عام على حرب غزة… ذاكرة الموت وظلم الحصار
أحيت غزة ذكرى مرور عام على حرب «الشتاء الساخن» بالغة القسوة والشراسة، التي شنتها جحافل قوات الاحتلال الاسرائيلي على غزة، في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر/ كانون الأول 2008، بذريعة الرد على صواريخ القسّام الفلسطينية التي طالت جنوب «إسرائيل»، وسط مخاوف فلسطينية وعربية ودولية، من أن أعداد كبيرة من أهالي غزة وبخاصة الأطفال، سيموتون موتا بطيئا نتيجة استمرار الحصار والتجويع المنهجي، التي تشارك فيه عمليا، إضافة إلى «إسرائيل»، الولايات المتحدة الاميركية دول عربية، وبعض دول الاتحاد الأوروبي، بحسب تقارير صادرة عن منظمات حقوقية وإنسانية دولية.
ويأتي إحياء هذه الذكرى المؤلمة، مع أصوات منددة وجهود حثيثة تبذلها الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والقوى المناصرة لضحايا غزة من مختلف دول العالم، من أجل الضغط على «إسرائيل» لرفع الحصار وفتح معبر رفح لوصول قوافل المساعدات الإنسانية العاجلة للمواطنين الفلسطينيين المحاصرين في مختلف مناطق غزة.
وفي هذه المناسبة ترجع الذاكرة إلى مآسي السنة الماضية، التي شنت فيها قوات الاحتلال الاسرائيلي حملتها الدموية الجوية والبرية على السكان الآمنين في غزة، والتي أدت إلى مصرع العشرات من الشهداء ومئات الجرحى والمفقودين، غالبيتهم من المدنيين ومن بينهم أعداد كبيرة من الأطفال، وتسببت في حدوث دمار شبه شامل في مختلف المنشآت والمواقع الحكومية الرسمية وممتلكات المواطنين، في وقت تجاهل فيه العالم برمَّته كل هذه المشاهد الدموية الكارثية.
ومع نهاية العام الأول من هذه الحرب، وبرغم المناشدات والمطالب الدولية الواسعة النطاق لكسر الحصار والبدء بعمليات إعمار ما تهدم بفعل آلة الحرب الإسرائيلية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية اليومية لأهالي غزة، فإن آخر التقارير الواردة من مصادر المنظمات الحقوقية الفلسطينية، بشأن أوضاع حقوق الإنسان، أشارت إلى وجود حالات مأساوية في حياة المواطنين وبخاصة الأطفال، بسبب الافتقار إلى مختلف المواد الغذائية والصحية والعيش بلا مأوى في العراء، وإن استمرار الحصار الظالم على مدى العام 2009، قد أودى بحياة قرابة 1061 من المدنيين، وأن القوات الإسرائيلية استطاعت أن تصادر أكثر من 15657 دونما من أراضي الضفة الغربية، فيما تشتد معاناة غزة يوما بعد يوم، على وقع صمت عربي وتآمر دولي لتكريس الحصار وتجويع الناس، إلى حد أصبحت معه قاب قوسين أو أدنى من حافة المجاعة والانهيار.
وفيما قال رئيس الوزراء في الحكومة المُقَالة إسماعيل هنية، من أن غزة «انتصرت في صمودها الأسطوري» ووقفت شامخة في المقاومة وردع الأعداء، عبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عن بالغ قلقه حيال «الشعور المؤسف» من أن تصبح حياة أهالي غزة مستحيلة بسبب الحصار المحكم على جميع المنافذ التي تصل من خلالها المساعدات الإنسانية الملحة، إضافة إلى وجود معوقات واسعة في عمليات إعادة الإعمار وتنشيط التجارة والاقتصاد، وحرمان السكان من الحقوق الإنسانية الأساسية.
وفي رسالة نشرت على موقع الأمم المتحدة مؤخرا، دعا بان كي مون، «إسرائيل» إلى وضع حد للحصار «غير المقبول» على غزة، وناشد حركة حماس بالتعاون البناء مع كافة المنظمات الإنسانية الدولية وضبط الأوضاع الأمنية، من أجل إنقاد غزة من قوافل الموت والتجويع واستلاب الحقوق، وهي أول الغيث في بادرة انتقادية جدية من جانب الأمين العام للأمم المتحدة تجاه «إسرائيل»، بعد أن ساوى في غمرة الحرب بين الجلاد والضحية.