نهاية الجريمة والعنف… حلم يراود العالم
يتطور عالم الجريمة والعنف بسرعة هائلة في كوكب الأرض، وتشير عدة دراسات دولية، إلى وجود هواجس متشابهة لدى بلدان العالم النامية والمتقدمة على حد سواء من مخاطر «الجريمة والعنف» التي لم تجد للأسف الشديد حتى الآن برامج إصلاح متطورة لردعها، سوى ما ندر من العمليات الأمنية التي تنجح بعض الأحيان في رصد وكشف الأهداف المرسومة لتعقب المجرمين والمتسببين بإثارة العنف وذلك بالرغم من توظيف الأموال الطائلة لتحقيق النتائج الإيجابية لهذا الهدف، وبخاصة في دول العالم النامية، حيث لا تزال غالبيتها تشهد الحروب والصراعات الطائفية والإثنية والمذهبية، ويسودها ضعف الروابط الاجتماعية والروحية وتقليص الفوارق فيما يتعلق بتوزيع الثروة الوطنية وإقامة مجتمعات مدنية حقيقية ترسم لها التوجهات الصحيحة في مختلف مشاريع التطور والتنمية.
وتشير معظم تقارير مراكز ومراصد البحوث والدراسات الدولية، إلى وجود معدلات هائلة تظهر حجم القضايا الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الصعبة التي تجتاح العالم برمته، بسبب تنامي عالم الجريمة والعنف وما يسمى بعمليات الإرهاب المنظمة التي برزت بشكل واضح منذ منتصف القرن الماضي، ولكن يبدو أن الدول المتقدمة التي تعاني هي أيضا من خطورة هذه «الظاهرة المخيفة» تظل الأكثر توجسا واستيعابا لمشاريع مكافحة أشكال الجريمة والعنف، من خلال بذل كافة الجهود المكثفة التي من شأنها الحد من انتشار مثل هذه المظاهر، الجائرة والمفزعة، والعمل على تنويع برامج الإصلاح وتوظيف الأموال الهائلة لتوعية المجتمع بمخاطر المظاهر السيئة التي تمارس من قبل أفراد أو جماعات مجتمعية لها مصالح خاصة ومعينة، من إثارة العنف أو ارتكاب الجرائم العادية أو المنظمة.
وتفيد المصادر الاقتصادية في بعض الدول المتقدمة: ”أن هناك معدلات من 2 إلى 8 بالمئة تقريبا، من موازنات تلك الدول تنفق سنويا من أجل ضبط الجريمة وإحداث العنف، في حين أن البلدان الأكثر تخلفا تنفق أكثر من 10 إلى 18 بالمئة سنويا لمواجهة الجريمة والعنف، وذلك من خلال تصميم الدول المتقدمة على إعطاء الأولوية لنشر التوعية بالديمقراطية والتربية على حقوق الإنسان والتوزيع العادل للثروة الوطنية ومحاربة الفساد والمحسوبية ومضاعفة الرقابة الأمنية الشفافة والمبرمجة والإشراف الصحيح على نشر الثقافة الوطنية، على العكس مما يمارس في البلدان الفقيرة والنامية، حيث تزدهر هناك مختلف مظاهر الاستبداد والتعسف والقهر واحتكار السياسة والثروة والجاه للنخب الحاكمة، على حساب المشاريع الوطنية التنموية الحية ونشر التوعية والتربية على الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وخلال السنوات الأخيرة، بعد تصاعد حمى الجرائم المنظمة حول العالم، وجدت بعض حكومات الدول المتقدمة، نفسها مضطرة لتشديد إجراءات المراقبة الأمنية في ترابها الوطني، وسن بعض القوانين الرادعة لمخالفي القوانين، واستخدام أحدث التجهيزات للكشف عن هذه الجرائم، ولكن بالرغم من استخدام كل هذه الوسائل التربوية والتقنية الحديثة، يبدو أن النتائج الإيجابية، تظل ضعيفة، أمام حجم وخطورة التحديات الأمنية المتصاعدة على الدوام، ويصعب ضبطها وردعها بالقوانين المبسطة.
ففي دول أميركا اللاتينية، حيث تنتشر هناك مختلف مظاهر العنف والجريمة المنظمة، بسبب الفقر واتساع الفوارق الطبقية وصراع عصابات المافيا وتجار المخدرات والممنوعات، تجاوبت حكومات هذه الدول مع الدعوات المطالبة بنبذ وردع هذه المظاهر، بإصدار قوانين مشددة ومراقبة تحركات «العصابات المجرمة» المنتشرة في غاباتها الشاسعة والدخول معها في حروب طاحنة، غير أنها في ما يبدو، لم تكن قوانينها وإجراءاتها الرادعة كافية وفاعلة لوقف الزحف المتنامي في عالم الجريمة هناك.
وفي المملكة المتحدة البريطانية، وضعت السلطات في أنحاء عدة من العاصمة لندن، مواقع ترصد وأجهزة مراقبة تصويرية وسيرت دوريات للشرطة المدنية، للحد من مظاهر العنف والكشف عن جرائم السرقات وأعمال القتل وكل ما يوصف بالمحاولات «الإرهابية» المحتملة في الأراضي البريطانية.
ومعروف أنه منذ أكثر من عقد من الزمن، كان المواطنون في أحياء لندن خاصة تلك التي توصف بـ»أحزمة الفقر» قد عملوا على ابتكار وسائل حديثة لمراقبة أحيائهم السكنية لحماية أنفسهم وممتلكاتهم من المعتدين والمجرمين، ولكنه على الرغم من ذلك لم ينجو الكثيرون منهم، من السرقات ومختلف حوادث العنف.
وفي جمهورية أوكرانيا (إحدى جمهوريات الإمبراطورية السوفياتية السابقة) وجد بعض المواطنين من ذوي الكفاءة العلمية ابتكارات جديدة ومميزة للتحايل على القوانين، من أجل مواصلة نشاطاتهم الإجرامية المتعلقة بكسب المال الحرام والاتجار بالممنوعات، سواء عبر استخدام وسائل التجارة الوهمية أو عبر قرصنة الإنترنت، ولم تستطع القوانين المشددة ضدهم فعل أي شيء.
وفي أستراليا -بحسب المعهد الأسترالي لعلم الإجرام- فإن سلطات الأمن الأسترالية، استخدمت على مدى سنوات بعيدة، وسائل حديثة ومتطورة للتخفيف من موجة الجرائم المتنامية في البلاد، من خلال قيامها بتحسين التوعية لدى المواطنين بشأن السلامة العامة والأمن والاستقرار، ودعوة الجميع إلى إبلاغ السلطات عن الجرائم والسرقات وكل الأعمال المشبوهة، وتركيب أجهزة الأمان الفعالة في مختلف الساحات والمواقع الهامة في البلاد، ولكن يبدو أن كل هذه الإجراءات الواسعة، لم تستطع أن تقضي سوى على جزء بسيط جدا من ممارسة الجريمة والعنف.
وتتفق عدة آراء قانونية، بأن بعض حكومات العالم نفسها تمارس أيضا جزءا من هذه المشكلة، حيث إن هناك أعدادا هائلة من كبار المسئولين في عدد من الدول وفي أجهزة أمنية، من الذين يفترض فيهم حماية القانون والنظام، مشتبه بتعاونهم أو ضلوعهم مباشرة في عمليات الإجرام مع عصابات المافيا وتجار المخدرات.
وخلال السنوات الأخيرة، وبسبب الحاجة إلى تراكم الثروات وتوسيع مصادر الدخل والبذخ في مجتمعات الاستهلاك، توسعت بشكل ملفت، فضائح الفساد والرشوة حول العالم، بحيث شملت هذه الفضائح زعماء حكومات وموظفين رسميين في دول نامية ومتقدمة على حد سواء، الأمر الذي زعزع ثقة المواطنين في حكوماتهم وبالقوانين التي تضعها لمواجهة الفساد والرشوة ووقف الجريمة والعنف، فكيف يمكن للسلطة التي لم تتورع بالمشاركة في جرائم الفساد وتتستر على عصابات المافية والمتاجرين بأموال وحرمات الناس، أن تنجح في وضع نهاية إيجابية للجريمة والعنف وتحمي حقوق المواطنين وتحافظ على قيم المجتمع؟ وعلى الرغم من كل ذلك، يبقى الخلاص من عالم الجريمة والعنف، حلم يراود البشرية بأسرها