حمى التسلح العسكري… وأحلام الشعوب الفقيرة

تحلم شعوب العالم أن يأتي اليوم الذي يمكن أن تنتهي فيه مآسي البشرية المفجعة، نتيجة النزاعات المسلحة والحروب الدامية المؤلمة، التي قضت على أرواح ملايين الناس، وأهلكت الزرع والضرع في مناطق كثيرة حول العالم، وتتمنى على حكومات الدول التي مازالت تنفق مليارات الدولارات على صفقات التسلح العسكري، أن تهتم بمصالح شعوبها الفقيرة، بدلاً من إهدار كل هذه الأموال الطائلة، على الأسلحة الفتاكة التي تستخدم غالباً ضد الشعوب الفقيرة المطالبة بالحرية والديمقراطية والعيش الكريم، أو يتم تكديسها في المستودعات إلى سنوات طويلة من دون أن تجد طريقها إلى الاستخدام والاستفادة منها، حتى تنعم شعوب العالم بمستقبل آمن ومستقر، في حين يقول التقرير السنوي للعام 2009 الصادر عن معهد استوكهولم لأبحاث السلام، بأن هذا الحلم سيبقى بعيد المنال إلى سنوات طويلة قادمة، حيث لاتزال الدول العظمى في نادي التسلح تحث الخطى نحو زيادة وتعزيز ترساناتها العسكرية بذريعة محاربة ما يسمى بـ «الإرهاب الدولي»، وتصرف مليارات الدولارات من أجل تحقيق هذا الهدف، بالرغم من خطورة أزماتها الاقتصادية والانتقادات الداخلية والدعوات الدولية المطالبة بوقف سباق التسلح، وإحلال السلام والوئام في ربوع العالم، وتأكيد الإيمان بقضايا حقوق الإنسان.

وبحسب تقرير المعهد، فإن معدل الإنفاق على مشاريع التسلح بلغ في العام المنصرم أكثر من 1500 مليار دولار، بزيادة تصل إلى قرابة 6 في المئة عن العام 2008، رغم الأزمة الاقتصادية العالمية، وكعادتها جاءت الولايات المتحدة الأميركية على رأس قائمة الدول، حيث صرفت في العام 2009 أكثر من 661 مليار دولار، لمواجهة ما تسميه بـ «الإرهاب» و»أعداء الديمقراطية وحقوق الإنسان» حول العالم، وتليها الصين في المرتبة الثانية التي صرفت قرابة 100 مليار دولار، ثم فرنسا التي أنفقت قرابة 36.9 مليار دولار، ومن بعدهم البرازيل والهند، والدول الأخرى القلقة من ثورات شعوبها ضد تبذير الثروة الوطنية والتبعية والقهر، واستحوذت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المؤلفة من 54 بعثة دولية التي تقوم بمهمات حفظ السلام في جميع مناطق الحروب والتوتر في العالم، على الجزء الأكبر من النفقات التي بلغت بحسب معهد أبحاث السلام في السويد، قرابة 9.1 مليارات دولار.

لقد أنهك الإنفاق العسكري، قدرة الدول على مواصلة خطط التنمية الاقتصادية والبشرية، وزاد من حدة أزماتها الاقتصادية التي ظلت تتضاعف عاماً بعد عام بغياب الحلول الجوهرية الناجعة، غير أن مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة وتوزيع الثروة بين كافة أعضاء المجتمع بالتساوي، يكاد يكون في واقع الأمر ما تهمله الحكومات التي ترى أن امتيازاتها ومصالحها واستمرار بقائها في السلطة، هي أهم من مصالح الناس وضيق عيشهم، وهو ما يطرح سؤالاً عن استفادة هذه الحكومات من بعبع ما يسمى «الإرهاب المحلي والدولي» واستمرار رفضها الدعوات والمناشدات الوطنية والدولية بالتخلي عن مشاريع الإنفاق الأمني والعسكري غير المجدي والانفتاح على شعوبها نحو تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والاستفادة التامة من دروس الحروب المريرة المؤلمة التي عصفت بالأمم والشعوب على مر التأريخ.

Loading