انحسار «النموذج الاجتماعي» الألماني

في كلمتها إلى الجماهير الألمانية التي احتشدت لاستقبالها في مدينة بوتسدام المتاخمة للعاصمة (برلين)، أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أن ألمانيا التي كانت محط حسد الآخرين بنظامها الديمقراطي ومجتمع الرفاهية، تشهد اليوم فشل «النموذج الاجتماعي الأمثل»، الذي تميز عرى أصالته عبر عقود طويلة مضت بتعدد الثقافات والأديان والطوائف، انسجاماً مع قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات التي كرستها قوانين العدالة الاجتماعية ودستور الدولة الاتحادية الألمانية.

وتشير المستشارة الألمانية إلى ذلك الفشل، من منظار واقعي إلى الهموم اليومية التي يعيشها المجتمع الألماني في المرحلة الراهنة، إزاء قضايا حساسة تتعلق بأوضاع المهاجرين وتنامي البطالة وتراخي الاقتصاد الوطني وبطء عمليات الإصلاح والضغوط الكثيرة التي تمارسها القوى اليمينية المتطرفة والنازية الجديدة بهذا الصدد.

ففي 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2010 نشرت صحيفة «الديلي تلغراف» البريطانية، تصريحات مخيبة لآمال الكثيرين ممن بقوا يتباهون «بالنموذج الاجتماعي الأمثل» في ألمانيا، حول الاندماج والتنوع الثقافي والعرقي الذي كان سائداً في البلاد، حيث قالت «إن البلاد فشلت فشلاً ذريعاً ونهائياً في تحقيق العيش المشترك والتناغم العرقي والطائفي داخل المجتمع الألماني، وإن ألمانيا اليوم لا تحتاج إلى هجرة كثيفة تلقي بثقلها على نظامها الاجتماعي الرائع.

وأخطر ما في تصريح ميركل، هو أن ألمانيا في هذا الوقت بالذات بدأت تفقد بريقها الناصع تجاه الحريات والتنوع العرقي والتعايش الاجتماعي المفتوح على المجتمعات الأخرى التي تعيش في كنف المجتمع الألماني الأصلي، وخاصة لجهة المهاجرين واللاجئين من الدول العربية والإسلامية، فقد أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن أكثر من ثلث المواطنين الألمان، ينصب قلقهم على المهاجرين واللاجئين الذين يصفهم البعض بـ «المتلاعبين» بأنظمة الرعاية الاجتماعية والصحية المتقدمة التي توفرها الدولة الألمانية مجاناً للمواطنين.

ومعروف أن التدفق السنوي من المهاجرين (الشرعيين وغير الشرعيين) من مختلف مناطق التوتر في العالم إلى ألمانيا، قد انخفض بنسبة كبيرة في خلال السنوات الأخيرة، نتيجة الإجراءات المشددة في قوانين الهجرة ومراقبة نقاط الحدود البحرية والبرية والجوية وتطبيق قوانين الحد من الهجرة في أوروبا، فبعد أن كانت ألمانيا نهاية الحرب العالمية الثانية، البلد الأوروبي الذي يمثل النسبة الأكبر في استهلاك المهاجرين وبخاصة الأتراك والعرب، تحولت على نطاق غير مسبوق، إلى بلد يفرض القوانين المجحفة بحق المهاجرين واللاجئين، بذريعة الخوف من «طغيان الهجرة» وتأثيرها على اقتصاد البلاد ونظامها الديمقراطي النموذجي.

ويعيش في ألمانيا، التي جاءت بحسب تصنيف الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية الصادر مؤخراً، في المرتبة الأولى على دول الاتحاد الأوروبي الـ 27، من حيث الرعاية الاجتماعية واحترام ثقافات المهاجرين وتطلعاتهم، حالياً أكثر من 7 ملايين مغترب موزعين في مختلف محافظات البلاد الغربية والشرقية، منهم قرابة 4 ملايين مسلم من أصول تركية وعربية وبلقانية.

وقبل فترة وجيزة، أصدر مسئول في البنك المركزي الألماني وعضو متقدم في الحزب الاشتراكي الألماني، تيلوزاراتسين، كتاباً يحمل عنوان: «ألمانيا تدمر نفسها» انتقد فيه بشدة أوضاع المهاجرين المسلمين في ألمانيا، وقد وصفهم «بالطبقة الانتهازية الصرفة» التي تحتال على المجتمع وتعمل بشكل واضح على زعزعة الاقتصاد والثقافة في ألمانيا، ولكن يبدو أن البلاد سوف تكتفي لاحقاً «بهجرة الكفاءات» لا غير، كما قال رئيس غرفة التجارة والصناعة الألمانية هانس هاينريش لصحيفة «فيلت إم زرنتاخ» في حديثه عن جدلية الهجرة وشجونها في ألمانيا.

Loading