المشهد العربي الصامت على مجازر غزة
بعيدا عن أحداث غزة الدامية المؤلمة، التي حصدت فيها الآلة العسكرية الإسرائيلية الغاشمة مئات الأرواح من المقاتلين والمدنيين الفلسطينيين الآمنين، إضافة إلى الدمار والخراب الشامل في المؤسسات الرسمية والأهلية نلقي نظرة خاطفة على المشهد العربي الصامت على هذه المجازر، لنرى أن هناك العديد من التناقضات السياسية المتأرجحة بين الانخراط في المشروع الأميركي – الإسرائيلي والاستئثار بالأوامر الأميركية المعلنة وغير المعلنة، وتبين كل المواقف الدولية الرسمية والشعبية المؤيدة والمساندة لكل ما يحدث في القطاع من إرهاب الدولة الإسرائيلية وخططها المستمرة لتصعيد المواجهة مع حركة «حماس» الحاكمة في قطاع غزة بدريعة شل أو تدمير قدرتها على إطلاق صواريخ القسام على المستوطنات اليهودية في جنوب فلسطين، وخاصة عندما أصرت مؤخرا على رفض قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1860) الداعي إلى وقف إطلاق النار، وقررت مواصلة الهجوم المسلح على قطاع غزة بحجة ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت: «إن إسرائيل لن تقبل أبدا أن يملى عليها من الخارج كيف تضمن حقها في الدفاع عن مواطنيها» وعلى رغم كل المواقف العربية التقدمية بالنسبة للنظام السياسي العربي، التي استنكرت أو أدانت بشاعة المجازر الإسرائيلية ضد العرب الفلسطيني، ومطالبة البعض بفتح باب التطوع أمام المواطنين العرب لكي يشاركوا مع أشقائهم في قطاع غزة لصد العدوان، إلا أن ذلك لا يمكن مقارنته بالأدوار الكبيرة والمشرفة التي لعبتها بعض الدول، الصديقة مثل تركيا وفنزويلا من حيث عملية الاستنكار والإسراع في طرح المبادرات الإنقادية التي يمكن أن توقف نزيف الدماء الجارف في تراب غزة، حيث هاجمت تركيا عمليات الإبادة الجماعية لشعب فلسطين وطرحت مبادرة جريئة لوقف إطلاق النار على رغم كونها عضوا في حلف الناتو. وقامت فنزويلا بقطع علاقاتها مع «إسرائيل» وطرد سفيرها في خطوة شجاعة من الرئيس شافيز لن ينساها له العرب والعالم التقدمي إلى الأبد الذي صار يتظاهر يوميا لنصرة فلسطين وشعبها. معبرا عن استنكاره لما يحدث في غزة من قتل وتدمير منهجي على أيدي الجنود الصهاينة، في الوقت نفسه الذي تتصدى فيه غالبية الأنظمة السياسية العربية الخروج بالمظاهرات المؤيدة لوقف العدوان. بحيث بلغ الأمر، أن تعجز هذه الأنظمة حتى عن عقد أية قمة عربية مصغرة أو موسعة لتدارك الموقف الخطير الذي يمكن أن يدمر غزة على رغم الدعوة التي تقدم بها الرئيس السوري بشار الأسد لعقدها في أي بلد عربي وبمن حضر.
وفي هذا الجانب أيضا لم ننس الدور الكبير والإنساني الذي لعبته إحدى المحاميات البريطانيات المدافعات عن حقوق الإنسان، التي طالبت المجتمع الدولي بالتصدي للعربدة الإسرائيلية ووقف العدوان في تراب غزة، ورفض دعوى قضائية في المحاكم البريطانية لمحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ووزيرة خارجية تسيبي ليفني وزير دفاعه إيهود باراك ولم تستثن هذه الدعوة وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط بتهمة ارتكاب جرائم بحق الإنسانية.
ومن جانبها أيضا، دعت المفوضة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي، إلى إجراء تحقيقات مستقلة وذات صدقية وتتسم بالشفافية بشأن الانتهاكات التي تحدث في قطاع غزة والتي قد تصل إلى حد جرائم الحرب مطالبة بضمان إجراءات المحاسبة على انتهاكات القانون الدولي.
المأزق السياسي العربي في هذا الشأن يتمثل في خيارين اثنين لا ثالث لهما: إما الوقوف مع المشروع الأميركي – الإسرائيلي في المنطقة، أو الوقوف مع المقاومة في قطاع غزة وعليه فإن الشعوب العربية اليوم وفي هذه المعركة الحاسمة مخيرة، هل هي مع المشروع الأميركي الذي يتطلع لتدمير الأرض والكيان السياسي في فلسطين والاستهانة والاستهتار بالأمة العربية والإسلامية وضربها وتحجيم دورها الطليعي نحو تحقيق السلام العادل والأمن والاستقرار والديمقراطية وحقوق الإنسان أم مشروع المقاومة الذي يطالب بالأرض المغتصبة وبطاقة الحقوق الفلسطينية المشروعة؟
وما هو واضح الآن في الجواب على هذا السؤال المشروع، هو أن الشعوب العربية والإسلامية وحكومات وشعوب العالم التقدمية كافة تقف اليوم في خندق المقاومة الباسلة في قطاع غزة، وأما الأنظمة السياسية الأخرى المتخاذلة فهي من دون أدنى شك تقف مع المشاريع الأميركية الإسرائيلية وتأتمر بأوامرها، حيث نلاحظ الآن أن رد الفعل العربي ليس بمستوى الحدث ومن المحتمل أيضا إذا ما اختبرت «إسرائيل» الرد العربي الضعيف والمتخاذل فإنها يمكن أن تقوم بارتكاب مجازر أخرى مضافة للمجازر القائمة الآن في قطاع غزة المنهكة.
وبصرف النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع حركة حماس في سياساتها وتوجهاتها الحالية فإن الواجب القومي والإنساني والأخلاقي يدفع الجميع بالوقوف إلى جانب المقاومة وتقديم الدعم المادي والمعنوي والسياسي لصد العدوان عنها وتحقيق رغبات الشعوب العربية والإسلامية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في هذه الحرب الغاشمة والمدمرة