الحرب على سوء المعاملة في «السجن»
بعد الافتتاح الجماهيري الحاشد بحضور الملك هيرالد الخامس ملك النرويج وقادة البلاد السياسيين لمناسبة الانتهاء من بناء الصرح الإصلاحي الفخم، أو كما يحلو للبعض تسميته بـ «فندق 5 نجوم» الذي شيدته الحكومة النرويجية، كمصحة تربوية وتثقيفية للنزلاء المطبقة عليهم عقوبات السجن لفترات طويلة تحت شعار «معاملة النزلاء بإنسانية تعزز فرص إعادة اندماجهم في المجتمع» والذي استغرق بناؤه قرابة عشر سنوات، بتكلفة بلغت حوالي 1,5 مليار كرونة نرويجية، بما يعادل 252 مليون دولار، ويمتد على مساحة تزيد عن 75 فداناً وسط غابات جنوب شرق النرويج.
والملاحظ على هذا «الصرح الإصلاحي» الجديد أنه لا يوجد مثيل له في العالم سوى في اليابان، التي تمتاز بعض سجونها بروعة التصميم ومتطلبات الرعاية الاجتماعية الحديثة، وبافتتاح هذا «الصرح» لم يعد هناك شيء يقلق مضاجع النزلاء في النرويج، سوى عدم مشاركتهم الحياة اليومية العادية (الحرة) مع الآخرين في المجتمع، بشكل قد يجعلهم سعداء حتى وهم داخل أسوار السجن المحصنة.
هذا السجن النموذجي الذي استبدلت اسمه الحكومة النرويجية بـ «الصرح الإصلاحي» والذي ستكون مهمته الأولى والأخيرة، هي إصلاح العقول التي مارست الأخطاء الفاحشة بحق نفسها أولاً قبل أن تلحق الآخرين بالأذى الجسدي أو المعنوي، بدلاً من استخدام القسوة ضدهم، والتي ستعني في نهاية المطاف تدمير حياتهم بعد خروجهم من غياهب السجن، هو في واقع الحال، نقيض السجون المألوفة حتى في البلدان الأكثر تقدماً في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي مازالت تمارس وسائل الترهيب وسوء المعاملة ضد النزلاء وتدمير حياتهم، فهو يتميز بمعظم مقومات الرعاية الإنسانية والتأهيل والتربية الاجتماعية والنفسية، من خلال توفير الموظفين والأخصائيين في علم النفس وحقوق الإنسان، ومزوداً بمختلف المرافق الترفيهية الضرورية اليومية، مثل الاستوديوهات وميادين السباق ومنازل من غرفتين لاستضافة النزلاء عائلاتهم وتمضية بعض الأوقات، ومجهزة بتلفزيونات حديثة ذات شاشات مسطحة وثلاجة صغيرة ونوافد عالية مفتوحة من دون قضبان، لإتاحة المزيد من أشعة الشمس.
وتتشارك كل عشر زنزانات في «الصرح الإصلاحي» في مطبخ واحد وغرفة طعام مشتركة مجهزة بكافة أدوات الطبخ النموذجية، حيث يلتقي الجميع في مأدبة طعام واحدة، والتمتع بممارسة الأنشطة اليدوية التقليدية، والاستفادة من بعض الدروس الاجتماعية وطهي الطعام ونشاط الرياضة، وذلك تماشياً مع المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي أكدت على احترام إنسانية الإنسان بالقول: «لا يعرض أي إنسان للتعذيب أو للعقوبة أو للمعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة».
ويقول آر هويدال، حاكم سجن هالدن فينغسيل الإصلاحي: «على غرار كافة السجون في النرويج، هناك تركيز تام على حقوق الإنسان واحترام حقوق النزلاء، وتوعيتهم وتثقيفهم وترشيدهم نحو طريق الصواب، لكي تصبح حياتهم ذات معنى».
يأتي هذا «الصرح الإصلاحي العظيم» كما يصفه حقوقيون نرويجيون وعالميون، كبصيص نور في عالم يسود فيه الظلام في مناطق كثيرة على سطح الكرة الأرضية، حيث يخضع الكثير من السجناء وبخاصة سجناء الرأي والسياسة، إلى ممارسات قهرية شديدة، والتنكيل بهم داخل السجن؛ لأن هناك شعور الحكام بالكثير من الكراهية تجاه من يرون بأنهم منافسون حقيقيون لسلطانهم.
وعلى الرغم من أن هذا الصرح الإصلاحي الكبير في النرويج قد استحوذ على إعجاب الكثير من المنظمات الحقوقية الدولية والنشطاء في مجال حقوق الإنسان، فإنه بالنسبة لحكام الأنظمة الشمولية القمعية، الخائفين من شعوبهم، يبقى حدثاً مقلقاً لأوضاعهم؛ لأنهم ببساطة يكرهون مثل هذا «النموذج الاجتماعي الأمثل» المكرس لاحترام حقوق الإنسان، وحقوق المواطنة المشروعة، مما يعكس عدم احترامهم لحقوق الإنسان وقضايا الإصلاح.