على خطى الشيخ زايد رحمه الله
قبل 38 سنة من الآن، زار صحافي لبناني دولة الإمارات العربية المتحدة للمشاركة في احتفالات الذكرى الأولى لإعلان قيام الاتحاد الذي ضم سبع إمارات في الساحل المتصالح (أبوظبي ودبي والشارقة والفجيرة ورأس الخيمة وعجمان وأم القيوين) في 2 ديسمبر/ كانون الأول 1971 بعد انسحاب كل من البحرين وقطر من اجتماعات دبي في 25 فبراير/ شباط 1968، وإعلان استقلالهما بعد ذلك، والتقى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بوصفه رئيس دولة الاتحاد وحاكم إمارة أبوظبي، في مقابلة صحافية مطولة عن مستقبل الاتحاد، فطرح عليه من جملة أسئلة كثيرة، هذا السؤال: «ماذا يتوقع سموكم للدور الذي ستلعبه دولة الاتحاد في المستقبل، بنظامها السياسي الجديد وتراتيباتها الاجتماعية وحدودها الجغرافية؟».
فكان جواب الشيخ زايد الذي اشتهر بالحنكة وبعد النظر: «تعال وتفضل بزيارة الدولة بعد عشر سنوات، ثم احكم لنا أم علينا»، مضيفا، أن هذه الدولة الفتية ستكون بعون الله، قوة اقتصادية مرموقة ونموذجا للسخاء والمسئولية، يفخر بها كل ابناء الإمارات السبع والمنطقة والعالم.
هذه العبارات التي نطق بها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حول ازدهار الدولة ومستقبل أبنائها، إنما هي في حقيقة الأمر تعكس تصميم هذا الفارس الذي استطاع أن يتغلب على الكثير من المعضلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لبناء وتوطيد وتعزيز دعائم دولة المستقبل، التي أخذت منذ ذلك الوقت تحث خطى الازدهار والتقدم، والتي بلغت اليوم بفضل ثروتها المتعاظمة وقوتها المتنامية في الاقتصاد الوطني الذي سيزداد مع الزمن، بفضل خيرات النفط والتركيز الدقيق على قضايا النمو الاقتصادي والاستثمار والأسواق الحرة وتوسيع الخصخصة بمؤازرة الاهتمام بالحياة المعيشية اليومية والرعاية الصحية والتعليمية وغيرها من الخدمات الاجتماعية الأخرى التي توفرها الدولة بالمجان لجميع المواطنين، واهتمامه المتزايد على النهوض ليس فقط بإمارة أبو ظبي التي أصبحت عاصمة دولة الاتحاد، بل أيضا جميع الإمارات السبع التي تقاسمت معها الثروة والحكم وجميع موارد الاقتصاد، والتشديد على التضامن الاجتماعي والتسامح مع الآخر على رغم ما كان يقال عن هشاشة الديمقراطية والتضييق على الحريات، حيث يشهد التاريخ الآن لإمارتي أبو ظبي ودبي منافستهما لأرقى المدن العالمية بعد أن كانتا بمثابة صحراء قاحلة بها بعض واحات النخيل ومراعي الماشية وآبار الماء.
والكلمات تكشف أيضا مقدار ما قدمه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من خدمات إنسانية واقتصادية وبناء المساجد والمدارس والجامعات والمدن النموذجية وتقديم المنح الدراسية الجامعية في مختلف المستويات، على شكل مساعدات للشعوب والبلدان الفقيرة والنامية.
ولا يخفي حكام دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد رحيل الشيخ زايد رحمه الله، وهم يحتفلون بمثل هذه الأيام بالذكرى 38 لتأسيس الدولة، طموحاتهم بأن يصبح اتحادهم رائدا لتغيير ليس فقط واقع الدولة الاتحادية التي شقت طريقها بقوة في عمق الاقتصاد الدولي، بل أيضا واقع المنطقة في المستقبل، على خطى التفكير الذي رسمه وخطط له، رئيس الدولة المؤسس، الذي ظل يحلم بالتغيير والتجديد دائما.
وفي نفس الوقت الذي قطعت فيه دولة الإمارات العربية المتحدة، أشواط طويلة من سنوات الازدهار التجاري والاقتصادي والاجتماعي، وحث الخطى لتوسيع فرص وتدابيرالحريات، مازالت بعض دول المنطقة، والتي يفترض أنها كانت السباقة في مختلف هذه الميادين، تسير ببطء شديد في تطوراتها نحو بناء كياناتها السياسية وال اقتصادية لبلوغ ما وصلت إليه اليوم دولة الإمارات من كسب الذهنية الاستراتيجية الأكثر قوة لمواجهة التحديات المتربصة بها على مستويات السياسة والأمن والاقتصاد.
ولا شك أن إنجازات كبيرة كهذه بدأت تفرض إقرارا بحقيقة أن دولة الإمارات العربية المتحدة أصبحت كما توقع لها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، واحدة من نمور الاقتصاد الآسيوي الذي بلغ مستوى العالمية