الأمم المتحدة… وضحايا التعذيب
احتفلت الأمم المتحدة باليوم العالمي لمناهضة التعذيب، الذي يحتفى به في 26 يونيو/ حزيران من كل عام، بمزيد من المشاعر المؤلمة والأوجاع والكوابيس التي مازالت تؤرق مضاجع الأحياء من ضحايا التعذيب، وخصوصا هؤلاء الذين لم يحصلوا على حقهم في العدالة والإنصاف. وتعود بذاكرتهم، إلى سنوات الاعتقال والتعسف التي لا توصف، ولاسيما عندما يرى كل هؤلاء، أشكال الممارسة الاستبدادية والاستعباد والتعتيم ورفض التعويضات والإبقاء على الجلادين وطغيان الدولة على المجتمع المدني وسيطرتها الغاشمة على كل أدوات القرار وحصار الحريات وتشويه الأفكار، على حساب القوانين والدساتير والحق العام، تمارس بشكل يومي في بلدانهم، باسم (التقدم والتطور والدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان).
وباستثناء بعض الدول المتقدمة ذات الأنظمة البرلمانية الدستورية الواقعية، التي تعترف بالحقوق المتساوية لشعوبها، على أساس المبادئ والأعراف المعلنة في مواثيق الأمم المتحدة ذات الصلة بحقوق الإنسان، لم تعد غالبية الدول الموقعة على مواثيق الأمم المتحدة والإعلان الدولي والعهد الخاص بمناهضة التعذيب، المعتمدة من الجمعية العامة في 9 ديسمبر/ كانون الأول 1975، الالتزام فعليا باحترام تعهداتها والتزاماتها تجاه الإعلان الدولي والمواثيق التي تحرم أشكال التعذيب أو المعاملة السيئة أو العقوبة القاسية أو المهينة والحاطة بالكرامة الإنسانية. ويتعسر عليها الاعتراف بكل هذه المواثيق والتعهدات، عندما تتعرض أنظمتها السياسية الاستبدادية للمطالب الإصلاحية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وذلك تحت ذريعة المحافظة على الأمن والاستقرار وحماية المكتسبات الوطنية التاريخية، التي تتعرض لمختلف مخاطر التغيير، ويعني هذا الأمر التشدّد في ممارسة القهر والاستعباد وتعميق الظلم.
وعلى الرغم من إصرار الأمم المتحدة، وفرط دعواتها لحكومات العالم برمته، بتنفيد تعهداتها والتزاماتها الدولية تجاه مراعاة حقوق الإنسان، التي قطعتها على نفسها من خلال المواثيق الدولية المعنية بتعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ومراعاتها حول العالم، فإن الأمم المتحدة ظلت عاجزة حتى الآن، عن اتخاذ أية قرارات تنفيذية تجاه الدول المتمردة على التعهدات والتشريعات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، أو حتى ممارسة الضغط عليها لتحسين سجلاتها في هذا الشأن، بسبب عدم امتلاكها السلطة والآلية الرادعة لتنفيذ الواجب الذي يقع على عاتق هذه الدول بمقتضى التزاماتها الدولية.
وفي الكثير من البلدان، التي مازالت تشهد حراكا سياسيا واجتماعيا وعقائديا، في سبيل حصول شعوبها على الحقوق السياسية والاقتصادية والمدنية، نجد هناك ردود فعل صارمة من قبل الأنظمة السياسية الحاكمة، تجاه المطالبين بالحريات الديمقراطية وحقوق الانسان، بصرف النظر عن الاعتبارات الإنسانية والمعاهدات الدولية، التي ترى بأن الاعتراف بالحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف لجميع أعضاء المجتمع الدولي وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة على أساس الحرية والعدل والسلم في العالم، وتقوم بانتهاك حقوقهم وتعريضهم لمختلف المعاملات والعقوبات القاسية واللاإنسانية والمهينة، التي تحرمها القوانين والشرائع الدولية.
ولاشك أن الطريق سيكون طويلا جدا لمواصلة هذه الأنظمة الاستبدادية القمعية سياسات البطش بشعوبها لمجرد مطالبتها بأبسط حقوق مواطنيتها المشروعة، قبل أن تضع في اعتباراتها، أن عليها واجبات احترام إرادة المجتمع الوطني والدولي، فيما يخص قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي أصبحت اليوم ركنا أساسيا في ثقافة البشرية وقيمها وأخلاقها، بصرف النظر عن المعتقدات السياسية والدينية والإثنية والعرقية، وصارت بمثابة التحدي الأبرز على مستوى العالم أجمع، بالنسبة لسباق تطور الدول والمجتمعات وأسباب رقيها وتقدّمها وازدهارها، وتحويلها من مجتمعات عصبية قومية أو طوائفية أو شمولية دكتاتورية، إلى مجتمعات مدنية وسياسية تعددية وتداولية، تتيح لجميع عناصرها البشرية التعبير عن خصوصياتها وطموحاتها وأمانيها ومشاركتها في صنع مصائرها ومصير النظام السياسي الذي توافق عليه الجميع بإرادتهم، وليس بواسطة القهر، وعندما تدرك هذه الأنظمة القمعية، حقيقة الإيمان بكرامة الفرد وبقدره وما للرجال والنساء والأمم صغيرها وكبيرها من حقوق متساوية في كل شيء، عند ذلك يمكن القول على أنها تدعو لاحترام المواثيق والقيم الإنسانية والروحية والأخلاقية، التي شددت عليها ولاتزال إعلانات ومعاهدات وبروتوكولات الأمم المتحدة بشأن الديمقراطية واحترام مبادئ حقوق الإنسان، وتسعى إلى تصحيح الخلل والقصور الذي يعتريها في كل هذه الجوانب، حتى تستطيع كسب مشروعيتها وصدقيتها في خطابها الديمقراطي.
واليوم، يجدّد الإعلان العالمي لمناهضة التعذيب، دعوته للعالم برمته، لمنع التعذيب وعدم السماح بارتكاب المعاملة السيئة أو العقوبة القاسية أو الإنسانية أو المهينة، واحترام جميع المعاهدات الدولية في هذا الشأن، فهل من مجيب؟