اتفاقية حقوق الطفل… تمنيات كبيرة ونتائج تثير الإحباط
غداة احتفال الأمم المتحدة بالذكرى العشرين لاتفاقية حقوق الطفل التي كانت تسعى لضمان حق أطفال العالم في العيش بحياة كريمة، وحمايتهم من مخاطر سوء المعاملة، وتوفير الغذاء والدواء لهم، وحقهم في التعليم والمشاركة في الفكر والكلام واللعب، وعدم المتاجرة بهم، واستغلالهم كجنود في الحروب والمنازعات الخطيرة، يتساءل هؤلاء الاطفال ولاسيما اولئك الذين مازالوا يعانون من قسوة الحياة وصعوبة العيش في حياة الطفولة التي يفترض أن تكون مفعمة بالسعادة والفرح واللعب، ماذا حققت لهم هذه الاتفاقية التي أقرتها جميع دول العالم باستثناء الولايات المتحدة الاميركية والصومال والصين، في جنيف قبل (20 عاما) من الآن، وماذا ينتظرهم من مستقبل في ظل ممانعة قوى سياسية واقتصادية عظمى في العالم مثل الولايات المتحدة الاميركية والصين من التصديق على هذه الاتفاقية، وفي ظل عالم تسود أجزاء واسعة منه الحروب والمنازعات، وأزمة اقتصادية عالمية موجعة؟
هذه الاسئلة يجب أن تطرح على الأمم المتحدة والدول التي وقعت على هذه الاتفاقية وعجزت طوال تلك السنوات البعيدة، من الوفاء بالتزاماتها الوطنية والدولية تجاه ضمانات حقوق الاطفال، التي استنزفت اهتمام وموازنات الأمم المتحدة من دون أن تحرز النتائج الايجابية المأمولة.
فالاتفاقية الدولية التي شددت الامم المتحدة على العناية بها، وقالت على لسان المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الانسان، روبرت كولفيل: إنها حظيت بتصديق شبه عالمي أسرع مما قد تحقق لأي اتفاقية أخرى، وأن وضع الاطفال في العالم خلال السنوات الاخيرة من القرن الماضي وبدايات القرن الراهن، يمكن أن تكون أسوأ من دون وجود هذه الاتفاقية، لم تحقق بعد حلم ملايين الاطفال حول العالم بطفولة تنعم بالسعادة والأمن والغذاء وشروط الصحة والتعليم والحق في اللعب، فقد اختفت تقريبا كل هذه الشروط، في المناطق التي مازالت تشهد الحروب والمنازعات الخطيرة وكافة أسباب الفقر، وخاصة في فلسطين والعراق وأفغانستان وعدد من دول القارة الإفريقية وأميركا اللاتينية، إذ لم يعد الأطفال في كل مناطق الازمات والتوتر، ينعمون بمراحل الطفولة الأولى كغيرهم في البلدان، التي أبدت قدرا كبيرا من المرونة والالتزامات الوطنية والدولية تجاه التربية والرعاية التعليمية والتثقيفية والصحية والامنية، الحقيقية والجدية لأبنائها، وتخطت أزمنة اشتعال الحروب والمنازعات، وبحسب اعتراف الأمم المتحدة نفسها، فإن احراز تقدم على صعيد حصول ملايين الاطفال حول العالم، وبخاصة في البلدان النامية والفقيرة، لايزال ضئيلا، بسبب الاضطرابات والحروب والازمات الاقتصادية الخانقة، إلا أن هذا لن يمنعها من الاستمرار في تحقيق الاهداف والحقوق الاساسية التي كرستها الاتفاقية الاممية لأطفال العالم، ففي معرض تقييمها لبعض انجازاتها في السنوات الاخيرة، قالت منظمة اليونسيف لرعاية الطفولة التابعة للامم المتحدة، انها استطاعت ان تحرز تقدما ملموسا في بعض المجالات الانسانية، كان من أهمها على الاطلاق، تخفيض عدد وفيات الاطفال دون سن الخامسة، الذي انخفض من 12.5 مليون طفل إلى 9 ملايين فقط في العام 2008، أي بمعدل وفاة 65 طفلا لكل ألف ولادة في مقابل 90 وفاة في العام 1990.
ولكن بالرغم من استمرار هذا التقدم، تقول المنظمة: «إن قرابة 24 الف طفل حول العالم، يلقون حتفهم يوميا لأسباب يمكن تفاديها بوسائل الوقاية والرعاية الجدية، وإن أكثر من 140 مليون طفل يعانون من نقص الوزن بسبب امراض متعلقة بسوء التغذية والتلوث البيئي، وإن اكثر من 100 مليون طفل في سن المدرسة لا يرتادون المدارس بسبب الفقر وضيق العيش الذي يعاني منه اكثر من مليار ونصف المليار شخص حول العالم، حيث تأتي منطقة شرق آسيا وحدها أعلى نسبة فقر عالميا، وتأتي إفريقيا في المرتبة الثانية، وفي شرق آسيا يصل عدد الفقراء إلى نحو 650 مليون شخص، وتبلغ أدنى معدلاتها في منطقة الشرق الأوسط حيث يصل عدد الفقراء إلى اكثر من 32 مليون شخص، وما بين 500 مليون و1.5 مليار طفل يعانون من العنف الاسري، و150 مليون طفل مشردين في الشوارع، ونحو 1.2 مليون طفل يقعون سنويا ضحايا الحروب والمنازعات الخطيرة، حيث أن هناك مئات الآلاف من الاطفال في سن العاشرة حول العالم يُستغلون كجنود في الحروب والمنازعات، من بينهم فتيات صغيرات يجبرن على الالتحاق بالجيوش ومن ثم تساء معاملتهن ويغتصبن، ثم يقدمن إلى الجنود من الرجال (كزوجات) وخلال السنوات العشر الاخيرة من القرن الماضي قتل أكثر من ثلاثة ملايين طفل وطفلة في هذه الحروب، وتقول المنظمة ان هذه الأرقام آخدة في الازدياد، ما لم تتخذ الاجراءات الصحيحة والجدية الكفيلة بوقف هذا الصعود الهائل، وهذا يهدد الآن مصداقية جميع الدول الموقعة على هذه الاتفاقية الأممية وقدرتها على اتخاذ القرارات.
وتأتي كل هذه الارقام المذهلة التي تقشعر لها الابدان وتتفتح من هولها الجوارج الانسانية، في وقت تتمتع فيه فئات قليلة ومحدودة من الناس بالثراء الفاحش وتبذير الاموال على أمور تافهة وغير ملحة، ويتم تكديس ألوف الأطنان من المواد الغذائية الأساسية اليومية التي تقدر بملايين الدولارات، في مستودعات ومخازن الشركات العملاقة في الدول الغنية إلى غاية انتهاء مدة صلاحيتها، ثم تجرى عمليات إتلافها في قيعان البحار والمحيطات، لتكون بالتالي أحد مصادر التلوث البيئي الضار بحياة الإنسان، وترسانات الاسلحة المتعددة التي تشتريها الانظمة السياسية الخائفة على أوضاعها، ثم تصرف عنها النظر لتبقى جزءا من التاريخ في مستودعات معسكراتها الحربية، هي في واقع الأمر كفيلة بإطعام ملايين الجوعى والمحرومين حول العالم، وتوفير الشروط الأساسية كافة التي كرستها مواثيق ومعاهدات واتفاقات الأمم المتحدة بحق الانسان في العيش في أجواء الأمن والاستقرار والسلام والتعليم والثقافة والصحة والحرية وتقاسم الثروة الوطنية.