الغرب والعالم الإسلامي… دعوة لتغيير الصورة
في مسعى يبدو أنه محاولة جيدة للتقارب وخلق فرص التعاون المشترك بين الغرب والعالم الإسلامي، من أجل تنمية الجوانب السياسية والثقافية والفكرية عبر حوارات مستقبلية عميقة يتم فيها تبادل خصب للأفكار نحو التخلص من السلبيات والتصدي لما يسمى بـ «الإرهاب الدولي»، الذي صار يجتاح القارة الأوروبية في السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد تصعيد حكومات الغرب والولايات المتحدة الأميركية حملاتها التشهيرية وخرق أنظمة حقوق الإنسان، ضد العرب والمسلمين حول العالم، في أعقاب حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، الشهيرة في الولايات المتحدة الاميركية، وحرب الرسوم المسيئة للنبي محمد (ص) في الدنمارك. دعا وزير الخارجية الدنماركية بيرتيغ موللر، في تصريح صحافي لوسائل الاعلام المحلية في 21 سبتمبر 2008 منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية، إلى إرساء المزيد من فرص التعاون المشترك مع الدول الغربية لوقف ما وصفه بـ «الارهاب الاسلامي»، من خلال تقديم المساعدات المادية والمعنوية للدول العربية والإسلامية الذي يفترض أنها «ترعى الارهاب» من أجل مواجهة هذه الظاهرة السيئة ومحاربتها، ونشر التوعية بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
جاءت هذه الدعوة على خلفية العملية الانتحارية التي وقعت في العشرين من سبتمبر/ أيلول 2008، بفندق ماريوت في باكستان وأسفرت عن مقتل 60 شخصا على الأقل من بينهم السفير التشيكي، وأحد عناصر المخابرات الدنماركية الذي اعتبر في عداد المفقودين، حيث شدد الوزير بيرتيغ موللر، على أهمية هذا التعاون المشترك بين الغرب والعالم الاسلامي لدرء الأخطار المتربصة بالقارة الأوروبية بحسب وصفه.
وأضاف الوزير «إن الإرهاب الذي حاول تقويض باكستان وتدميرها، يفعل الشيء نفسه اليوم في العراق وافغانستان، وسيمضي قدما بالضرورة إلى دول أخرى مستقرة حول العالم، إذا ما بقيت الحكومات والشعوب العربية والإسلامية تتجاهل ذلك». وأضاف أن «ما يجب أن نناضل من أجله جميعا في الأولوية في هذا الشأن هو الاستعداد للدخول في حوار مسئول لوقف العنف المخيف في مناطق العالم الذي يهدد الأمن والاستقرار، والتكيف مع عالم جديد مندفع لإحلال السلم والتآخي، بدلا من المناكفات وطرح القضايا العقيمة المتعلقة بانعدام ثقافة التسامح الديني وفكر الآخر».
وانطلاقا من تلك الدعوة، التي استهدفت بالضرورة خطوات التسامح والتصدي لثقافات العنف والإرهاب الدولي، طالب الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أكبر أحزاب المعارضة في الدنمارك، بضرورة العمل على انشاء صناديق مالية لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في الدول العربية والإسلامية بمبلغ 30 مليون دولار أميركي، بقصد تكريس وتعزيز قيم الديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان، والعمل على منع استمرار مظاهر التطرف والعنف ورفض الآخر. وقد صرّحت زعيمة الحزب هيلا سميث «بأن الهدف من إقامة صناديق دعم الديمقراطية في بلدان العالم الإسلامي، هو إفساح المجال لتلك البلدان من دخول عضوية المنتدى العالمي للديمقراطية، الذي يمكن أن يضمن لها ابتعاد مجتمعاتها عن ممارسة العنف والحروب التي تطحن اليوم أفكار المتطرفين الإسلاميين والمناضلين لنشر الديمقراطية وحقوق الانسان». وطالبت زعيمة الحزب كافة الدول الغربية الاحتذاء بالتجربة الدنماركية وتقديم الدعم المادي والمعنوي للدول العربية والإسلامية الراغبة في إحداث التغيرات والتحولات العصرية الجديدة في نظمها السياسية والاجتماعية والثقافية والفكرية القائمة حاليا، على غرار ما حققته التجارب السويدية والألمانية والأميركية الناجحة في تأسيس الصناديق الخاصة بدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان في عدة دول عربية وإسلامية، وجعلت من هذه الدول في الأعوام الأخيرة، دولا قادرة على المضي بقوة نحو تنمية ثقافة الديمقراطية والحريات على المستوى الوطني.
إن دعوة التقارب والدعم المادي والمعنوي المقدمة من بلدان الغرب لمعالجة قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان في الوطن العربي والعالم الاسلامي، يفترض أن تكون موضع ترحيب من هذه الدول التي لم تستطع بعد بلوغ مستوى التطور في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي تخشى من حدوث أية تحولات جوهرية واقعية في صلب أنظمتها القائمة، من أجل الاستفادة من كل التجارب الحية في هذا الشأن، حيث يجدر بنا أن نبحث كيف استطاعت الدول ذات الأنظمة الديمقراطية الدستورية المتقدمة، التي استبدلت ممارسة القمع والتعسف العام، بالحقائق والتطورات وحكم القانون والمشاركة الشعبية وتوزيع الثروة واحترام الحريات، أن تجلب السعادة والرفاهية والكرامة الإنسانية لشعوبها، في ما ظلت الأنظمة السياسية الحاكمة التي لم تؤسس على مثل هذه القيم والمبادئ، تخشى من توطيد بدايات الإصلاح طبقا لمبادئ الحكم الدستوري والديمقراطية الواقعية، بل إنها تحاول استبدالها بشعارات «البناء والتنمية والتقدم» المزيفة، وممارسة «النهج الصالح».
من هنا يمكن القول إن المواطن في دولة القانون والمؤسسات يستطيع تحقيق كل ما يريد ويرغب، في مختلف مجالات الحياة العامة، بالوسائل القانونية والدستورية المتاحة، من دون الحاجة إلى استخدام القوة والعنف، وبالتأكيد هذا لا ينطبق على واقع الحال في الدول التي لم تحترم إرادة شعوبها حيث تحتكر فئة واحدة في المجتمع، جميع أدوات القرار، وحيث الأولوية لها في كل مواقع السلطة الرسمية والأهلية ومكاسب الثروة الوطنية وغيرها. وهذا ما كانت تهدف إليه بالضبط دعوة التقارب والتعاون الأوروبية تجاه البلدان العربية والاسلامية، من أجل تبني إصلاحات جدية على أنظمتها الراهنة، والعمل على تقويض الأخطار الداهمة من خلال الإرهاب ومختلف مظاهر التعصب والعنف.
الكرة الآن في ملعب بلدان العالم العربي والإسلامي، فقبولها للدعوة الأوروبية من دون أية شروط ملزمة، وهي فرصة لا تعوض، قد يعزز الأمر، من رغبتها وقدرتها على الانفتاح مع شعوبها وتخطي الضغوط المجتمعية عليها بسبب غياب الديمقراطية الواقعية وحقوق الإنسان، ولأن شعوب العالم العربي والاسلامي، متعطشة اليوم إلى قضايا الإصلاح والتطور، فإن الواجب الوطني يفرض على حكومات تلك البلدان تغيير الرؤية والصورة التي تتمثل في إطار حكمها الاستبدادي، لكي تستطيع أن تنتقل بعد ذلك إلى إطار الحكم الديمقراطي الدستوري.