دمشق… الموطن الأسمى لحركات التحرر واللاجئين

خلال المؤتمر الصحافي المشترك بين المفوّض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أنطونيو غوتيريز والناشطة القطرية في مجال حقوق الإنسان، الشيخة حصة بنت أحمد آل ثاني، لمناسبة احتفالات الأمم المتحدة «بيوم اللاجئ العالمي» في دمشق، أكد غوتيريز، على الدور الرائد الذي لعبته الجمهورية العربية السورية لمساعدة آلاف اللاجئين على ترابها الوطني، وتقديم الخدمات الإنسانية لهم، على رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والضغوط السياسية الإقليمية والدولية الكبيرة، التي ظلت تتعرض لها منذ عدة عقود وخلال المرحلة الراهنة. ومعبراً في الوقت ذاته، باسم المفوضية السامية عن تقديرها للقيادة السورية والشعب السوري، على واجبات الضيافة للاجئين منذ سنوات بعيدة.

وفي معرض حديثه عن سياسات الدول التي تستقبل اللاجئين الهاربين من جحيم البؤس والاضطهاد والحروب في بلدانهم، قال أنطونيو غوتيريز: «ظلت سياسات الجمهورية العربية السورية تجاه اللاجئين والمنفيين من ديارهم، تنسجم تماماً مع أهداف ورغبات الأمم المتحدة، الخاصة برعاية اللاجئين وتوطينهم تخفيفاً لمعاناتهم الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، التي باتت في هذا الوقت بالذات تقلق الهيئات الإنسانية الدولية»، وأن سورية ظلت بمثابة «الموطن الأسمى لاستهلاك اللاجئين والمبعدين من ديارهم» لأسباب سياسية وأمنية وإنسانية صرفة، حيث استقبلت منذ النكبة في العام 1948، أعداداً هائلة من الفلسطينيين ومنحتهم حقوقاً لم يجدوا مثلها في أي مكان حول العالم، واستخدمت لاحقاً سياسة الأبواب المفتوحة التي شرعتها لاستضافة آلاف اللاجئين العراقيين، منذ ما قبل سنوات الحرب على العراق وما بعدها، والترحيب بكل اللاجئين والهاربين من جحيم الأنظمة السياسية القمعية، وعدم مضايقتهم أو إعادتهم إلى أوطانهم كما فعلت بلدان كثيرة في العالم.

وشدّدت الناشطة القطرية الشيخة حصة بنت أحمد آل ثاني، على تكثيف الجهود الإنسانية الواسعة تجاه مسائل اللاجئين وتخفيف معاناتهم في المنافي القسرية، وأثنت على الدور المميز الذي لعبته القيادة السورية تجاه استقبال اللاجئين ورعايتهم وتقديم المساعدة لهم، وناشدت جميع الدول التي مازالت جهودها تترنح في مجالات حقوق الإنسان، وخصوصاً الدول التي تمتلك إرادة صنع القرار السياسي، والإمكانات الاقتصادية الضخمة، ببذل جهود أكبر تجاه اللاجئين من مختلف الجنسيات الذين اضطرتهم الظروف السياسية والأمنية للبحث عن مكان آمن.

وبحسب غوتيريز، فإن أعداد اللاجئين الذين غادروا أوطانهم الأصلية بسبب النزاعات والحروب الأهلية من مختلف مناطق العالم، قد بلغ نحو 43 مليون لاجئ، عاد منهم قرابة 250 ألف لاجئ بشكل طوعي، فيما فضل آخرون البقاء في الشتات القسري، على العودة إلى أوطانهم، خوفاً من مخاطر سياسية وأمنية واقتصادية قد تهدّد حياتهم.

وتصريح المفوض السامي لشئون اللاجئين في هذه المناسبة الدولية، ليس من باب المجاملة للقيادة السورية، التي حملت على عاتقها مسئولية وطنية وإنسانية تجاه من كانوا يبحثون عن محطات مؤقتة ومكان آمن يحتمون في ظله من ظلم أنظمتهم الاستبدادية، أو لأسباب أخرى قهرية، وقدمت لهم الخدمات اللائقة بالضيافة، بل لأن دمشق ظلت أبوابها مشرعة عبر عقود طويلة مضت، لاستقبال اللاجئين والمبعدين قسراً من ديارهم، سواء من أبناء الأمة العربية، التي ما برحت ترفع راية الدفاع عنهم في وجه الأعداء، أو من غير العرب الذين طرقوا أبوابها بقصد منحهم حقوق اللجوء والإقامة المؤقتة، بسبب الاضطهاد والحروب والقمع.

هذه الصورة الحية عن استقبال دمشق للاجئين والمناضلين المبعدين قسراً، مازالت حاضرة في ذاكرة الكثيرين ممن تجرعوا مرارة الاغتراب والنفي القسري عن الوطن من مختلف حركات التحرر الوطني حول العالم، ومنهم بواقع الحال – نحن وإخوتنا وأخواتنا – من فصائل الحركة الوطنية والإسلامية البحرينية، الذين اضطروا للبقاء في الخارج كرهاً، خلال حقبة قانون أمن الدولة، حيث قدمت دمشق للجميع تسهيلات الإقامة والعمل وحرية الحركة السياسية والفكرية، وتسهيل تحركاتهم النضالية على المستوى العالمي.

ولا تخفي دمشق، طموحاتها بأن تصبح على الدوام «موطن اللاجئين الأسمى» لأنها لاتزال تؤمن بضرورات العمل الإنساني الصرف بعيداً عن أية أهداف مصلحية أو مآرب شتى، واستقبال اللاجئين ورعايتهم وحمايتهم من عسف أنظمتهم، على نحو يؤكد تعاطفها معهم إنسانياً وأخلاقياً، كما حصل على امتداد عقود، غير آبهة بحجم التحديات الحساسة، التي قد تواجهها على الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية وطنياً وإقليمياً وعالمياً نتيجة هذه التوجهات.

Loading