«حرب المآذن» بين سويسرا والدنمارك

عندما صوت السويسريون، بنسبة عالية بلغت 57.5 في المئة لصالح مشروع منع بناء مآذن في مساجد الاتحاد السويسري، الذي تقدم به «حزب الشعب» اليميني المتطرف بدعم ملحوظ من منظمات مسيحية محافظة، إلى البرلمان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، لم يتصور أحد من السياسيين والحقوقيين التقدميين والمسئولين في الحكومة السويسرية نفسها التي دعت المواطنين إلى احترام القيم والثوابت الوطنية ورفض التصويت لمصلحة هذا المشروع، التي قالت انه يمثل «انتهاكا صارخا» لنصوص الدستور السويسري القائمة على مبدأ احترام حريات الرأي والتعبير والمعتقدات الدينية وتنوع الثقافات والتقاليد السويسرية القائمة على مبادئ الحياد والديمقراطية وقبول الآخر، لم يتصور أحد أن «ينتصر هذا المشروع» ويمضي سابحا عكس ما كانت تشتهيه الأحزاب السياسية والمنظمات الأهلية التقدمية والحكومة وبعض كتل البرلمان، ومتجاوزا كل التوقعات التي راهنت على تمسك الشعب السويسري التاريخي بمبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، ومعترفا بعدم إثبات جدوى هذه المبادئ التي جعلت أكثر من 57.5 في المئة من المواطنين يكشفون عن وجوههم (بحقيقة عنصرية) من خلال رفضهم رأي الآخر وحرية معتقداته الدينية.

وعندما حصلت هذه الرغبة العارمة للشعب السويسري، ضد رمز من رموز المعتقدات والثقافة الاسلامية، قيل الكثير بأن مثل هذه الرغبة يمكن أن تكون بداية طريق «خطوة الالف ميل» التي يمكن أن يحتذى بها بين شعوب القارة الاوروبية، الذين مازالوا تساورهم أوهام الخوف والقلق دائما من امتداد الإسلام إلى بلدانهم عاجلا أم آجلا، سواء بسبب توسع الهجرات المتلاحقة من مناطق الاضطراب والفقر في العالم الاسلامي، والتي أصبحت منذ السنوات الاخيرة تشكل احدى العناصر القوية والبارزة داخل المجتمعات الأوروبية الأصلية، أو عبر ما تصوره لهم مختلف وسائل الإعلام عن «الممارسات المخيفة والإرهابية» التي تتوعد بها فئات وشرائح ومنظمات اسلامية متعصبة لغزو اوروبا واسلمتها في المستقبل، إذ إن الجدل حول التغلغل الاسلامي في القارة الاوروبية العجوز، ارتبط بشكل مباشر منذ أن بدأت قوة المسلمين العددية والعقائدية بالظهور في بلدان مثل بريطانيا والمانيا وفرنسا، مع الدعوات التي مورست في كل هذه البلدان بهدف «اسلمة مجتمعاتها» من قبل فئات وشرائح اسلامية متشددة تعيش في كنفها وتستفيد من اقتصادها وانظمتها الديمقراطية الحيوية، وتمضي على غرار ما فعله الشعب السويسري بالموافقة على حظر بناء المآذن، التي تبدو انها ناتجة في الغالب عن ممارسات خاطئة لفئات وتيارات اسلامية متشددة تعمل من داخل وخارج الاتحاد السويسري.

لكن الامر قد يختلف تماما في حالة الدنمارك (اليوم) التي تركت وراءها معظم المخاوف من وجود المشروعات الاسلامية التي كانت تنوي الجالية المسلمة اقامتها في البلاد، منذ وقت طويل وتصدت لها القوى السياسية والاجتماعية والدينية الأكثر تشددا في العلاقات الاجتماعية والثقافية مع «المغتربين الأجانب»، وحرمتها من تحقيق أهدافها المنشودة.

ففي استطلاع للرأي نشرت تفاصيل نتائجه وسائل الإعلام الدنماركية في أواخر ديسمبر/ كانون الثاني 2009، أوضح أن هناك تراجعا ملموس في التأييد الشعبي ضد المشروعات الاسلامية في البلاد، حيث بين الاستطلاع ان نسبة ثلثي المواطنين الدنماركيين لا يعارضون بناء المساجد وعلو المآذن في بلادهم، ما يعني ذلك «انحسار النفسية والعقلية الوطنية» الرافضة لقبول الآخر، واشارة إلى خطوة انسانية بالغة الوضوح للعمل على مواجهة دعوات المنظمات والقوى السياسية والاجتماعية المتشددة والمناهضة لتواجد الاقليات القومية والعرقية والدينية التي أصبحت منذ وقت طويل بمثابة عناصر تشكيل في جسم المجتمع الدنماركي برمته، الذي مضى غير آبه بالاصوات الرافضة لاستمرار بقاء الرموز العقائدية الإسلامية في الاتحاد السويسري.

يذكر أن مجلس بلدية العاصمة كوبنهاغن، كان قد صوت في نهاية أغسطس/ آب 2009، بغالبية كبيرة لمصلحة بناء مسجد نموذجي للطائفة الشيعية في واحدة من اهم المناطق الشعبية بالعاصمة على مساحة تبلغ قرابة 2000 متر مربع، وستعلوه قبة مطلية بماء الذهب، بارتفاع 24 مترا ومئذنتين طول الواحدة منهما 32 مترا، وتقدر كلفة هذا المشروع الذي سيضم إلى جانب المسجد الكبير، مركزا ثقافيا ومكتبة إسلامية، نحو (50 مليون كرونة دانماركية)، أي ما يعادل (6.7 ملايين يورو) قيل بحسب مصادر دانماركية عليمة، انها ستدفع من أموال خزينة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

Loading