ضحايا العنصرية في أميركا والغرب… هل من تغيير؟
في استطلاعات الرأي التي أجرتها بعض مراكز البحوث في الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة، عن العنصرية والكراهية حيال الأقليات القومية والعرقية والدينية في تلك البلدان، ونشرت نتائجها بعض الصحف الوطنية والعالمية على حد سواء، أبانت اتساع مشاعر العداء والكراهية المفرطة في القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية ضد هذه الأقليات وبخاصة ضد العرب والمسلمين وحتى اليهود.
وبحسب ما نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية في عددها الصادر في 19 أيلول/ سبتمبر 2008، أن محللين في «مركز بيو للبحوث»، كشفوا عن أن الآراء بشأن المسلمين في غالبية الدول التي شملتها استطلاعات الرأي في البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، كانت أكثر سلبية منها الى اليهود في العالم، فقد أظهرت تلك الاستطلاعات، أن واحدا على الأقل من أربعة أشخاص من الأميركيين والبريطانيين يعلن حقده وكراهيته للمسلمين، في الوقت نفسه الذي أبدى فيه كل الأشخاص المستطلعة آراؤهم في هذين البلدين، عن مشاعر أقل نسبة نحو العداء والكراهية للسامية.
ولكن مشاعر العداء والكراهية بالنسبة إلى العرب والمسلمين بشكل عام، تتسع بصورة رهيبة ومخيفة وخاصة عندما يجري الحديث عن قضية فلسطين والأراضي العربية المحتلة، واستمرت هذه المشاعر العدوانية تحث الخطى بوتائر أسرع بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، في الولايات المتحدة الأميركية، حيث أصبحت صورة المسلمين والعرب، تشكل كابوسا يخيم على كل هذه المجتمعات الغربية والأميركية، فأصبح اسم العربي والمسلم، عبارة عن كلمة سيئة ومرادفة للإرهاب والعنف والتعصب والتخلف والجهل، الذي لا يمكن التعايش معه، والتحاور معه بغير ترويضه وتغييره بالقوة والردع.
ووفقا للتقرير السنوي الأوروبي للعام 2007، الصادر عن منظمة الديمقراطية وحقوق الإنسان في أوروبا، فإن اشتداد وطأة العنصرية والشوفينية والنازية الجديدة ضد مختلف القوميات الأجنبية والأقليات العرقية والدينية في المجتمعات الأوروبية والمجتمع الأميركي، التي يفترض أنها الأكثر التصاقا بقيم الإخاء والتسامح والتعايش المشترك والحرص على مبادئ الديمقراطية وحكم القانون ومراعاة حقوق الإنسان، بعد معاناتها من ويلات الحروب والتناحر الداخلي، أخذت تتسع بشكل كبير وخطير، ليس فقط على مستوى المجتمع، بل أيضا بين مختلف الأوساط السياسة والثقافية والفكرية، فقد أكد التقرير حدوث مداهمات واعتداءات جسدية وأعمال تخريب استهدفت بأشكال واضحة منازل ومناطق وأحياء تسكنها جاليات أجنبية، يقصد منها زعزعة الاستقرار والأمن والتعايش السلمي بين المواطنين والمقيمين في كل هذه المناطق، بحيث شملت هذه الاعتداءات الكثير من رعايا الدول الإسلامية واليهود وحتى المسيحيين ومعتنقي الديانات الأخرى في هذه الدول.
وتفيد معظم المصادر الإعلامية الأميركية والغربية، أن هذه الممارسات المثيرة للخوف والقلق في المجتمعات الغربية وفي المجتمع الأميركي، تحركها إضافة الى بعض المسئولين الحكوميين وقادة الأحزاب السياسية اليمينية العنصرية والشوفينية، أعداد لا يستهان بها من المثقفين والمفكرين والمتخفين وراء مظاهر الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، الذين ما برحوا يحركون الشوارع ويحرضون المواطنين ويوظفونهم للترويج لأفكارهم ومعتقداتهم غير المتسامحة مع فكر ومعتقدات الآخر.
فقد كانت هناك منذ وقت بعيد، علاقات بالغة التعقيد والصعوبة، بين من يعتقدون أنهم المواطنون الأصليون والمميزون عرقيّا، وبين الوافدين الأجانب القادمين من أجل البحث عن الأمن والاستقرار والسعادة الاجتماعية في جنة الغرب الاقتصادية الغنية وفي قلب المركز المالي العالمي في الولايات المتحدة الأميركية، كرست بصورة أو أخرى صورة الإنسان المغترب الباحث عن الاستقرار وكسب لقمة العيش، وبخاصة الإنسان العربي والمسلم، في مختلف وسائل الإعلام، على أنهم مبعث القلق والعنف والإرهاب، بل وإنهم بحسب هذا التصور، باتوا يشكلون العقبة الأقوى أمام التوجهات نحو التقدم والتنمية ليس فقط في أميركا والغرب، بل أيضا في العالم برمته، ولذلك يجب عليهم اليوم مقاومتهم والتصدي لهم.
وتقول مصادر غربية، أنه حتى المثقفين والمفكرين الذين يفترض فيهم القيام بلعب دور الموجه والمرشد نحو القيم الأخلاقية والإنسانية، أصبحوا في هذا الوقت يتصرفون بأكثر عدوانية في نظرتهم الى الأقليات القومية والعرقية والدينية، مع بيئات سياسية واجتماعية عنصرية وشوفينية ونازية واضحة، وأشارت الى بعض ما تناوله الكاتب الصحافي الأميركي المعروف على المستوى العالمي قبل عدة سنوات مضت، نورمان ميللر، الذي قال في إحدى المقابلات مع مجلة «أسكير» الأميركية، أن «العرب المسلمين» لم يحظوا في يوم مَّا بتكوين أية سلطة سياسية أو دينية على المستوى العالمي خلال أكثر من ألفي سنة، فقد عاش العرب كل ذلك الوقت في صحراء قاحلة، معزولين عن بقية العالم، ولم يقاتلوا يوما من أجل شيء واقعي وملموس، حتى وقت قريب جدّا، عندما تفجرت ينابيع النفط في أراضيهم، وراحوا يصدرون هذا النفط الى العالم.
ويضيف، لقد تعلم العرب مختلف أساليب الغش والخديعة والمكر وتشويه الحقائق القائمة، وبالإضافة الى ما كان يقوله نورمان ميللر، تجاه تجريحه ونقده للعرب، هناك العديد من المثقفين والمفكرين المتعصبين، الذين مازالوا يرمون العرب بالنعوت السيئة والذميمة، ويتهمونهم بتعاطي الكذب والخداع والمكر والنفاق وتصدير الإرهاب ونكاح المحرمات والشبقية الجنسية المفرطة ومحاربة الآخرين بالقوة والعنف.
كما أن هناك أيضا أعدادا لا تحصى ولا تعد، من المواد الدعائية والإعلامية، التي تصف العرب بأنهم أمة إرهابية لا تكل ولا تتعب عن مواصلة الحرب ضد الكفرة المارقين، ففي مقال للكاتب الأميركي لوبير فريدمان، منشور في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في العام 1993، تحت عنوان: «لماذا تقوم نساء فلسطين بممارسة القتل؟» حيث سأل الكاتب، كيف يحق لنساء غزة القيام بعمليات انتحارية مجنونة ضد آخرين، حيث ربط ما وصفه بـ «الانتحار المجنون» في فلسطين، بثقافة القتل والحروب والإرهاب، التي أرست دعائمها الأمة العربية والإسلامية منذ مهد النبوة الإسلامية المحمدية وحتى الآن، متجاهلا ومتنكرا لحقائق النضال الوطني والقومي ضد الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وممارسة الاضطهاد والقمع وإرهاب الدولة تجاه المواطنين العرب في فلسطين.
ويؤكد غالبية السياسيين الاستراتيجيين وبعض المثقفين الأوروبيين والأميركيين، مخاطر القوى الأجنبية الغريبة على مجتمعاتهم المسالمة، ويزعمون أن عاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم ودياناتهم، تواجه الخطر وهي ربما في طريقها الى الاندثار، إذا ما استمرت طلائع المهاجرين القادمين من الشرق العربي والإسلامي تقتحم قلاعهم، وذلك كله لتبرير، تشديد الرقابة على الحدود الدولية لمنع المهاجرين من الوصول الى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وتضييق هوامش الحريات العامة على الأقليات المغتربة في تلك البلدان، على رغم زعمها بوجود التعايش المشترك والأنظمة الديمقراطية الدستورية والمجتمعات المدنية التي تحمي وتصون الحريات.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم وفي أعقاب التغيرات الجديدة في الولايات المتحدة الأميركية، التي أوصلت المرشح الديمقراطي من أصول إفريقية باراك أوباما، وهو أحد أبناء المهاجرين الأفارقة في أميركا، إلى سدة السلطة في واشنطن، ما يرمز بذلك الى تخطي حقبة طويلة من الزمن دامت قرابة قرنين، ظل يعاني منها السود والملونون في أميركا، مختلف صنوف التمييز من العبودية والاضطهاد مرورا بالحرمان والفقر المدقع، قبل أن يهبُّوا في ثورة عارمة في مختلف الولايات الأميركية تشابكت خلالها أيادي السود مع البيض المؤمنين بالمساواة الاجتماعية والتحرر، ووقف فيها القس مارتن لوثر كينغ، لأول مرة في تاريخ أميركا مناديا بإصدار قانون يكفل العدالة والمساواة الاجتماعية لكل مواطن أميركي بصرف النظر عن لونه أو جنسه أو دينه، وصولا اليوم الى مرحلة جديدة وشراكة جديدة ليس فيها تمييز على أساس اللون أو العرق أو الدين، هل ستحظى الأقليات القومية والعرقية والدينية المهاجرة الى الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وحتى بالنسبة الى بلداننا العربية والإسلامية التي تخالط مجتمعاتها بضع أقليات عرقية واثنية ودينية، بتحقيق الشراكة الحقيقية الكاملة مع مجتمعات هذه الدول؟ أم أن ذلك سيكون مجرد ظاهرة عابرة، يمكن أن تعترض طريقها حركات التعصب القومي والمذهبي والطوائفي، الذي قد ينطلق من وجدان القوى المهزومة والمنغلقة على كل شيء؟