعية تمكنت من تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في مختلف مواقع الحياة العامة في المجتمع، ولم ينقصهم سوى اعتراف الآخرين بـ «النماذج الإنسانية الحية» التي كرست في أنظمتهم ودساتيرهم الوطنية، ولكن تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، وهو مؤسسة أبحاث دولية مقرها في الاتحاد السويسري الصادر في 12 أكتوبر/ تشرين الثاني 2008 والذي اعتمد نحو 14 معيارا لتقييم الدول في العالم بشأن ممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، يدحض بما لا يدع مجالا للشك مثل هذه الادعاءات، ويؤكد أن هناك فوارق اجتماعية واضحة مازالت قائمة بين الجنسين (الرجل والمرأة) وبخاصة في دول العالم النامية، من حيث تولي المناصب السياسية العليا وعمليات صنع قرارات المجتمع.
وعلى رغم أن التقرير أكد على وجود مستويات واضحة وجلية من المساواة بين الجنسين في التحصيل العلمي والرعاية الصحية وبعض فرص المشاركة في قوة العمل وقطاع الأعمال والتجارة الحرة، إلا أنه اعتبر الفجوة عميقة بين الجنسين على المستوى السياسي، من حيث تقلد النساء هرم السلطة في الكثير من الدول حول العالم، وبخاصة البلدان النامية التي مازالت تنظر إلى المرأة على أنها فقط مجرد سلعة أو إحدى أدوات التسلية للرجل.
ووفقا لنتائج التقرير، فقد تصدرت الدول ذات الأنظمة الديمقراطية والدستورية المتقدمة التي شددت نظمها وقوانينها ودساتيرها على المساواة بين الجنسين، مثل السويد والنرويج والدنمارك وفنلندا وايسلندا ونيوزيلندا وألمانيا وإسبانيا وهولندا ولاتفيا، لائحة الدول العشر الأفضل في العالم، فيما جاءت الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة السابعة والعشرين وكندا في الترتيب الحادي والثلاثين. وبالنسبة إلى القارة الآسيوية، فقد تبوأت الفلبين المرتبة السادسة في اللائحة، وهي الدولة الوحيدة في هذه المنطقة تدخل ضمن أفضل عشرين دولة في العالم من حيث تحقيق المساواة بين الجنسين في ميادين التعليم والرعاية الصحية، ثم سيريلانكا في المرتبة الخامسة عشرة في سجل المساواة بين الجنسين والسابعة من جهة المشاركة السياسية، حيث تحتل المرأة السيريلانكية منذ أكثر من 21 سنة مضت مناصب سياسية عليا في السلطة، فكانت السيدة سيريمافو بندرنايكه المرأة الحديد، قد قدمت نفسها أول رئيسة وزراء في العالم ورئيسة سابقة لدول عدم الانحياز، التي ظل يفتخر بها الشعب السيريلانكي كامرأة أنجزت دستور البلاد الأساسي، ورفضت أن تبقى بلادها واحدة من ضمن دول الكومنولث الخاضعة لنفوذ التاج البريطاني.
وقد لاحظ التقرير، الأهمية الخاصة التي توليها دول متحررة من قيود التعصب على أساس الجنس أو اللون أو الدين أو اللغة، مثل السويد والنرويج والدنمارك وفلندا، التي تسارعت فيها وتائر التطور في مجالات حقوق الإنسان، حيث تعيش شعوب هذه الدول حياة الرفاهية المفرطة والأمن والاستقرار والمساواة الحقيقية بين جميع أفراد المجتمع من دون تمييز أو تفضيل.
ففي السنوات الأخيرة بلغت المساواة بين الجنسين في السويد مراحل متطورة ومتقدمة بفضل السياسات الحكومية الهادفة لمنع التمييز في المجتمع وتهيئة المناخات الملائمة للرجل والمرأة في التمتع بنفس القوة في الحياة العامة. وصنفت معظم تقارير الأمم المتحدة للتنمية، المملكة النرويجية على إنها الدولة الأفضل في العالم من حيث المساواة بين الجنسين، فالمعروف أن النساء في النرويج يشكلن نصف عدد السكان في البلاد، وأن المرأة هناك استطاعت أن تحقق التوازن المتساوي مع الرجل في مناصب السلطة السياسية العليا ومختلف إدارات الدولة والمجتمع. وفي الدنمارك خاضت المرأة الدنماركية معارك قاسية من النضال في سبيل الحصول على المساواة مع الرجل استمرت زهاء مئة عام من الزمن، وقد نجحت في ذلك، بعد حصولها لأول مرة على المساواة في الأجر والعمل مع الرجل، حيث صدر قانون بهذا الشأن في العام 1973، وزيادة في المساواة بين الجنسين، صدر قانون آخر بعدم تفضيل الرجل على المرأة في العمل والوظائف العامة في مختلف مؤسسات الدولة الرسمية أو المدنية، ومنذ سنوات بعيدة لعبت المرأة الدنماركية دورا بارزا وطليعيّا في المشاركة السياسية في الحكومة والبرلمان وقيادة الأحزاب السياسية (معظم قادة الأحزاب السياسية الدنماركية في الوقت الراهن هن من النساء) والعمل التطوعي في مختلف منظمات المجتمع المدني. وأما في فنلندا فقد حققت المرأة الفنلندية خطوات واسعة ومهمة على طريق المساواة مع الرجل منذ عدة عقود من الزمن، حيث اقتحمت بدءا من العام 1864 كل مجالات التحرر والحياة العملية العامة، وشغلت ما يقارب من نصف المناصب الرسمية والأهلية مناصفة مع الرجل، قبل أن تظهر التعديلات الدستورية التي طرأت على قوانين المساواة بين الرجل والمرأة في مجال العمل، التي حددت نسبة النساء في المجالس والإدارات البلدية واللجان الحكومية المختلفة بـ 40 في المئة فقط. ولكن المرأة الفنلندية دائما تحصل على حقوقها بعد نضالات شاقة ومضنية، ففي العام 1991، فازت بمقاعد البرلمان الفنلندي 77 امرأة من مجموع 200 عضو برلمان، حيث شكلن من خلال هذا العدد الكبير منهن شبكة نساء فنلندا عضوات البرلمان، تعني بطرح مطالب الحقوق المتساوية بين المرأة والرجل في المجتمع الفنلندي.
ولكن بخصوص أوضاع المرأة في الشرق الأوسط ومنطقة جنوب آسيا، تشير مختلف الدراسات إلى أن هذه المنطقة تعتبر الأكثر والأهم، التي يتولى فيها أكبر عدد من النساء زمام الأمور السياسية العليا قياسا على كل أنحاء العالم، إلا أن هذه الظاهرة لم تترك أية آثار واضحة على مصير المرأة في مجتمعات مازالت متنامية وتسود فيها قيم الذكور والسيطرة الطبقية الأبوية.
ففي سيريلانكا، كانت تتولى السلطة فيها على التوالي امرأتان رئيسة الوزراء ورئيسة الدولة، وفي باكستان وبنغلادش البلدين المسلمين في المنطقة كانت تتولى السلطة أيضا امرأتان هما الراحلة بنازير بوتو في باكستان والبيغوم خالدة ضياء، وفي الهند كانت هناك رئيسة الوزراء الراحلة انديرا غاندي التي اغتيلت على يد أحد المتطرفين الهندوس. وفي تصريح لوسائل الإعلام، قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة (1995) راد هيكا كوماراسوامي، أن عامل السلالة الحاكمة هو الذي أتى بهؤلاء النسوة إلى السلطة، حيث إن الثقافات في آسيا تتقبل النساء العظيمات وتمجد الأمهات، وبذلك تقبل النساء تولي السلطة، أما عدا ذلك فلا حقوق لهن في مجتمعاتهم، وأضافت أن عامل السلالة والعنف السياسي داخل السلالات الحاكمة هو الذي حمل النساء إلى هرم السلطة في هذه المنطقة.
وعلى الرغم من أن منطقة جنوب آسيا تتميز بأنها أنجبت أكبر عدد من النساء على سدة الحكم في المنطقة، إلا أن ذلك لم يؤثر تأثيرا بالغا بتحسين ظروف حياة المرأة، حيث إن ملايين النساء ممن يعملن في القطاع الزراعي والمصانع التقليدية والمهن اليدوية العادية في هذه البلدان لا يتمتعن بنفس مستوى الرجل، وهن يكسبن أقل من الرجال ويتعرضن إلى مخاطر أكبر، حيث نادرا ما تعاقب القوانين بالسجن على عمليات الاغتصاب والعنف الجسدي والنفسي التي تتعرض له المرأة في هذه المناطق.
ونحن في الوطن العربي لاتزال أمامنا طريق طويلة وشاقة من أجل بلوغ هذا التحدي الذي أوصل بلدان الغرب التوجه الإنساني ذاته إلى تصدر لائحة الدول في العالم من حيث مراعاة حقوق الإنسان. فما أظهره التقرير من حصول السعودية واليمن على المرتبة الأخيرة بشأن المساواة بين الجنسين، وما أظهرته أيضا تقارير أخرى حول تخلف التعليم (100 مليون شخص أمي) والرعاية الصحية في الوطن العربي، يبعث بالفعل على القلق، ويستدعي التدخل السريع الحكومي والشعبي لمعالجة كل أسبابه الجوهرية. وتتفق عدة آراء على أن تطوير وتعزيز مشاريع التنمية والتربية والتعليم والثقافة، هو الذي يمكن أن يغير من مسارات هذا الواقع المؤلم، لكن المهمة ستكون شاقة وعسيرة بالنسبة إلى الدول التي مازالت تعتبر المرأة مخلوقا قاصرا بالنسبة إلى الرجل وتتذرع بالعادات والتقاليد والقيم الروحية والدينية، من أجل فرض القيود على حق المرأة وتمتعها بالحياة والمساواة مع الرجل