«عشق» الأوطان

بعيداً عن مظاهر الإعلام الاستعراضية التي تتميز بها معظم الأنظمة الاستبدادية حول العالم، شرعت جمهورية سلوفاكيا التي كانت قبل عقد من الزمن جزءاً لا يتجزأ من جمهورية تشيكوسلوفاكيا إحدى دول المعسكر الاشتراكي السابق في أوروبا، بطريقة ديمقراطية حضارية وبمجهود وطني هو الأول من نوعه تقريباً على المستوى العالمي، يهدف إلى تحويل «حب الوطن» إلى واجب إلزامي منصوص عليه في القوانين الوطنية لهذا البلد، الذي خرج من عباءة النظام الشيوعي الشمولي السابق عبر ثورة مخملية، وكف عن كونه جزءاً من الاتحاد مع جمهورية التشيك، التي وحدتهما ظروف الحرب العالمية الثانية على يد الجيش الأحمر السوفياتي (السابق)، ليتنفس بعدها أجواء الحرية والديمقراطية الأصيلة وحقوق الإنسان.

يتضمن هذا الإجراء الذي دخل حيز التنفيذ في البلاد، مطلع شهر أبريل/ نيسان 2010، نصوصاً حيوية إلزامية، تشدد على ضرورة تلاوة النشيد الوطني في جميع الاجتماعات الحكومية وجلسات البرلمان ومواقع العمل الرسمية والتجمعات الشعبية والمناسبات الثقافية والرياضية، ووضع علم الدولة ومختصر من دستور البلاد في مناهج التعليم الرسمي، كأمر لابد منه لمن أراد الانتماء إلى وطن يتسع للجميع، ومجتمع هادف ومتضامن ومتحد.

وتتجسد هذه الظاهرة الوطنية العتيدة في الجهود التي تبذلها الدولة ومختلف مؤسساتها الرسمية وتجمعات النفع العام في مهمات تثقيف وإعداد الأجيال الراهنة واللاحقة على مفاهيم الطابع التربوي لمفهوم المواطنة وحب الوطن، ونظم إنسانية حديثة وعصرية تسعى إلى توطيد أواصر الشراكة المجتمعية والتعاون والإخلاص للوطن، بدلاً من إضاعة الوقت في صراعات سياسية واجتماعية لا طائل منها في حياة الدولة والمجتمع .

وإذا كانت هذه الظاهرة الوطنية الملفتة، قد وجدت العناية والاهتمام الملموس في مدارات التأمل الوطني الحقيقي في سلوفاكيا الدولة الفتية في الاتحاد الأوروبي، كتعبير عن الإخلاص المشترك لـ «حب الوطن» بين جميع أفراد المجتمع كضرورة للحفاظ على الوحدة الوطنية، فإنه في بلدان كثيرة تتظاهر بممارسة الديمقراطية وحب الوطن وحقوق الإنسان، فإن هذه المفاهيم الثلاثة، تأتي وللأسف الشديد بعد شعارات تمجيد وتقديس الحاكم وأفراد عائلته وحاشيته ونظامه، بمختلف معانيها التسلطية المشحونة بالجبروت والقوة والعنف والتعصب ورفض الآخر، حيث يأخذ مفهوم السلطة مكانة مركزية على مفهوم المواطنة وحب الوطن، تحت ذريعة وجوب طاعة «القادة الحكام» واحترامهم وإجلالهم، من دون مراعاة حريات الناس ومشاعرهم المهووسة بحب الوطن، وحتى في احترام الدساتير التي صدقوا عليها، إنها الأنظمة السياسية القهرية التي تنفرد وحدها فقط بصنع القرار وتطالب شعوبها بتمجيد إنجازاتها السياسية والتعلق بها على حساب المواطنة وقضايا الوطن، فمتى يمكن أن تتعلم هذه الأنظمة الاستبدادية من التجربة السلوفاكية المكرسة فقط للانتماء العضوي الأصيل في المجتمع وعشق الوطن

Loading