«وعد»… الأكثر مهابة في الشارع
بصرف النظر عن الخسارة (المتوقعة) التي تعرض لها مرشحو جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) في الانتخابات النيابية الأخيرة، والتي شكلت ضربة موجعة لتيار اليسار الديمقراطي وقوى التغيير في البلاد، فإنها استطاعت في غضون شهور قليلة، قبل معركة الانتخابات وخلالها، أن تكسب الكثير من المناصرين والمؤازرين، وتضاهي أقوى التيارات السياسية التي حصدت الكثير من أصوات الناخبين في المعارك الانتخابية الماضية، بسبب الاصطفافات الطائفية والمذهبية، التي باعت الناس أوهاماً وبضاعة طائفية مرذولة، والتي بذلت كافة الجهود والإمكانيات، لإضعاف الخيار الديمقراطي الحر وصوت الآخر المنشود على المستوى الوطني، وأن تحسب لها مختلف التيارات والقوى الطائفية والفئوية الضيقة المحدودة التي تحكمت بمصير المذاهب والطوائف البحرينية على مدى عقود طويلة من الزمن، وفي جميع المناسبات الانتخابية وغيرها، حسابات الأقوياء المنافسين والفائزين في المستقبل.
«وعد» خسرت هذه الانتخابات، ليس لأنها اختارت طريق المشاركة على رغم أنف تيار المقاطعة في صفوفها وبين الجماهير، بل لأنها كانت تمثل مشروع ووعد الوحدة الوطنية والتغيير الحقيقي والجوهري في مجتمع لايزال يعاني الأمرين من صنوف الحرمان ومن طغيان مستوى الطائفية وانتشار الفساد والمحسوبية وانعدام تكافؤ الفرص الاجتماعية والعمل والقهر الفكري، حيث يصر البعض على الاستمرار في نهج الماضي المؤلم، وحيث المقصود إقصاء اليسار الديمقراطي عن لعب أي دور سياسي واجتماعي فاعل على الساحة البحرينية.
ولعل وقوف آلاف المواطنين من مختلف الفئات والتيارات والطوائف، وراء قائمة «وعد» الثلاثية للانتخابات بقيادة الأمين العام إبراهيم شريف السيد، ومنيرة فخرو، وسامي سيادي، ودعمهم لها في صناديق الاقتراع في دوائرهم الانتخابية، أو عبر المساهمة في الدفاع عن برنامجها الوطني المختلف، الذي حاول كسر المحرمات وقواعد الصمت على الفساد وانتهاك الحريات وتقبل الأمر الواقع، هو مفتاح قبول القواعد الشعبية بالخيار السياسي والاجتماعي الآخر، الذي لا يربطه رابط المذهبية والطائفية المقيتة، والذي يعد المواطن البحريني بمستقبل أفضل في ظل شراكة وطنية واحدة موحدة وعدالة اجتماعية وحقوق سياسية مشروعة وتعايش سلمي بكرامة وأمن.
أمام هذه النتائج الواضحة برغم «الخسارة المؤلمة» سيكون لجمعية «وعد» تأثير مهم في الشارع البحريني خلال المراحل المقبلة، وخصوصاً بعد أن تنجلي زهوة «الانتصارات» ويوضع نواب البرلمان على المحك، حيث المطلوب الوفاء بالوعود الانتخابية الرنانة وتجسيدها على أرض الواقع، فقد بدأ يتجلى هذا التأثير في عدة مناسبات حول تطلعات «وعد» في طرح الحوافز الجديدة الملهمة، التي تعكس رغبة الغالبية الساحقة من المواطنين الذين يشعرون أن تطلعاتهم وأحلامهم ما عاد ممكن تحقيقها في ظل استمرار النزعة الطائفية، ووجود مؤسسات صنع القرار المعروفة بقوة الإرادة السياسية، التي أرست بعض التقاليد الموهمة وبعض الظروف المناسبة لعدم امتلاك قوى المعارضة الديمقراطية قوة كافية مطلوبة لطرح مشروع الخيار الآخر لسياسات الإصلاح المتعثرة التي تنتهج حالياً.
«وعد» التي كسبت هذا الزخم الهائل من جماهير شعب البحرين، وأتيحت لها فرصة تاريخية لاستقطاب المزيد من هم في المستقبل، مطالبة اليوم بمبادرات أكثر قوة وإندفاعاً وجاذبية، تحقق أحلام الشعب وتطلعاته لحياة أفضل، وتحميه من نزعة الطائفية البغيضة، وهي من دون شك تستحق الثقة الشعبية، كونها تعتمد أسلوباً سياسياً هدفه تغيير الصورة السياسية الراهنة لاحقاً، أكثر من أي مجلس نيابي محكوم بشروط وظروف السياسات والأنظمة القائمة في البلاد، وهو ما يعزز سلوكها ومواقفها في الشارع كمعارضة قوية من خارج قبة البرلمان، ويقوي حظوظها للفوز بمكاسب كثيرة في انتخابات العام 2014، إذا ما استمرت على هذا المنوال وقدمت المزيد من التضحيات.