أوروبا «المغرية» أهي جنة أم جحيم؟
برغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة، التي تعاني منها دول القارة الأوروبية منذ الانهيار الاقتصادي العالمي، قبل ثلاثة أعوام، وكذلك القوانين الصارمة التي اتخذتها حكومات أغنى الدول في أوروبا، بشأن مكافحة أسباب تنامي الهجرة غير الشرعية، التي تسببت بمخاطر اقتصادية واجتماعية على المستوى الوطني، لايزال بريق «جنة الأحلام الأوروبية» يغري ملايين الفقراء والمحرومين حول العالم لمواصلة الزحف نحو الجنة المنشودة في الغرب، لتحقيق حلم العمل والإقامة والثراء المعقول.
الفقراء والمحرومون حتى من أبسط حقوق المواطنة المشروعة في بلدانهم الأصلية، وعلى رغم كل ما يصل أسماعهم من صعوبات وتراجعات الاقتصاد الأوروبي المستمرة منذ السنوات الثلاث الأخيرة، مازالوا يصدقون أن «أوروبا المنهكة» بالتضخم الاقتصادي الملفت، وارتفاع نسبة العطالة عن العمل بين مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية المدربة والمؤهلة لسوق العمل، مازالت تمثل لهم صورة «البقرة الحلوب» التي يمكن أن تدر عليهم من خزائن أموالها الأعلى نسبة في العالم، معادن الذهب والفضة، وتمنحهم آمالاً للعيش في بحبوحة الاقتصاد الحر والأمن الذي يشعرون بفقدانه في بلدانهم، لكن التقارير والدراسات الأوروبية التي عالجت مسائل الهجرة بشكل عام، أوضحت أن أوروبا، التي شرعت أبوابها لاستقبال الأيادي العاملة الرخيصة وحماية المحرومين والمضطهدين من ظلم أنظمتهم القهرية، وكلفت معظم المجتمعات الأوروبية، خسائر معنوية واقتصادية باهظة وموجات نزوح عمالية معاكسة، بسبب نسبة التضخم العمالية وبعض الممارسات والتصرفات غير اللائقة بالضيافة، لم تعد كما في الماضي البعيد، في مسيس الحاجة لاستقبال المزيد منهم، سوى أولئك المؤهلين لسوق العمل والنازحين لأسباب سياسية وإنسانية جدية، وربما لسنوات معينة ومحدودة.
وبحسب مصادر المنظمات الحقوقية الأوروبية، فإن عمليات واسعة النطاق لتهريب النازحين من مناطق التوتر والحروب والمجاعات والفقر المدقع، تديرها عصابات المافيا والاتجار بالبشر، مازالت تنشط في البلدان الأوروبية الأقل قدرة على حماية حدودها من مختلف شبكات التهريب، التي تقدم خدماتها بأثمان باهظة للزبائن الحالمين بالوصول إلى «جنة الغرب» ضاربة بعرض الحائط التدابير الأمنية والإجراءات العقابية الصارمة التي بدأت تفرضها معظم دول الاتحاد الأوروبي ضد الهجرة غير الشرعية القادمة من خارج حدودها، حيث توعدت كل دول الاتحاد، البلدان التي تنطلق منها موجات الهجرة غير الشرعية، وترفض التعاون مع الاتحاد الأوروبي، باتخاذ تدابير وقائية أو عقوبات اقتصادية أو تجميد سبل التعاون ووقف الدعم التنموي وإعادة النظر في العلاقات الاقتصادية أو تمويل المشروعات معها عن طريق وقف القروض أو المنح الاقتصادية وحرية إغلاق الأسواق الأوروبية أمام بعض منتجاتها، وترك إمكانية مفتوحة لفرض عقوبات دبلوماسية تجاهها، ووضع الدول الأكثر تساهلاً، في «القائمة السوداء» الأوروبية.
لكن الخبراء في شأن الهجرة، لا يعتقدون بأن أوروبا قد تتخلص قريباً من حجم الهجرة السرية، مهما اتخذت من تدابير صارمة وحازمة، لان هناك ملايين الفقراء والمضطهدين والمشردين على مستوى العالم وخاصة في إفريقيا حيث يعيش الفرد على معدل دخل دولار واحد أو أقل في اليوم، يرون بأن السبيل الوحيد لمستقبل أفضل في حياتهم، هو الهجرة إلى أوروبا، التي يتصورها البعض إنها مسئولة عن شقائهم، حيث يوجد هناك الثراء الفاحش وأسباب الأمن والاستقرار، الذي صار يدغدغ أحلامهم ويدفعهم دفعاً نحو المغامرة بأموالهم وحتى أرواحهم من أجل تحقيق هذا الهدف الذي غالباً لا ينجح، ولذلك بحسب الكثير من الخبراء، فإن الطريق سيكون شاقاً وعسيراً على أوروبا حتى تستطيع التصدي لنشاط عصابات المافيا والاتجار بالبشر، التي ما برحت تدغدغ أحلام الفقراء بالعيش وسط المجتمعات الثرية، في مقابل أن يدفعوا لها، كل ما حصلوا عليه في حياتهم من أموال، من دون أن تضمن لهم العواقب المحتومة، والتي مازالت حتى الآن قادرة على اختراق أصعب قوانين الهجرة والستار الحديد في أوروبا