أندريه ساخاروف… صانع الحرب والسلام
ظاهر المفكر والعالم النووي الروسي أندريه ديمتريفيتش ساخاروف، إنه كان داعية حرب، في الزمن الذي شغلت فيه الحرب الباردة، العالم برمَّته، عندما كرّس حياته وفكره وثقافته لقضايا البحث العلمي الذي انتهى به، إلى صنع قنبلة هيدروجينية فتاكة، لو قدر لها أن تدخل الحرب لقضت على كل ما تبقى من بشر وحجر، في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وباطنه كان صانع سلام ووئام وإنسانية، عندما أصبح شديد الجاذبية لنشر أفكار السلم على الأرض وعارض بشدة استخدام هذه القنبلة التدميرية، مناشدا حكومات العالم بالتركيز على مفاهيم وثقافة الحريات وحقوق الإنسان أكثر من التركيز على ثقافة العنف والعدوان وشنّ الحروب، ثم أصبح له الدور الرائد في تأسيس منظمة «ميموريال» الحقوقية، التي تميزت بالجهود من أجل الدفاع عن الحريات والحقوق الأساسية لشعوب الاتحاد السوفياتي السابق.
ومنذ وفاة اندريه ساخاروف، الحائز على جائزة نوبل للسلام نتيجة لنضالاته المشهودة، من أجل الحريات الديمقراطية والسلم ورفض الظلم والاستبداد، قبل نحو عشرين سنة (1989) ظل البرلمان الأوروبي يخلد ذكراه بمنح جائزة سنوية باسمه، للمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم، بقيمة تبلغ 50 ألف يورو، تقديرا لنضالاتهم من أجل الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي السادس عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2009، قام رئيس البرلمان الأوروبي يارجي بوزاك، بمقر الاتحاد الأوروبي في ستراسبورغ، بتسليم جائزة ساخاروف، إلى ثلاثة ناشطين حقوقيين من منظمة ميمريال المدافعة عن حقوق شعوب الاتحاد السوفياتي السابق، هم سيرغي لاف، واولاغ أورلوف، وليودميلا الكسيفا، تقديرا لجهودهم في مجال حقوق الإنسان، منذ تأسيس هذه المنظمة في العام 1989.
بدأت منظمة ميموريال، باكورة نشاطها الحقوقي، بالتحقيق في مختلف الجرائم التي ارتكبت في عهد الرئيس السوفياتي الراحل جوزف ستالين، ثم ركزت جهودها على تقصي حقائق انتهاكات حقوق الإنسان في الشيشان ومناطق شمال القوقاز.
وعلى مدى عدة سنوات مضت، من نشاط المنظمة، تعرض العديد من أعضائها البارزين لملاحقات ومحاولات خطف وأحيانا إلى جرائم قتل مؤلمة، كما حدث مع الناشطة نتاليا استيميروفا (50 عاما)، التي اغتيلت بالرصاص في أنغوشيا، بعد اختطافها بعدة ساعات على أيدي مجموعة مسلحة في الشيشان، قيل أنها مقربة من الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، في 15 يوليو/ تموز من العام 2009.
وكان أندريه ساخاروف، الذي هندّس سلاح الدمار الشامل في غمرة التهديدات بنشوب حرب عالمية (ثالثة) كانت رحاها متوقفة على كف عفريت، ثم قدم نموذجا يحتذى، في مواجهة القوة والعنف والاستبداد، ومضى مهتما بثقافة التسامح والسلم، قد تعرض هو نفسه، للتهديد والملاحقة من قبل أجهزة المخابرات السوفياتية التي ضيقت عليه الخناق ووضعته في العام 1979، تحت الرقابة المشددة والإقامة الجبرية، بذريعة أنه يؤجج الكراهية ضد «النظام الاشتراكي النموذجي» بتحفيز الناس على المطالبة بالإصلاحات، ولهذا حظي الرجل بعد كل هذه الإنجازات في مجال حقوق الإنسان، بشعبية كبيرة بين المفكرين والمثقفين والمدافعين عن الحريات ونشطاء حقوق الإنسان في دول الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا والعالم