أوروبا وظاهرة كراهية الأجانب

حتى لو استمرت أوروبا بالقول إنها: «حامية حمى الديمقراطية وحقوق الإنسان» في العالم، نظراً لتاريخها البعيد في تبني نظم الديمقراطية والحرية والحكم الدستوري وحقوق الإنسان، وإنها مازالت تمثل «القلعة الأخيرة» للدفاع عن اللاجئين والمهاجرين من مختلف بقاع العالم لأسباب سياسية واقتصادية وإنسانية، فإن حقائق الأمور الجارية حالياً على أرض الواقع في غالبية دول القارة الأوروبية وخاصة ذات التاريخ الغارق في القدم، التي فتحت الأبواب على مصراعيها لاستقبال العمال ومنح اللجوء السياسي والإنساني، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وهولندا والسويد، ليس هناك من شيء في الوقت الراهن يوحي بأن «جنة النعيم» التي حملت لواء الدفاع عن الحريات الديمقراطية وهموم الفقراء والمضطهدين حول العالم، هي نفسها التي يحلم الآخرون بالإقامة فيها، بعد سقوط كل الأوهام وظهور الطرق المسدودة المحتومة على مستوى الهجرة والعمالة الرخيصة ومنح اللجوء السياسي.

ففي معظم المعلومات واستطلاعات الرأي لمراكز البحوث والإحصاءات الأوروبية، خلال السنوات الأخيرة، حول اللاجئين والمهاجرين، ظهرت هناك مؤشرات وأصوات كثيرة تدل على تنامي مظاهر الكراهية العامة للأجانب، وتحث الخطى وسط حملات جديدة تقودها أحزاب سياسية وقوى يمينية متطرفة معادية للأجانب، تطالب حكوماتها بتشريع قوانين جديدة تقطع الطريق على موجات اللجوء والهجرة الزاحفة من مناطق الحروب والفقر والاضطرابات، وإصلاح آليات الأنظمة القديمة والأساليب الإدارية التي تساعد الأقليات العرقية والإثنية والدينية على الاندماج في المجتمع.

فألمانيا التي فتحت صدرها لاستقبال قرابة 17 مليون مهاجر منذ سنوات الحرب الباردة، بدأت تنتهج أساليب مختلفة في قوانين الهجرة عبر إحكام سيطرتها على قوانين الإقامة وسوق العمل، وفق ما تصفه بـ «الضمان الأساسي للمجتمع الألماني الأصلي».

وهولندا التي كانت تعير الاهتمامات البالغة بالخصوصيات الثقافية والاجتماعية والدينية للمهاجرين، بدأت تضيق الخناق على جميع الأنشطة التقليدية للمجتمعات العرقية والإثنية في المجتمع الهولندي، أما فرنسا فقد كشفت مؤخراً عن سياستها في التمييز تجاه المهاجرين من قوميات الغجر الأوروبية التي قررت الحكومة ترحيلهم بشكل جماعي في حملة قيل بأنها ضد الجريمة المنظمة، إلى ما قيل إن أوطانهم الأصلية في رومانيا وبلغاريا والمجر.

وبريطانيا التي كانت تجلب الكثير من العمال من مستعمراتها القديمة للاستفادة من خدماتهم في تطوير التنمية، ضاق صدرها اليوم بالمهاجرين واللاجئين، ولاسيما أن الأزمة المالية والتقشف الذي تمر به دفع الشعب البريطاني إلى تأييد سياسات أكثر صرامة للحد من توافد المهاجرين.

هكذا، فإن أوروبا تشهد حالياً تغييرات في التوجهات تسببت فيها أزمات اقتصادية وسياسية، إضافة إلى بروز تيارات يمينية متطرفة تدعو علانية إلى مواجهة الذين لا يشبهون الأوروبيين في المحتوى أو الشكل.

Loading