أوكرانيا… وداعا «ثورة البرتقال»
تغيرت لغة الناخبين الأوكرانيين بشدة على نظام الرئيس فيكتور يوتشنكو زعيم الثورة البرتقالية الإصلاحية الشهيرة، التي أطاحت بالرئيس ليونيد كوشما آخر رجل شيوعي يحكم البلاد، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، في عاصفة سياسية، كانت شديدة التأثر بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عصفت بأوكرانيا في عصر «الثورة» الصاعدة التي عجزت طوال 6 سنوات متتالية عن تحقيق الإصلاحات الجذرية الجوهرية، والأحلام الوردية التي بشّرت بها الفقراء والمسحوقين من أبناء الشعب الأوكراني، الذين قارعوا زمهرير الثلوج والبرد القارس في ساحات وشوارع العاصمة كييف، على مدى أكثر من شهر استجابة لنداءات المعارضة، التي وعدتهم بالتغيير الديمقراطي وحقوق الإنسان ومجتمع الرفاهية على غرار مجتمعات الاتحاد الاوروبي، في إشارة واضحة وصريحة بأفول عهد الثورة البرتقالية العملاقة ورموزها.
ويصف المراقبون نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في أوكرانيا الأحد 17 يناير/ كانون الثاني الجاري، وتقدم فيها خصوم الرئيس الحالي فيكتور يوتشنكو الذي نأى بنفسه عن المشاركة في غمار هذه الانتخابات، رئيس حزب الاقاليم الموالي لموسكو، المعارض فيكتور يانوكوفيتش، ومنافسته رئيسة الوزراء الحالية يوليا تيموشنكو، والتي كانت واحدة من أبرز رموز الثورة البرتقالية، بأنها كانت صدمة شديدة وتعبيرا عن عدم ثقة الناخب الأوكراني بالسياسات التي انتهجها زعيم الثورة ورجالاته الذين احتكروا الحياة السياسية والاقتصادية في البلاد، وتباطؤوا في توجيه رياح التغيير إلى الأمام، وتحسين مستوى الخدمات الاجتماعية والمعيشية اليومية للمواطن الأوكراني، وفشلوا بدفع البلاد نحو الانضمام إلى حلف الناتو وعضوية الاتحاد الأوروبي، ومارسوا الفساد في مختلف مؤسسات الدولة الرسمية.
وبرغم الفوز الذي حققه المعارض فيكتور يانوكوفيتش، في الجولة الاولى، كما أفادت النتائج الأولية بحصوله على نسبة 38 في المئة من الأصوات، مقابل 24 في المئة لغريمته يوليا تيموشنكو، فإن الأمر يحتاج إلى إجراء جولة ثانية من الانتخابات في 7 فبراير/ شباط المقبل، لكي يعرف اسم الرئيس الجديد الذي سيقود البلاد ويمسك بمفاتيح مستقبلها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ويحظى حزب الأقاليم بقيادة فيكتور يانوكوفيتش بفرصة الفوز للمرة الأولى في الانتخابات استنادا لقوة شعبية المعارضة والبرامج الإصلاحية الجديدة التي طرحتها كبديل عن طروحات الثورة البرتقالية المنهارة، كما تشير معظم استطلاعات الرأي في أوكرانيا.
ويمكن النظر بالفعل إلى النتائج الأولية في هذه الانتخابات باعتبارها صدمة موجعة أصابت الولايات المتحدة الأميركية والغرب، الذين صوروا انتصارات الثورة البرتقالية في أوكرانيا على أنها «انتصار للديمقراطية والحريات» والمشاريع التي يخططون لإقامتها في البلاد، بسبب الشعور بالخوف من عودة أوكرانيا مجددا إلى أحضان الكرملين، الذي يبدو أنه ينتظر بفارغ الصبر نتائج هذه المحاولة.
في الواقع إن عدم اكتراث الولايات المتحدة الأميركية والغرب بدعم الناس المرتبطين بتلك الثورة الإصلاحية الفتية ماديا ومعنويا، وعدم الاهتمام البالغ بنشر قيم الديمقراطية الواقعية وحقوق الإنسان وتطوير التنمية، قد أعطى الزخم الذي مكن حلفاء الكرملين، من العودة بقوة إلى الواجهة، وربما سيحالفهم الحظ للفوز في هذه الانتخابات.
وتقول مصادر دبلوماسية واقتصادية غربية، إن «هزيمة الثورة» التي قادت الإصلاح في أوكرانيا، يمكن أن تثير مزيدا من الغموض بشأن الدعم الاقتصادي ومحاولات انضمام البلاد قريبا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وهذا يعني بحسب بعض المحللين الضغط على الرئيس المقبل في أوكرانيا لتوجيه معظم جهوده وطاقاته إلى معالجة الصراعات الداخلية وقضايا الإصلاح، وتحسين مستوى العلاقات وتطويرها بقدر أكبر مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب.