مواطن عادي
على خلاف مظاهر الفخامة وحالات البذخ اللائقة بالملوك ورؤساء الدول حول العالم، يعيش زعيم تحالف اليسار رئيس دولة اوروغواي خوسيه موخيكا (75 عاماً) الذي فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في بلاده، وغيره كثيرون من الرؤساء والملوك، ممن يفضلون حياة التقشف ويؤمنون بالعدالة الاجتماعية والمساواة، مثلهم مثل أي مواطن بسيط لا يملك سوى التصرف الاجتماعي اللائق والملبس والمسكن المتواضع، ولكن بالطبع مثل هذه الظاهرة لم تترك أي أثر على مصير حكام في مجتمعات مازالت تنظر إلى رؤسائها، على أنهم من نوع «الأجناس المقدسة» وأصحاب «السلطة الأسطورية» التي يفرض على المجتمع احترامها وتقديم الأرواح فداء لها.
ويظهر ذلك التقشف جلياً في وصف الرئيس خوسيه موخيكا، هذا «الثائر اليساري البسيط»، الذي اشتهر بالتواضع والسلوك الجيد، منذ كان مناضلاً يافعاَ في صفوف الثوار الذين ضحوا بأرواحهم وأموالهم وأوقاتهم في سبيل السيادة الوطنية والاستقلال.
وبحسب الصحف الوطنية في أوروغواي، و «وكالة رويترز للانباء»: «إن الرجل بعد انتخابه رئيساً للدولة، في مارس/ آذار 2010، أصر على التمسك بأساليب التقشف التي تميز بها في السابق، والمساواة مع أعضاء المجتمع في البلاد، حيث فضل البقاء في منزل بسيط في مزرعة تملكها زوجته عضو مجلس الشيوخ لوسيا تويولانكي، في ضواحي العاصمة (مونتفيديو)، بدلاً من الإقامة في القصر الرسمي لرئيس الدولة، وليس بحوزته أية أموال أو مذخرات، سوى سيارة «فولكسفاجن» من الطراز القديم مصنعة منذ العام 1987، وتبلغ قيمتها الإجمالية 1920 دولاراً أميركياً، كان قد صرح عنها خلال تأدية القسم لاستلام السلطة، ويتبرع بأكثر من نصف راتبه الشهري الذي يقارب نحو 11.68 ألف دولار، إلى خزانة ائتلاف اليسار الحاكم الذي يمثله وعدد من مشاريع الإسكان للطبقات الفقيرة والمعدمة، ويتجول في ربوع البلاد من دون حراسة ومواكب سيارة وتسليط الأضواء، ومتخذاً البساطة والزهد شعاراً للحياة السعيدة والمتحررة من مختلف صنوف التزمت والتميز والبهرجة وكافة المراسم التقليدية.
من بين رؤساء الدول والملوك، الذين يشاطرون الرئيس خوسيه موخيكا، حياة التقشف والتواضع الاجتماعي ودعم الطبقات الفقيرة في المجتمع، هناك الرئيس الليتواني فالداس أدامكوس، الذي ضرب مثلاً رائعاً بالتواضع وخدمة شعبه، عندما أعلن تضامنه مع الشعب في مواجهة الأزمة المالية التي مازالت تعصف بجمهورية ليتوانيا منذ السنة الماضية، وقرر أن لا يتسلم راتبه الشهري منقوصاً بنسبة 16 في المئة، والتمس من جميع وزرائه أن يحذو حدوه في سبيل إنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصادية الخانقة.
وهناك أيضاً الملكة بياتريس أرمجاد، ملكة هولندا التي يصفها الهولنديون، بأنها امرأة متواضعة للغاية وقريبة جداً من المجتمع الذي تشاطره كافة همومه في الظروف الصعبة وتمثل له على الدوام رمز الوحدة الوطنية، وهي المرأة الملكة التي مازالت تتحسس من مظاهر البذخ والترف، وتتنقل في معظم جولاتها في محافظة العاصمة على دراجة هوائية عادية من دون أية حماية أمنية، وتتبادل الحديث مع المواطنين العاديين في لقاءاتها بهم في الأماكن العامة والأحياء الشعبية الفقيرة.
والملكة مارغريت الثانية، ملكة الدنمارك، التي مازالت تعيش مع جميع أفراد الأسرة الملكية في قصر متواضع في قلب العاصمة (كوبنهاغن)، حياة زهيدة، ومتحررة من قيود الحراسة اللصيقة التقليدية، وتهب معظم أموالها من مرتبها الشهري وريع رسوماتها التشكيلية إلى الجمعيات الخيرية ومؤسسات رعاية الأطفال وكبار السن في البلاد، ولأنها لا تملك الكثير من المال، فقد التمست من شعب الدنمارك قبل عدة سنوات مضت، التبرع لابنها يواكيم، عندما قرر الأخير إقامة حفل زواجه الأول السعيد، وهو لا يملك شيئاً من المال، فسارعت غالبية الشعب بالتبرع.
ورئيس الوزراء الدنماركي الأسبق أنكل يانسن، الذي حكم البلاد 12 عاماً من الزمن، وظل يعيش طوال فترة حكمه، في شقة متواضعة جداً مكونة من ثلاث غرف صغيرة ومنافع ومطبخ، في أفقر الأحياء الشعبية جنوب العاصمة (كوبنهاغن)، وهي شقة مستأجرة من إحدى شركات السكن، وعندما بلغ الرجل سن الـ 83 عاماً، سلمها إلى الشركة المالكة، وهو يقيم حالياً في إحدى دور العجزة في العاصمة، مثله مثل أي مواطن عادي.
وأمثال هؤلاء الرؤساء والملوك، كثيرون فهناك على سبيل المثال، رئيس جمهورية جنوب إفريقيا الأسبق نيلسن مانديلا، وملك السويد الحالي، كارل جوستاف، وعدد غير قليل من رؤساء الجمهوريات في أميركا الجنوبية (اللاتينية) الذين مازالوا يفضلون حياة التقشف والزهد، بعيداً عن مظاهر البذخ الفاحش والترف والقصور والخدم والحشم والحراس والسيارات الفارهة والأثات الفاخر من أرقى مصانع الدول المتقدمة في العالم.