الشرطة… في خدمة النظام السياسي
قبل عدة أسابيع، قامت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بطرح سؤال للنقاش، عبر موقعها الإلكتروني باللغة العربية، حول مدى شعور المواطن حول العالم، عندما يشاهد رجل الشرطة يقترب من أمامه هل يخيفه أم يحميه، وهل يعتقد أن إساءات الشرطة ظاهرة منتشرة في الوطن أم أن وسائل الإعلام تركز عليها؟
وبحسب نتائج التصويت التي مثلت شبه اجماع من قبل المواطنين العرب، كانت الأرقام مذهلة، التي تشير إلى خوف وقلق المواطن العربي عندما يشاهد رجل الأمن ويشعر بالإساءة منه لا لشيء، بل لأن صورة «الشرطي» في نظر وعقل المواطن العربي، أصبحت مهابة ولا تمثل سوى أداة للقمع والمراقبة والملاحقة والتعسف، وليس لحماية الناس في بلدان لاتزال أنظمتها السياسية تضرب بعرض الحائط كل الأنظمة والقوانين والشرائع الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وتقيم الحواجز الفولاذية بينها وبين المجتمع برمته.
ولا تقتصر الإساءات والمخالفات القانونية الفاضحة من قبل الأجهزة الأمنية المكلفة بحماية أمن المواطنين وصيانة حقوقهم، على دولة عربية من دون أخرى، حيث إن هناك تقارير عدة لمنظمات حقوق الإنسان العربية والدولية، تكشف عن وجود ممارسات منهجية للتعذيب والمطاردة والتنكيل بحياة المواطن على أيادي رجال الشرطة.
قال أحد المواطنين العرب، أن أجهزة الأمن في بلاده، أصبحت إحدى الأدوات القمعية المخيفة للشعب وليست مؤهلة لحمايته، وهناك الكثير من المواطنين، ممن يخاف أن يدخل أحد أقسام الشرطة حتى لإنجاز مهمة مدنية.
ويضيف آخر، أن الشرطة العربية هي قمة في تجاوز قوانين حقوق الإنسان، المكلفة بمراعاتها، لأنها هي نفسها تعاني الأمرين من ظلم واستبداد الأنظمة الحاكمة.
النتائج التالي أظهرها الاستفتاء، تقرر أن شعار الشرطة في خدمة الشعب، التي ما برحت تتفاخر به غالبية الأنظمة السياسية في الوطن العربي، أصبح مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي، أمام حكومات وشعوب العالم. وبدلا من أن يراه المواطن واقعا ملموسا، بات وحده هدف الأنظمة السياسية المتفردة بصنع القرار، أمّا ما عدا ذلك فلم يعد سوى ترهات يقولها الناس من أجل التشهير بالأنظمة «الشرعية» القائمة في البلاد، التي لم تعد تؤمن بأبسط حقوق المواطنة المشروعة.
هذه النتائج أصبحت بكل تأكيد عملية تؤرق كل الأنظمة السياسية العربية وغيرها، التي مازالت أجهزتها الأمنية تتلاعب بأعصاب الناس وتفرض قبضتها الطاغية على المجتمع.
بيد أن قلق الشعوب العربية من مظاهر التعسف العام، لن يقدم أو يؤخر في الأمر شيئا، حيث أن الأجهزة الأمنية التي يفترض أنها تقوم بالسهر على خدمة الناس واستتباب الأمن والاستقرار، جيّرت فقط لخدمة النظام السياسي القائم، واستخدمت لقمع من يعارضه في الداخل.
وفي كل حال، فإن قدرة أي نظام سياسي حاكم، على العمل من أجل استتباب الأمن والاستقرار وحماية الناس وصيانة حقوقهم، لم يعد ممكنا، من دون أن يطور قدرات خاصة بخلق وتنسيق مهمات الأجهزة الأمنية التي يمكن أن تكون بالفعل أداة للتعاون مع الشعب وتصب فقط في خدمته، بدلا عن أن تكون أداة لهذه وقمعه وملاحقته.
ففي الأنظمة السياسية المتقدمة التي تحترم وتراعي حقوق الإنسان، لم يعد المواطن هناك يشعر بالخوف والقلق أو الإساءة من رجال الشرطة، بل إنه يشعر بالاطمئنان عندما يرى رجل الأمن وهو يقوم بمساعدة الناس في ظل واجبه الوطني، حيث القوانين تشجع المجتمع على الاطمئنان من عمل الأجهزة الأمنية. فليس هناك من الشرطة من يسعى لجني أية مكاسب ذاتية على حساب المواطنين. أو أن يحاول أن يفرض هيبته على الناس من دون أي مبرر، وإذا ما شعر المواطن بخلاف ذلك من معاملة سيئة أو تصرفات مشينة من قبل الشرطة فإنه يمكن له أن يقدم شكوى قضائية إلى المحاكم لشعوره بأن الشرطة قد تخطت قوانين حقوق الإنسان ويطالب بمقاضاتها.
وأما في البلدان ذات التوجه الاستبدادي، فليس هناك بكل تأكيد أية أنظمة وقوانين تحمي المواطنين وتصون حرياته، سوى الإمعان في استخدام العنف والقوة المفرطة ضدهم، وخاصة عندما يتعلق الأمر بإقدامهم على كسب حقوقهم وطرح المطالب الوطنية.