فرصة أخرى مأمولة

في 22 سبتمبر/ أيلول 2009 أجرت صحيفة «الوسط» مقابلة مع الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) إبراهيم شريف السيد، اشتملت على الكثير من المحاور المفصلية بشأن المسألة السياسية في الساحة البحرينية، والأسباب التي حاولت تقويض العمل السياسي المشترك لقوى المعارضة الوطنية والإسلامية، وغيرها من هموم الشارع البحريني، ولكن أخطر ما جاء في هذه المقابلة هو ما اعترف به أمين عام (وعد) وهو أحد الذين ساهموا في التحالفات الوطنية السابقة المنهارة التي تبنتها جمعيات المعارضة السياسية منذ إقرار ميثاق العمل الوطني، وتحويل دولة المراقبة الأمنية إلى مملكة دستورية في العام 2002، بأن قوى المعارضة والتغيير في البلاد «تعيش حالة ضعف شامل» في حراكها السياسي، ربما لم يسبق له مثيلا منذ انهيارتحالف المؤتمر الدستوري، قبل ثلاث سنوات، وتعثر مبادرة المصالحة والحوار الوطني الذي أطلق عنانها الناشط السياسي البارز الأستاذ عبدالوهاب حسين قبل نحو عام من الآن.

فبعد الإخفاقات المتكررة بشأن تنسيق العمل السياسي المشترك بين الجمعيات السياسية وعدد من الشخصيات الوطنية والإسلامية المستقلة، المعارضة للسياسات الحكومية الخاطئة، والمطالبة بتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار السياسي، وتقليص الطابع المركزي للحكومة سواء على الصعيد الوطني أو الدولي، منذ مبادرة الوحدة الوطنية الذي قادها المناضل الوطني الرمز عبدالرحمن محمد النعيمي – شافاه الله وعافاه – في ظل مرحلة التغيير في البلاد، بعد عودته من المنافي القسرية، مرورا بالتحالف السداسي والرباعي والمؤتمر الدستوري، وأخيرا المبادرة المعطلة للناشط السياسي عبدالوهاب حسين، أصيبت المعارضة ومختلف قوى التغيير بالإحباط والشلل والانغلاق والتخندق وتفكيك التحالفات، وذلك نتيجة قصور الرؤية وتكريس وتعزيز ثقافة التهميش والإقصاء وأنانية الذات والطموح الأوحد للصعود السياسي وربما لقيادة جزء أو كل الساحة الوطنية، وصارت الجمعيات السياسية المعارضة بعد قصور دورها وتفكيك تحالفاتها وابتعادها الملموس في الفترة الأخيرة، عن محاكاة هموم الشارع، وطرح مشروع وطني متكامل يجمع من حوله مختلف فئات وشرائح وطوائف المجتمع، صارت مثل أي مؤسسة من مؤسسات النفع العام المسجلة تحت مظلة قانون الجمعيات في وزارات العدل والشئون الاجتماعية والمؤسسة العامة للشباب والرياضة، وتمارس نشاطاتها السياسية والثقافية والفكرية وحتى التنظيمية، في أجواء مراقبة وترصد، ومن دون أية طموحات كبيرة، وبلا أي مشروع وطني مشترك ومتوافق عليه، وبلا أية أحلام كبيرة يمكن أن تحقق للناس الكرامة والديمقراطية والحرية، التي استشهدت من أجلها أجيال من شعب البحرين، وبانتظار ما ستأتي به الأيام المقبلة من وقائع جديدة.

لعلها حالة الانكسار والضعف الشامل، بل الخسارة التي لم يتجرأ أحد من الجمعيات السياسية المعارضة، أن يعترف بها حتى الآن، وبالتالي مازال المتعطشون من المواطنين، إلى التغيير الحقيقي في الدولة والمجتمع، ينتظرون من يتحمل مسئولية الدفاع عن حرية وكرامة المواطن وتحقيق أحلامه في الحياة، ويؤسس مشروعا وطنيا جديدا للمعارضة يكون مختلفا عن كل مشاريعها التي لم تجد نفعا في المراحل السابقة.

فهؤلاء الذين كانوا بالأمس، يراهنون على مشروع قاصر المعالم للإصلاح والتغيير، ويعدون الناس بإصلاح الخلل من الداخل، نجدهم اليوم يتباكون ويذرفون دموع التماسيح على (اللبن المسكوب) وضياع الفرص السانحة لتوحيد ليس فقط (التيار الديمقراطي) الذي ظل يشهد طوال عدة عقود من الزمن تناحرات صارخة ومواقف تسفيه عقائدية وسياسية كثيرة منذ أيام النضال السري، بل أيضا تيار المعارضة برمته الذي يشمل مختلف الأطياف الوطنية والإسلامية، ويعترفون بصعوبة إيجاد الأطر الحقيقية القوية والراسخة، ويصعدون الشكوى ويتألمون من ابتعاد عدد كبير من النشطاء السياسيين التاريخيين والمعروفين في الساحة الوطنية، عن ممارسة النشاط السياسي، ومن قلة الكوادر المتخصصة والمتفرغة للعمل السياسي، ومن تعقيدات الملفات المطروحة والتي لم تنجز منها أية قوة معارضة سواء كانت في داخل البرلمان أو من خارجه، أي شيء يذكر، سوى الجعجعات التي تتعالى في أجواء الندوات السياسية والحقوقية والبيانات والخطابات وغيرها، هؤلاء هم أنفسهم يعرفون حقيقة ما يجري على أرض الواقع، من انتهاكات للقيم الديمقراطية والقانونية والدستورية، ولكنهم لا يستطيعون تحريك ساكن، لأنهم مازالوا مصرين على العناد ويرفضون نصائح أصدقائهم المخلصين وتسيطر على عقولهم وأفكارهم ثقافة التسلط والانغلاق على الذات وليست ثقافة التفاعل والحوار المجدي وقبول الآخر، وأكاد أن أقول أن أسباب هذا الانحدار في العمل السياسي المعارض، تعود بالدرجة الأولى والأخيرة، إلى خيارات البعض بعدم قبول الآخر ورفض التحاور معه والإصرار على نبش حساسيات الماضي وعدم تقديم التنازلات، هذا ناهيك عن وجود المعارضة الفاعلة والمقاتلة، التي لا ينقصها بذل التضحيات الكبيرة ولا تغريها المغريات، وحقيقة الأمر إنه عندما اتضحت معالم ذلك الانحدار وتفككت كل التحالفات الهشة أصلا، واختصرت كل مظاهر الانتهازية والإقصاء والتهميش حياة المعارضة، قلت نسبة الكوادر المتخصصة والمتفرغة للعمل السياسي، وانكفأ عدد كبير من النشطاء السياسيين المعروفين، فمنهم من ذهب إلى الإحباط واليأس وضعف الحيلة ومن ثم الابتعاد عن السياسة، ومنهم من اختار الذهاب للعمل في مختلف وظائف الدولة الرسمية.

ولكن ليس هناك شيء مستحيل، في تغيير ثقافة الاختلاف والإقصاء والتباعد، فإذا ما توافرت النوايا الصادقة لدى جميع قوى المعارضة والتغيير في البلاد، فإن تحالفات جديدة يمكن أن تشكل فرصة حقيقية لبداية استعادة الثقة المفقودة أصلا بين جمعيات المعارضة، تفتح طريق المصالحة والحوار المسئول الذي يعتمد على برنامج عمل وطني مشترك يتم التوافق عليه من جميع الجمعيات السياسية والقوى الوطنية والإسلامية والحقوقية المؤثرة، يجب أن يكون جديا ويشكل الفرصة المأمولة للاستفادة من كل الدروس الفاشلة والمهزومة التي مرت بها جميع التحالفات في السنوات والفترة السابقة، لأن هناك رغبة شعبية جامحة ومستمرة وتواقة لنجاح أي تحالف وطني قوي وموحد وقادر على تحمل المسئولية ومواجهة التحديات، ومطالبة السلطة بمعالجة مختلف القضايا الحساسة والملفات الساخنة، لأن الناس سأمت تكرار الأقوال، وتريد الآن الأفعال التي تحقق لها الأمن والاستقرار والعيش المشترك وفرص العمل والحياة الكريمة، ولذلك يطالب الجميع – ونحن منهم – بأن تدرك قوى المعارضة والتغيير، كل هذه الحقائق الوطنية الكبيرة، وتشد القوة والعزم نحو تحقيق وحدة وطنية رائدة تخدم مصالح الناس وتتفهم إرادتهم وصمودهم وطرح مطالبهم الوطنية العادلة

Loading