عبدالرحمن النعيمي… لابد وأن تستمر «حياة النضال»
تعود بي الذاكرة إلى شهر مايو/ أيار من العام 2007، عندما بلغني خبر الوعكة الصحية التي ألمت بالمناضل الوطني الكبير، عبدالرحمن محمد النعيمي عندما كان في مهمة نضالية في المغرب، جعلته طريح فراش المرض في غيبوبة ملعونة، استمرت معه منذ ذلك الوقت وحتى هذا اليوم، قلت في مقالة نشرت في صحيفة «الوسط» إن غياب هذه الشخصية النبيلة التي قدمت الكثير لصالح البحرين وشعبها والقضايا العربية والأممية، وناضل بحيوية لا تعرف التعب والوجع في سبيل خدمة الفقراء والمحرومين وإقامة مجتمع ديمقراطي وعدالة اجتماعية في البحرين، قد ترك فراغا في ساحة النضال الوطني في البلاد لا يمكن أن يشغله سوى أمثال النعيمي وغيره من رموز الحركة الوطنية والإسلامية الأوفياء الذين مازالوا يضحّون بوقتهم وعملهم ومستقبلهم في سبيل الشعب والوطن، وقد ثبت ذلك في زمن كثرت فيه أفكار ومشاريع ممتهني السياسة وندرت فيه خدمات المناضلين الشجعان.
مرت الأيام بسرعة البرق وحلت الذكرى السنوية الثالثة وكأنها اليوم، في حين تمر الأيام والأسابيع والأشهر والسنون بطيئة زاحفة مثقلة بالهموم والأوجاع من دون أن ينتبه إليها أحد أو تعلق بذاكرة أحد، لكن ما قدمه عبدالرحمن النعيمي (أبو أمل) من خدمات جليلة للفقراء والوطن ظلت عالقة في ذاكرة الناس وفي قلوبهم وأرواحهم وأحاسيسهم ولن ينسوها إلى الأبد، ويشعرون أنهم فقدوا (مؤقتا اليوم) والدا عطوفا وزعيما معارضا يجيد التعامل مع مختلف القضايا الوطنية الحساسة ويبتسم أمام الأقدار التي تحيط به، ويدافع عن كافة حقوق المواطنة المشروعة بصدق وبشجاعة.
إنه عبدالرحمن النعيمي، المناضل الفذ الذي اختار طريق النضال الصعبة التي قلّ من يسلكها في زمن الرشا والفساد وشراء الذمم ومختلف امتيازات الحياة الدنيا، واضعا كل هذه الامتيازات وراءه، لا يريد سوى السمعة الطيبة والعمل الصالح والقلوب التي تدعو له بالمحبة والعطاء الدائم في خدمة الوطن.
إنها طريق النضال الصعبة التي سلكها عبدالرحمن النعيمي طوال حياته، أن تكون مناضلا حقيقيا ومدافعا عن حقوق شعبك ووطنك، يعني أنك قادر أن تضحي بكل شيء حتى أغلى ما تملك في الحياة الخاصة، من دون أن تتعب أو تكلّ أو تغريك موائد السلطان أو أمواله أو مناصبه الرسمية.
لقد برهن، عبدالرحمن النعيمي، الذي عشق النضال بفكره وقلبه وجوارحه مستندا إلى ينابيع ثورية أصيلة، إنه قادر على الألم والملاحقات الأمنية والإبعاد القسري خدمة لأهداف وطموحات وأماني الناس الفقراء والمحرومين، وهذا ما أتاح له هذا الوصول الكبير إلى قلوبهم وأفئدتهم ودعواتهم له بالشفاء والعودة إلى ساحات النضال للدفاع عنهم.
لقد أفنى عبدالرحمن النعيمي، عمره مناضلا شجاعا يدافع عن الفقراء ويكتب في السياسية ويؤلف الكتب وينشرها في أرجاء الوطن العربي والعالم، من دون أن يرتهن لأي فكر مشبوه أو أن تتلوث أياديه بمفاسد المال أو إغراءات موائد البلاط، إنه فتح عقله وقلبه وأبواب منزله إلى الجميع من دون أن يتعالى على أحد أو يتجاهل أحدا، وكان داعية وحدة ووئام، ويجيد فن السياسة والتعامل مع الآخرين، وقد استطاع أن يجمع الأضداد ويبقى على مسافة واحدة من الجميع.
إن أفكار عبدالرحمن النعيمي لم تكن لتبقى راسخة في عقول وقلوب الأجيال السابقة واللاحقة، لو لم تكن نضالية إنسانية خالصة من كل شوائب الآثام والشرور ورافضة كل أشكال العنف والتحريض الطائفي والمذهبي والشعارات الفارغة والرنانة.
في الذكرى الثالثة للأزمة الصحية التي ألمت به، نتذكره ونتذكر فكره ومسيرته النضالية الشامخة ومشاعره الأبوية والوطنية المخلصة، ويؤرقنا الألم والحنين إلى عودته بيننا، وندعو له بالشفاء العاجل، وندعو جميع من عرفوه أو تعرفوا عليه أن يدعوا له بالشفاء ويعتزّوا بتراثه النضالي الكبير وتحديد يوم شعبي لتخليد اسمه، كما المناضلين العظام الذين قادوا حركات التحرر في أوطانهم، ورسموا ملامح التغيير والتجديد لشعوبهم