الاكتئاب المخيف… وأنظمة الحكم
بسبب الاضطهاد والتهميش وارتفاع معدلات البطالة التي قد تصل أحياناً إلى نحو 99 في المئة في بعض البلدان، يتعرض ملايين الناس في البلدان الفقيرة والنامية التي لم تبلغ بعد مستويات التطور السياسي والاقتصادي وحقوق الإنسان، إلى مخاطر كبيرة من حالات الاكتئاب والاضطرابات النفسية والشرود الذهني تصل في أحيان كثيرة إلى حد يصعب فيه تحقيق العلاج الشافي.
في إحصائية نشرتها منظمة الصحة العالمية، حول انتشار الاكتئاب والاضطرابات النفسية الاجتماعية في العالم، تبين أن أكثر الفئات الاجتماعية التي تعاني من الاكتئابات النفسية والاختلالات العقلية، هم المهمشون في المجتمع الذين يعانون من الفقر والحرمان والاضطهاد وفقدان الفرص الاجتماعية والعمل.
وتقدر المنظمة الدولية، أن أكثر من ربع سكان العالم، هم مصابون بأمراض نفسية وتشوهات عقلية في بعض مراحل حياتهم، وغالبيتهم الساحقة في البلدان النامية والفقيرة وذات الأنظمة الشمولية الفاسدة، حيث يتعرض كل هؤلاء إلى التهميش والحرمان من التعليم وفرص العمل والرعاية الصحية الجيدة والمسكن الملائم، بحيث إن ما بين 75 و85 في المئة – بحسب – المنظمة من المرضى النفسيين لا يستفيدون من أية محاولات جدية للتخفيف من أعراض هذا المرض.
وتفيد المنظمة أن أكثر من ثلاثة آلاف إنسان حول العالم وبخاصة فئات الشباب في البلدان الأوروبية، يلقون حتفهم نتيجة الانتحار المميت، بسبب الاكتئاب والاضطرابات النفسية والتعاطي الهائل للكحول والمخدرات بأنواعها المختلفة.
وأشارت المنظمة إلى أن الاكتئاب، سيكون أحد الأسباب الرئيسة التي ستواجه البلدان متوسطة الدخل والفقيرة بحلول العالم 2030، لأن تفاوت النمو الاقتصادي والتكنولوجي والاجتماعي بين مختلف دول العالم، هو العامل الحاسم في معالجة تلك الأمراض، فقد أخذت الدول المتقدمة في ميادين الطب والثقافة الصحية، بميل متزايد نحو توسيع خدماتها الصحية للمواطنين مجاناً أو بأسعار رمزية، في ما تتجه البلدان الفقيرة والنامية نحو الاتجاه المعاكس في توفير كل هذه الخدمات الضرورية الإنسانية، حيث تتميز الحكومات بالفساد والولاءات والمحسوبيات وتفشي مختلف مظاهر البطالة والاستبداد المطلق، على حساب قضايا التنمية السياسية والديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان.
وإذا كانت مظاهر البطالة والفقر والاضطهاد السياسي هي أبرز العوامل المسببة لحالات الاضطراب النفسي الذي يعاني منها ملايين الناس على المستوى العالمي، فإن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمشاركة والمساواة، قد تكون في النهاية هي الضمانة الوحيدة بالشفاء المأمول، لكن إذا كانت الأنظمة الاستبدادية الفاسدة تواصل انتهاكاتها لحقوق الإنسان وتعمل لمصالحها الذاتية، فإن هناك ثمة آمال ضعيفة بتخفيف تلك الآلام، التي أخذت تفتك بملايين الناس عبر العالم، ولا من رادع.